نقلًا عن البوابة
كان الملمح الأول الذى التقطته على هامش متابعتى لعبد الفتاح السيسى منذ أصبح وزيرا للدفاع فى 12 أغسطس 2012 هو الاستقامة.
رجل لا يكذب ولا يناور ولا يخدع أحدا، صريح لدرجة الصدمة، واقعى إلى حد الذهول، قادر على المواجهة إلى حد الإرباك… وكانت هذه بالنسبة لى ميزته العظمى ومشكلته العظمى أيضا.
فهو صادق مع شعب يدمن الكذب، وواقعى مع شعب حالم رومانسى هائم فى الملكوت… يتمنى أن يحصل على كل مكاسب العالم وغنائمه وهو نائم فى فراشه، وعندما تأتيه هذه المكاسب طائعة خاضعة يتمنى عليها ألا تزعجه، وهو كذلك يواجه وسط شعب تعود على الهروب والتأجيل والتسويف.
كان يمكن لعبد الفتاح السيسى أن يكون حاكما منا – يقولون كيفما تكونوا يولى عليكم – لكنه كسر القاعدة، وقرر أن يكون نفسه، لا يخسرها حتى لو خسر شعبيته ومكانته عند الناس، فهو يريد أن يبنى مجدا حقيقيا وليس مجدا زائفا، يخدع فى طريقه الناس، ويربح رضاهم، رغم أنه يوردهم موارد التهكلة.
بحسبة بسيطة كان يمكن للسيسى أن يأكل بعقل المصريين حلاوة كما يقولون، يمنحهم ما يشاءون، لكنه قرر منذ البداية أن يعطيهم ما يحتاجون، والفارق كبير جدا.
فى الوقت الذى كان ينظر فيه الشعب تحت قدميه، معتقدا أن مشاكله جميعا سوف تحل فى اللحظة التى يخرج فيها محمد مرسى وجماعته من السلطة، كان السيسى يعرف أن هذه مجرد خطوة أولى فى طريق طويل، لابد أن يسلكه الجميع وهم متشابكى الأيدى… كان يعرف أن هناك من يحاول قطع الطريق علينا، من سيقف لنا بالمرصاد، فهدف خصومنا أن تتجمد أوضاعنا، ربما يساعدهم ذلك فى استعادة ما فقدوه وهو كثير.
وعد السيسى أن تكون مصر قد الدنيا، قال صراحة: “بكره تشوفوا مصر”، صدقناه جميعا، لكننا فى الغالب لم نفهم مقصده… فمصر التى كان يتحدث عنها ولا يزال، هى مصر الناس وليس السلطة فقط، الشعب وليس الحكومة فقط، الرعية وليس الأجهزة الأمنية فقط… العمال والفلاحين وليس رجال الأعمال فقط… كلنا نستطيع أن نخوض البحر معا، لكن ما حدث فعليا أننا دفعناه إلى البحر، وجلسنا نتفرج عليه، وعندما أرهقه العوم بدأنا فى تكسير مجاديفه.
هذا ليس دفاعا عن الرئيس عبد الفتاح السيسى، ولا هجوما على الشعب، فالمأزق الذى نعيشه الآن لا يتحمل دفاعا عنه ولا هجوما علينا، المسألة كلها تستدعى عقدا اجتماعيا جديدا، كل طرف فيه يقوم بما عليه دون شكوى، يعمل دون أن يعاير الطرف الآخر بأنه يعمل، يتحمل نصيبه من الثمن والتضحية دون أن يعاير الطرف الآخر بأنه يتحمل… فهذا وطننا جميعا، ولو غرقت سفينته فسنصبح جميعا ضحايا، لا فرق بين من يسكن القصر وبين من يقيم فى العشة.
على الأرض حالة من سوء الفهم العام، المشهد كله محكوم بحالة من التربص… والسؤال الذى لابد أن يواجهه الجميع الآن هو: كيف ترون الخطوة القادمة فى مصر؟
الذين يريدون فوضى وثورة جديدة لا يقصدون اصلاحا، إنهم يرغبون فى انتقام ممن ساند ثورة الشعب عليهم، المسألة شخصية بحتة، مصر هى آخر حساباتهم، أنت وأنا لا قيمة لنا عندهم على الإطلاق… ولذلك فليس من العقل أن نمكن أصحاب الدعوات الهدامة من رقابنا… أم أن رقابكم أصبحت رخيصة إلى الدرجة التى تفرطون فيها بلا ثمن؟ … وأقول بلا ثمن، لأننا معرضون جميعا إلى الخطر.
السيسى ليس فى حاجة إلى كلام جديد، قال كل ما لديه، عرض علينا خططه، ورأينا جهده الذى يبذله دون أن يبخل علينا به، المطلوب منا أن نرمم نحن دورنا فى اتفاقنا معه، لقد تأخرنا كثيرا، ولأننا لا نريد أن نعترف بالفشل، هاجمناه، وبدأنا ننتقص مما يفعله، بدون ذلك نحن جميعا مقبلون على كارثة، نار موقدة لن تبقى ولا تذر، وساعتها لن نجد وقتا حتى لنندم على ما قدمته أيدينا، لأن من سيأخذون برقابنا إلى الذبح لن يسمحوا لنا بأن نتنفس… مجرد أن نتنفس.
هذا رئيس لم يخدعنا، لأنه لا يحتاج لذلك، ولو كان يحتاجه لفعله ببراعة… بقى علينا نحن ألا نخدع أنفسنا… لأننا جميعا سندفع الثمن الذى سيكون فادحا.
نرشح لك- محمد الباز يكتب: ” جنة الطهقان”… هوامش سياسية ومهنية على قصة سائق التوك توك