هل تتذكرون الفيلم العبقري “عفوا أيها القانون”, الذي قامت ببطولته الفنانة الجميلة نجلاء فتحي وشاركها بطولته الفنان الساحر محمود عبد العزيز؟
نرشح لك : د.دينا أنور تكتب: عن إبراهيم عيسى
هذا الفيلم الذي ناقش منذ سنوات طويلة إجحاف قانون العقوبات لحقوق المرأة في جرائم الشرف والخيانة الزوجية, وأعطى الرجل كافة الصلاحيات للإنتقام من الزوجة وعشيقها والإفلات من العقوبة بكل سلاسة في الحالة المماثلة، ورغم براعة التمثيل والإخراج وعمق الرؤية، إلا أن أحدا لم يلتفت لناقوس الخطر الذي قرعه صناع هذا الفيلم آنذاك، وظل الحال على ماهو عليه.
ولكن اليوم تطل علينا النائبة “مارجريت عازر” عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب بمشروع قانون لتعديل عقوبة جريمة الزنا في قانون العقوبات، حيث رأت أن ثمة ظلم كبير يقع على المرأة في قانون العقوبات فيما يخص الزنا، وأبدت استياء حيال تغليظ العقوبة على المرأة بشكل أكبر من الرجل مع أن الجريمة متساوية، وأعربت عن أملها في تمرير القانون الذي يتيح المساواة في العقوبة بين الرجل والمرأة.
كويس قوي, واضح إن كرامات الفيلم حلت وأخيرا حد استجاب، بس يا ترى إيه اللي حصل بعد كده؟ ما تيجوا نشوف..!
طبعا لأن تديين القوانين أصبح سمة أساسية في مجلس النواب الحالي, رغم خلوه من الذقون و الشيوخ، اللهم إلا نواب حزب النور السلفي الذين يمثلون بشكل واضح وصريح وعلى غير استحياء توجهات حزبهم الظلامية، إلا أن المد السلفي الوهابي والفكر الإخواني الذي عاث في المجتمع فسادا منذ عقود، وأكل الأخضر ولم يترك لنا سوى اليابس، استشرى في خلجات مجتمعنا الجهول، وأخرج علينا نوابا يرتدون البذلات ورباطات العنق من أحدث الموديلات وأفخم الماركات العالمية، ولكنهم يحملون بين ثناياهم عقيدة وهابية سلفية متأصلة، أي والله زي ما بقول لك كده!!
مش مصدق؟ طب خد عندك ياسيدي, أول خناقة تحصل على مشروع القانون ده كانت خناقة دينية، أمين سر اللجنة الدينية عمرو حمروش اعترض على تشديد العقوبات على الرجل وقال أن هذا يخالف الشريعة الإسلامية، ورأى أن تغليظ العقوبة على الرجل لن يؤدي إلى القضاء على ظاهرة الزنا، وأنه من الأفضل زيادة التوعية بخطورة هذه الظاهرة وما تسببه من كوارث على الأسر بدلا من تغليظ العقوبة على الرجل!!
ده كان رأي النائب المفترض أنه يعبر عن الشعب، لكن الجديد أن التأييد لمشروع القانون جاء من رجال دين هذه المرة، منهم على سبيل المثال عضو مجمع البحوث الإسلامية محمد الشحات الجندي الذي أكد أن مساواة الرجل بالمرأة في عقوبات قانون الزنا أمر لا يخالف الشريعة الإسلامية، بل هو في محله ويضمن العدل، وأفاد بأن القانون الحالي لا يعاقب الزوج إن ارتكب الزنا خارج فراش الزوجية, بينما يعاقب الزوجة في الحالة المماثلة، وأيد كلامه عميد كلية العلوم الإسلامية بجامعة الأزهر عبد المنعم فؤاد بأن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في عقوبة الزنا.
