أعتقد أن تجريس «شيخ البلد» في إحدى قرى محافظة الفيوم بـ«قميص نوم أحمر»، انتقامًا من عائلته التي ارتكبت الفعل نفسه قبل شهور، هي قصة تختزل بإحكام حال المجتمع.
القصة بدأت في شهر رمضان الماضي بمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، عندما صَوَّر زوج ينتمي لعائلة (أبو شناف) في قرية (حمزاوي)، زوجته في أوضاعٍ مُخِلَّة (بحسب ما ادَّعت) ونشر ما صوَّرَه على مواقع التواصل الاجتماعي (وهو ما نفاه الزوج في تحقيقات النيابة)، فقام أهلها من عائلة (اللاهوني) بتجريد الزوج من ملابسه، وإرغامه على ارتداء قميص نوم زوجته (الأبيض)، وطافوا به أحد شوارع قرية (الخواجات)، بالمركز ذاته، والمحافظة نفسها.
وفي زمن (شبه الدولة)، الذي تحوَّل فيه فعل الـ«تجريس» إلى ممارسة يومية تحدث بأشكال مختلفة في شتى مناحي الحياة، ومع أوضاع الـ«شبه» للعدل والحق في ربوع «الدولة»، فشلت الشرطة بجلسات الصلح في أن تثني الزوج عن الثأر، فانتظر ليقتنص فرصته في الانتقام، التي واتته، عندما اختطف شيخ قرية (الخواجات)، وقام بتجريسه باللون الأحمر، وصوّره بقميص النوم، وكعادة المصريين الجديدة في نشر (غسيلهم) على (السوشيال ميديا)، فقد تم بث الفيديو على موقع (اليوتيوب).. تحت عنوان مُوحٍ ومؤثر.. («تجريس» شيخ بلد في الفيوم بـ«قميص نوم» ردًّا على زفة «الأسطورة»).
نرشح لك : محمد مصطفى أبو شامة يكتب : عن تسليك «الشنايش».. وتكحيل «العراميس»
عفوًا، لمن تتأذى مشاعرهم من هذه القصص، من مرتادي عيادات العلاج الجماعي التي تحقنهم بأمصال «البلادة» لمقاومة الإحباط بـ«الاستعباط».. ليكملوا مسيرتهم في نشر الأمل والتفاؤل. وعذرًا، لمفرطي الوطنية ومدمني الإفساد، لربما أكون قد أفزعتهم من غفوتهم التي باتوا يمارسون فيها عِشْق الوطن.
لقد سَطَّرت مقالي لوجه الله، بغرض ترفيهي.. تعليمي.. ولتعريف جمهور القراء (إن كان هناك من يقرأ أصلاً) بمعنى «التجريس»، بالجيم وليس بالعين، يا مغرضين.
والتجريس، بحسب (المعجم الوسيط)، من «جرُس بالقوم، أي: سمع بهم وندَّد، والجرسة: التسميع والتنديد بمن يجافي المروءة». والأصل في التجريس أن يؤتى بـ«الموعود» أيًا كانت تهمته أو فعلته وتُعلّق في رقبته الأجراس أو تعلّق في الحمار الذي يركبه في وضع مقلوب، وبعدها يطوف به المحتسب (مندوب الوالي المملوكي أو العثماني) في الشوارع والأزقة، فتحدث خطواته رنينًا يلفت انتباه المارة، وأهل البيوت، وسكانها، فينظرون إلى الجاني حال مروره، فيتعظون، ولا يسلك أحدهم مثل مسلكه، وما زال الموروث الشعبي يحفظ القول الشهير «فضيحة بجُرْسة»، أو «فضيحة بجلاجل»، و«الجلاجل» قُصِد بها الأصوات التي يحدثها الجرس المعلق في رقبة «الموعود» أو حماره.
المدهش، أن هناك من سيرفض التعامل مع القصة بمنظورها السلبي (الكارثي)، ويعجبه جهل (أحدهم) حين يثرثر ويقول: «أطلب من (المتصيدين) للسلبيات وعشاق الإحباط، الامتناع، لأنه قد ثبت تاريخياً أن التجريس عقوبة رسمية، استدعتها العقلية المصرية العظيمة المرتبطة بإرثها الحضاري والمدركة لصعوبات واقعها وللمؤامرة (إياها)، لهذا جاء الاستدعاء ذا دلالة مهمة وفارقة، لأنه يؤكد الحنين المصري الجارف للعقوبات (الحكومية) الرادعة التي تجاهلها المشرِّع الحديث، وأسقطتها مدنية الدولة، لذا يجب أن نطالب مجلس النواب بإقرار قانون لـ (التجريس)، وأيضا إعادة عقوبة (الخوزقة) المثيرة جماهيرياً، لأنها ستردع كل الداعين لـ 11/11 من (أهل الشر)، وترضي شبق كل (الشرفاء) في بر المحروسة».
فإذا شاركتَ أحدهم الإعجاب بالرأي السابق، فأنتما ومن يعجب مثلكما من المؤهلين للحياة في دولة «التجريس» بالـ«عين»، ولا عراء لـ«شيخ البلد»، بالراء مش بالزين!!