في ظاهرة فلكية ندر حدوثها مُنذ صيف 2013، ظهر مواطن مصري على قناة مصرية ليعبر عن رأيه بحُرية!! “سواق التوك توك” الذي أفصح عما في صدره بإحدى البرامج الفضائية، انفجرت به مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه تحدث رسميًا عن ملايين الصامتين!! ردة الفعل تجاه هذا الانفجار مضت باتجاهين، الأول هو السعي لحذف المقطع المصور من كل مكان!! الثاني هو دفع الأذرع الإلكترونية الموالية للدولة لإشاعة أن السواق إخواني!!
الاتجاه الأول .. أي عاقل يفكر سيُدرك إن ادعاء إخوانية سواق التوك توك، يصب تمامًا في مصلحة الجماعة، لأن كثيرين قد يكون تعليقهم التلقائي: “والله عنده حق”!! هذا الرد تحديدًا لو قيل تعقيبًا على حديث لإخواني سيكون بداية العودة الحقيقية للإخوان في الذهنية الجمعية!! لكن مَن أطلقوا هذا الاتهام الآلي البليد لا يفكرون!! لو أن عضوًا واحدًا في مكتب الإرشاد الذي قاد مُحمد مرسي كان قادرًا على ترتيب أفكار همومه حول الذات والوطن والمزج بينها والتعبير عنها بكل هذا القدر من التلقائية والبساطة والعُمق في آن واحد كما فعل السواق الفصيح، لما استطاع أحد أن يُزيحهم من السلطة عقب وصولهم لمقعد الرئيس!! لسنوات طويلة عاشرنا الإخوان في كل مكان، وشهادة أمام الله، لم نصادف أحدًا منهم يتحدث بمثل هذه المرارة البليغة عن مصر الوطن بمفهومها “القومي” هكذا!! سواق التوك توك ظهر مصريًا خالصًا، لكن بدا أن أحدهم في الكواليس بات يستكثر على المصريين بوحهم بالألم!!
الاتجاه الثاني.. وماذا عقب السعي لحذف المقطع المصور من كل مكان؟! هل نجحتم؟! مُنذ الوهلة الأولى قام المتعاملون إلكترونيًا بتحميل مقطع سواق التوك توك على أجهزتهم، وبعد إدراكهم محاولات حذفه، قاموا بإعادة تحميله وبعناوين أكثر شراسة، وصلت حد “شاهد سواق توك توك يُبكي المصريين ويُهاجم الجيش” وهو ما لم يحدث!! لكن أحدهم وراء الستار بفقر مهاراته وبسوء تقديره الذي اعتدناه دائمًا قرر أن يدفع الأمور باتجاه صدامي خاطئ، وبدلًا من أن يترك المقطع المصور يأخذ دورته الحياتية العادية جدًا على مواقع التواصل الاجتماعي ويختفي من تلقاء نفسه في غضون 48 ساعة، قرر أن يدخل معركة إلكترونية لا قبل له بها، فضاعف نسب مشاهدة المقطع أضعافًا مضاعفة!! وبالتالي دفع المواقع الإخبارية لعمل تقارير ومتابعات لسواق التوك توك!! والنتيجة أن السواق لم يُشوه بالوجود الافتراضي كما أرادوا له، بل على العكس، نُحتت إحدى أقواله وسمًا لن يندثر قريبًا: #أنا_خريج_ توك توك، اللجان الإلكترونية الموالية للسلطة نجحت بجهد خارق في جعل صورة سواق التوك توك أيقونة للمواطن المطحون بحقبة ما بعد 30 يونيو!!
في النهاية.. أهمس مُخلصًا بأذن القائمين على إدارة شئون البلاد، خسرتم الكثيرين بالعامين الماضيين، أنصتوا لملح الأرض الذي يبقى، لا تخسروا البسطاء المُخلصين في هذا البلد، أنصاف الصحفيين وأشباه الإعلاميين الذين يُزينون لكم كل أفعالكم لن يُجدفوا معكم بالقارب المثقوب، هؤلاء غير مؤثرين حتى في أهل بيوتهم!! ولا يجيدون إلا مهارة القفز من وإلى كل المراكب!! كُفوا مَن يديرون لجانكم الإلكترونية عن تخوين سواق التوك توك، لمجرد أنه باح برأيه وسط عشرات القنوات والصحف التي تصنع الكذب يوميًا خوفًا أو طمعًا!! أنصتوا لشكاوى الخلق، ولا تندهشوا من قلقهم على كيس سُكرهم لمجرد أن حاجاتهم الأساسية أصغر كثيرًا من مشاريعكم الكبرى، لا تُأخونوا معاناتهم لمجرد أن آلامهم لا تروق لكم!! كان من الأكثر استثمارًا أن تفكروا خارج الصندوق، أن تقرروا إحضار سواق التوك توك، ليس لإلقاء القبض عليه، وإنما لدعوته حضور المؤتمر الوطني للشباب، كي يجلس بالصف الأول.