و رغم أن القاعدة الفقهية الإسلامية تفيد بأن اختلاف الفقهاء رحمة، إلا أنني لا أرى سببا هاما لكل هذا الجدل، لم كل هذا الإصرار الرهيب على تديين كل ما يتعلق بالمرأة في مجلس النواب يا سادة؟
هناك قوانين إنسانية من المقام الأول، لا تكترث كثيرا بالأمور العقائدية والفقهية قدر ما تهتم بالأمور الحياتية والمرصودة على أرض الواقع، أهميتها نابعة من تطرقها لقضايا ومشكلات حيوية تواجه أفراد هذا المجتمع وسيداته بالأخص، و ليست نابعة أبدا من حصولها على مباركات المؤسسات الدينية، وهذا القانون الذي يهدف لمساواة الرجل بالمرأة في عقوبات قانون الزنا نموذج جيد لتلك القوانين التي تبحث عن بعد إنساني وقيمة أخلاقية، حتى وإن أثار جدلا دينيا ومجتمعيا.
أما بخصوص ما أثاره النائب “العجينة” من زوبعة فارغة بتصريحاته المقززة التي قال فيها أن “الست أساس الزنا”، فهي تصريحات لها نصيب كبير من لقبه المتعجن، فالنائب العجينة صرح في أبواق الإعلام التي يلهث ورائها بشغف يبعث على القئ أن الدعارة هي أقدم مهنة في التاريخ، وعملت بها النساء قبل أن تكون طبيبة أو محامية أو محاسبة، وأن الست هي أساس مشكلة الزنا، وهو ما يوضح لنا القصور الشديد الذي يعانيه “العجينة” في منظوره للمرأة ومكانتها ودورها المجتمعي، والذي يبدو أنه لم يتعامل معها سوى من خلال هذا المنظور الضحل.
ولكن هل ما قاله عجينة من وحي خياله، أم أنه مجرد بوق غير مباشر وإنعكاس مطلق لأفكار سلفية وهابية ظلامية سيطرت على المجتمع منذ عقود طويلة، ورسخت لنظرية مسئولية المرأة عن كل ما يصيب الرجل من فتنة وإغراء وغواية، وفرضت على النساء ناقصات العقل والدين – كما يصرن على وصفهن- إرتداء الحجاب والنقاب الأشبه بأكفان الموتى إتقاء لمسئولية غواية الرجال القوامين كاملي العقل والدين؟
ألا تتذكرون مشايخ السلفية وقنواتهم التي كانوا يؤكدون خلالها أن عضلات الفخذين عند الأنثى بها قوة خارقة تجعل الفتاة تستطيع حماية نفسها من الإغتصاب إن أرادت ذلك؟ أليس هذا تحميل مباشر لمسئولية جريمة الإغتصاب على الأنثى وجسدها؟
ألم تكن تلك الفتاوى والخزعبلات غير الدقيقة لا علميا ولا منطقيا أسبابا كافية لإلقاء التهم كافة في وجه الفتاة والنساء عموما في أي واقعة زنا ؟
ألم يشجع بعض المشايخ على التحرش بالنساء السافرات عقوبة لهن على التجرؤ على إغواء الرجال؟ هل أتى عجينة بشيئ من منزله؟
إنها السلفية الوهابية التي احتلتنا أطول احتلال وأبغض إحتلال وأسوأ إحتلال, ولا أحد يعلم متى سينتهي هذا الغزو البغيض ومتى يعود من حيث أتى.
على أية حال مشروع القانون هذا مشروع جيد وبناء وعادل، ويرسخ لمفهوم مساواة الرجل بالمرأة في الحقوق والمسؤليات، لذا نهيب بالمجلس الموقر سرعة تمريره، ونهيب برجال السلطة التنفيذية العمل على تفعيله، ونهيب بالنائب “العجينة” أن يرحمنا من تصريحاته العبثية التي لا تنتهي، والأهم من كل هذا، نهيب بتكتل البرلمانيات النسائيات اتخاذ موقف حاسم من ظاهرة “العجينة” التي تتعمد إزدراء المرأة وتحقيرها وتشويه صورتها، وكل ستات مصر وراكم للقضاء على ظاهرة “العجينة” وأنا أولهم..!