بين ترامب الأهوج وكلينتون المتلونة

كيرلس عبد الملاك

تابعت باهتمام المناظرة الرئاسية الثانية التي تبارز فيها كل من هيلاري كلينتون السياسية الأمريكية الماكرة من الجانب الديمقراطي و دونالد ترامب صاحب اللسان السليط والمواقف الهوجاء من جانب الجمهوريين، ومن الملاحظ من تلك السهام الموجهة من كلا الطرفين لخصمه والممتدة بينهما منذ بداية التنافس على العرش الأمريكي أن المستقبل العالمي بات مرهونا بيد رئيس أمريكي يمتلك بعض السقطات الشخصية، فضلا عن امتلاكه أسلوب سيء في إدارة الولايات المتحدة خطير على جميع دول العالم، فالرئيس الأمريكي المقبل إما سيكون أهوج عدائي في حالة نجاح ترامب أو سيكون خبيث متحايل في حالة نجاح كلينتون، وعلى كل حال هذا المستقبل الحالك أضحى فريضة جبرية، على العالم أن يجتازها إن رضي أو لم يرضى.

 

هيلاري كلينتون لن تكون أفضل من أوباما في إدارتها للملفات الأمريكية خاصة المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط التي تمس مصر والدول العربية، فمن الغشم أن يظن مصريون في هذه السيدة المتلونة امتلاكها شخصية متفتحة تسهم في نهضة الشرق الأوسط، فهي المتعاونة الأكبر والداعمة الأقوى لجماعة الإخوان المسلمين ويبدو لي أنها من المستحيل أن تتنازل عن هذه العلاقة القوية مع الجماعة المتطرفة الأشهر على المستوى السياسي العربي، ما يتوقع معه المزيد من الاحتكاك المباشر وغير المباشر مع النظام المصري في سبيل رضوخه لمطالب الإخوان إذا ما نجحت كلينتون في السباق الرئاسي الأمريكي، هذا النجاح غير المبشر بالخير بالنسبة للمستقبل السياسي المصري، فعودة الإخوان إلى المشهد السياسي سوف ترافقها عودة التطرف السياسي المتشبع بالتدين المظهري الذي يسوق بسطاء المصريين إلى الجهل ومنه إلى هوة الفشل كما كانت مصر في السابق، وهي مازالت تعاني من آثار ذلك الداء.

14672913_961031170690888_1667444399_o

 

أما عن ترامب فليس من الإنصاف أن نراه بطلا حاميا للعالم من التطرف، فإذا كان التطرف الديني العربي مدعوما من كلينتون فالتمييز العرقي الأمريكي مدعوما من ترامب، وهو يتصف بالإقصاء والانعزال الأمريكي عن بقية بلدان العالم، إنه بلا شك مظهر من مظاهر العنصرية في تصنيف البشر، لكن الحق يقال إن هذا نتيجة منطقية متوقعة للتشدد العربي الذي دعمته ومازالت تدعمه أنظمة عربية معروفة بحجة حماية الثقافة العربية من المؤامرات المعرفية والدينية الموجهة إليها من الغرب، فلولا هذا المنهج العربي المتشدد الكاره للآخر لما تولدت الجماعات الإرهابية التي دفعت جزء كبير من المجتمع الأمريكي الموصوف بالتحرر والديمقراطية إلى اختيار شخصية هوجاء مثل ترامب لكي تنافس على رئاسة أمريكا استعدادا لمواجهة الإرهاب العربي المرعب للغرب، وإن كان ترامب يتوافق حاليا مع مصر في إقصاء جماعة الإخوان فشخصيته الصدامية تثير الريبة على المستوى المستقبلي في علاقات البلدين إذا ما اختلفت السياسات المصرية مع السياسات الأمريكية في شأن ما.

14699965_961031347357537_1679418375_n

مما لا شك فيه أن كلينتون تمتلك الكثير من الحنكة السياسية والدبلوماسية إلا أنها تنتهج التلون والمكر لتحقيق أغراضها السياسية التي في الغالب تخفيها عن الأنظار وتسعى لتحقيقها في الخفاء، كما في مسألة تنظيم داعش الإرهابي، إن الأمر جد خطير فالسياسات الأمريكية المعلنة في العهد الرئاسي لهيلاري كلينتون سوف تتنافى بنسبة كبيرة مع السياسات الأمريكية الحقيقية، وإذا نظرنا إلى ترامب من الجهة الأخرى سنجده يتميز بالصراحة والوضوح لكنه أهوج في مواقفه، صدامي من الدرجة الأولى، لعله يتخذ الزعيم النازي أدولف هتلر قدوة له في إطار مواجهته للإرهاب الإسلامي، فنحن أمام حالتين كليهما سئ على جميع دول العالم وليس على مصر فقط، ومن السطحية أن يصنف هذا المشهد الأمريكي بكل ما يحمله من نتائج على أنه مؤامرة كونية على مصر أو على الدين الإسلامي، فهو مخاض طبيعي لحالة سياسية تخص إحدى دول العالم.

يبقى أن نوضح، أن مصر في هذه المعادلة السياسية الأمريكية لابد أن تمتلك كلمتها وشخصيتها المنفردة مبتعدة تماما عن الخضوع السياسي الذي يسلبها حريتها، مع عدم خسارة صداقة الدول، فالسياسة الدولية تقتضي عدم الانجراف لسياسات دولة بعينها لكي تكون الدولة في مأمن من العواقب، جنبا إلى جنب الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية مع الدول الأخرى بأسلوب حكيم لا يسقط الدولة في الإدانة الدولية أو التاريخية، وهذا لا ينفي وجوب وضوح مواقف الدولة المصرية عالميا تجاه القضايا الشائكة والتي من أهمها الإرهاب والديمقراطية.