من المرات النادرة التي سيشعر المشاهد أن هناك شيئا ما يجذبه بشدة للشاشة الكبيرة وتبقى مشاعره وأحاسيسه منتبهة لفترات طويلة، وسيصل الأمر إلي أن “الدموع ستترقرق ” في عينيك أكثر من مرة! حدث بالفعل مع كثيرين في صالة العرض “كنت أحدهم ” أثناء مشاهدة الدراما الرومانسية فيلم ضوء بين المحيطات (The light between oceans ) المنتظر دخوله قائمة ترشيحات الأوسكار لأكثر من جائزة.
البداية الرومانسية القوية والجذابة للفيلم من خلال الحوار البديع والآخاذ في الرسائل المتبادلة بين البطل (توم) والذي جسد شخصيته مايكل فاسبندر والبطلة (إيزابيل) والتي جسدت شخصيتها النجمة السويدية اليشيا فيكاندر والتي حصلت هذا العام على أوسكار أفضل ممثلة دور ثان، وهما في الحقيقة شريكان في الحياة منذ عامين! تجعلك تكون مهيئا لأن تكون أمام عمل سينمائي رومانسي كبير يخاطب الوجدان والعاطفة وبالفعل هو كذلك، معاني كثيرة يستدعيها الفيلم غير الحب والثمن الذي ممكن أن يدفعه المرء للحفاظ عليه مثل الأمومة والفداء والصفح والشعور بالذنب وغيرها من المعاني والقيم الإنسانية.
الأحداث تدور في بدايات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى عن توم الضابط المتقاعد الذي يتولى وظيفة جديدة كحارس فنار في جزيرة أسترالية نائية على المحيط رغبة منه في الحياة الهادئة بعد الضجيج والصراع النفسي الذي عاشه أثناء الحرب وألقى بتأثيره على الجميع هناك وبالصدفة يلتقي إيزابيل التي تعيش مع عائلتها في البلدة القريبة للجزيرة ويقع بينهما إعجاب يتحول سريعا لقصة حب كبيرة يتردد توم في قبولها في البداية متعللا أنه يبحث الأن عن العزلة للعلاج من أثار الحرب ويقول لها “أتمنى فقط الحياة” ولكنها بعفوية فتاة تصادف أول حب في حياتها تقول له تزوجني ! فيقول لها “أنت مجنونة لكونك ترعبين في الزواج مني!”
وينتهي اللقاء والذي بدى أنه ترك أثاره الرومانسية عليهما فتطلب منه أن يراسلها من جزيرته وتنتظر خطاباته بلهفه والتي تكشف أنه تأثر هو الأخر بها وبدأت تداعب أفكاره ووجدانه بعفويتها ورومانسيتها البريئة وبالفعل يكتشفان حجم هذا الحب من خلال بعض الرسائل المتبادلة والتي هي بطل رئيسي للفيلم لعذوبة كلماتها وبلاغتها الشديدة وصدقها الذي يشعر به المشاهد بشكل أسطوري يخاطب مشاعره بشدة ( العمل مأخوذ عن رواية صدرت عام 2012) وهنا استخدم المخرج ديريك سيانفرنس مشاهد الخطابات بشكل جذاب وأخاذ مستعينا بالصور الأسطورية للمكان ونجح في توظيفها بين الأثنين في مشاهد رومانسية معبرة بصدق وتصل لمشاعرك بقوة وتظل تتذكر بعضها بسهولة فيقول لها في واحد من الخطابات “عندما أنظر إلي المحيط أحاول أن أتخيلك تقفين وراءه، أنتي إمرأة مفعمة بالحيوية لدرجة مخيفة ! ” فتجيبه بسعادة “عندما ألتقيتك شعرت وكأنني أعرفك منذ فترة ، ولا أستطيع العيش بدونك”.
وهنا تتذكر الجملة الشهيرة لأديبنا العالمي نجيب محفوظ ” في الرئاسل يجد المرء شجاعة أكثر” فنجد أن توم هرب من مواجهة هذة الفتاة المقبلة بشدة على الحب والحياة بتماسك وهدوء وحذر ولكنه عندما أبتعد أستطاع أن يعبر عن شعوره في الرسائل بشكل يفوق الحوار المباشر !
هل تستطيع أن تحبس دموعك ؟
ولكن لم يستمر الزواج بنفس السعادة بعد أن يتعرضان لمشكلة في حياتهما ويتورطان في تربية طفلة صغيرة عثرا عليها ويبدأ الفيلم بالضغط على مشاعر المشاهدين بشدة لدرجة تعتصر قلوبهم في النصف الثاني للأحداث عندما يتم إكتشاف حقيقة أمر الطفلة وتذهب الشرطة إلي الجزيرة لإصطحاب الزوج والزوجة ومعهما الطفلة “الجميلة الجذابة” إلي المدينة لبدء التحقيقات وتسليم الطفلة للأم الحقيقية ولا أحتاج هنا لشرح قوة هذه المشاهد المتتابعة والتي لن تستطيع أن تحبس دموعك معها عندما ترى الطفلة الصغيرة يتم تسليمها للأم الحقيقية ! ويبدأ صراع نفسي جديد يختبر قوة الحب بين توم وإيزابيل والتي تتهمه بأنه السبب في إنكشاف أمر طفلتهما التي قامت بتربيتها وأصبحت أبنتها! على الرغم أنه طلب منها تحمل المسؤولية القانونية الكاملة بمفرده! وتتصاعد الأحداث بين توم وإيزابيل والأم الحقيقية التي تقايض إيزابيل أن تشهد ضد توم في المحكمة مقابل أن تعيد لها الطفلة وتقول لها “أدركت أن إبنتي تستطيع أن تعيش بدوني” ويبرز المفهوم الدارج أن الأم الحقيقية هي التي تربي وليست التي تنجب! ولكن المفاجأة أن إيزابيل تنتصر للحب الكبير بينها وبين توم على عاطفة الأمومة بعد أن يرسل لها خطاب من السجن وكما كانت البدايات بالخطابات تنتهي أيضا بها فمن خلال خطاب مؤثر تكون النهاية المفاجأة فيقول لها ” لقد منحتني الحياة في الوقت الذي تصورت فيه أنها أنتهت، ولو عشت مائة عام فلن أعيش أفضل مما عشت معك، وأكثر ما يؤلمني أنني تسببت في حزن لكي” وبالفعل تتأثر من هذه الكلمات وتكون المفاجأة أن تعترف بالحقيقة!
أداء اليشيا فيكاندر”واحدة من فتيات هوليوود المدلالات الأن بعد أن وقعت عقد لتحل مكان انجلينا جولي في شخصية لارا كروفت” كان لافتا جدا فقدمت الشخصية بكل إنفعالاتها ومشاعرها بشكل مدهش جدا وهو درس في التمثيل من البطلة الشابة للممثلات ومعها البطل مايكل فاسبندر بأداءه الهاديء والذي عبر بحرفية عن شخصية الضابط الباحث عن الحياة من جديد بعد عزلة، والقيادة البارعة للمخرج ديريك سيانفرنس وهو أيضا الذي أعد السيناريو والحوارعن الرواية الأساسية.