لا أعرف لماذا منذ وعيي وإدراكي وأنا أتنفس عشق نادي الزمالك؟، أعتبره أحد أطفالي، وأقرب أقاربي، في أي محنة ونتائج سيئة، لا أشعر أبدا بأي ضيق من انتمائي له حتى مع تنكيده المعتاد علينا خاصة في المناسبات، وفي تلك المحنة التي يتعرض لها الآن، أصحو وأنام وأنا أفكر فقط في الأمل في تجاوزها وتحقيق معجزة الفوز على النادي الجنوب أفريقي العنيد وإحراز اللقب الذي سيكتب تاريخا جديدا للاعبي الجيل الحالي، وكلي تأهيل نفسي لأي نتيجة، فزملكاويتي أشبه بكل خانات البطاقة الشخصية.
هل ستقول لي إنني أبالغ؟.. حسنا، فالرد سيكون أقسى عليك وأصعب فهما خاصة لو كنت تشجع النادي المعادي للأبيض، فحب الزمالك مرض، لكنه مرض ممتع، تبكي حزنا على خسارة مباراة هامة أو ضياع بطولة، لكنك لا تلعن ناديك، تفرح بالانتصارات وكأنك جزء منها، أنت تعلم أنك اللاعب الأول في تلك الأحجية العجيبة، وتدرك تماما أنك أحد أفراد مجموعة كائنات على كوكب الأرض تحتاج لدراسة نفسية فريدة من نوعها، تدرك أنك عملة نادرة فعلا.
غالبا ما أواجه متعصبين من مشجعي الأحمر، تصل بهم العداوة حد السباب، والشماتة العمياء، لا أنكر حقهم في فرح بخسارة خصم عنيد، ولا أدعي أني أفرح بانتصار فريقهم في أي بطولة، لكني أشفق عليهم لأنهم يشعرون بالدونية دائما، فالأبيض ملكيا بطبعه وبجماهيره، والآخر محلي وله من إسمه نصيب، ولا تحدثني عن مشاركته في بطولة خرج منها في المركز قبل الأخير!!
أتذكر دائما منذ طفولتي وكان والدي يحملني على كتفيه لحضور مباريات الزمالك في ستاد القاهرة، أتذكر جيدا كل الحب الذي علمني إياه لهذا الكيان، أذكر جيدا الطريق، والطابور والزحام والهتافات ورجة المدرجات لحظة الفرص أو الأهداف، وتمسكي بعلم الزمالك والتلويح به في الشارع أثناء العودة حتى لو كانت النتيجة هزيمة، وأتذكر أول صورة لابني الأكبر فور ولادته فوق علم الزمالك، إنه عشق لا يعرف معناه إلا من يقدر معنى الانتماء، الذي لا يقل عن الانتماء للأوطان والأحباب.
أعتقد وغيري كثيرون؛ أن حالة “سنظل أوفياء” ليست إلا اختراعا فصّله أحكم الحكماء ليلتصق بجمهور الأبيض الملكي، فالوفاء لناديك يعني أن تقف إلى جواره في المحنة قبل الفرح، وتدعمه في الشدائد قبل الانفراجات، أن تظل وفيا محبا مقدرا للإسم والكيان والفانلة والشعار ولقطات المشجعين الباكين والمتحمسين، وشباب الوايت نايتس في سيمفونياتهم التشجيعية ودخلاتهم المبهجة ورسائلهم المستمرة أنهم أصحاب الأرض والملعب واللعبة، وأرواح شباب ذهبت حبا في النادي، ورموز حازت احترام وتقدير الجميع، أن تشعر بمائة وخمسة أعوام مرت على تأسيس كيان رأى ما رأى من أفراح وأحزان، لكنه يبقى الأوحد الذي يستحق الوفاء على الأقل مني ومن كل زملكاوي أصيل.
أحدهم يتحدث برعونة عن عدد البطولات والدولاب المزعوم المليء بالمرايات ودروع مراكز الشباب وبطولات السباحة والألعاب الفردية، ويهلوس بأرقام وألقاب لا محل لها من الإعراب، لكنه ينسى دائما أن الحاضر لا يعترف بالماضي، والمستقبل لا يستند إلا إلى المجهود والروح القتالية والرجولة، يحاول أن يظل محتفلا ببطولات عفى عليها الزمن، وكأنه يستمر في الاحتفال حتى وقت خروجه من بطولة ويشمت في منافسه الذي وصل إلى نهائيها بغض النظر عن نتيجته.
مدرسة الزمالك مستمرة رغم أنف الحاقدين والشماتين (مع احترامي لكل الأفاضل غير المتعصبين)، الذين يتلونون بلون الفرق المنافسة له كل يوم وليلة، وإن لم يخذلهم الله في لقاء عودة الأحد، فالخذلان مصيرهم إن آجلا أم عاجلا، وجماهير الزمالك لن تنقص بخسارة بطولة، لكنها ستظل مرفوعة الرأس في الحالتين، في حالة الخسارة لا قدر الله، وفي حالة المكسب المتوقع بإذن الله حتى لو لم نصل إلى العدد المطلوب من الأهداف، فتلك الجماهير التي ترفع يدها لتدعو الله لفريقها لن يردها الله خاسرة بإذنه وفضله، واللاعبون والمدير الفني، يعلمون جيدا عواقب كل النتائج.. يحدث ما يحدث.. ويبقى الزمالك رمز الانتماء.