ماذا لو كان الكاتب الكبير مصطفى أمين يُعاصر زماننا هذا، وحدث أن استيقظت يوماً لتجد عموده اليومي “فكرة” خالياً؟!
ربما كانت لتحدث ثورة ما.. ولو أن هذا محض خيال، فإنه من واقع نجمة في الصحافة العربية قضت عمرها كله ببلاط صاحبة الجلالة المقدس، إنها سناء البيسي، فعلى مدار الأيام القليلة الماضية قد لفت غيابها الأنظار، وفطر قلوب متابعيها توقفها عن الكتابة لأسابيع..
سيدة الصحافة العربية كما يُحب كثيرون دعوتها بهذا اللقب؛ كانت نبضاً لكل الطبقات دون تمييز، أبرزت أدق تفاصيل المجتمع ومشاكله المعقدة، فكانت هموم المواطن وبمنتهى التأمل والتأثر قضية عمرها، لا تحب الظهور أمام الكاميرات فقلمها هو عصاها السحرية الذي يُبَلِّغ مرادها ورؤيتها، فيغنيها عن الظهور التليفزيوني أو تعدد الحوارات الصحافية.
نرشح لك : هالة منير بدير تكتب: أزْهَرِيٌّ بَوَّابًا لِلْحَانَة
وأنت تقرأ لها تسحرك لغتها المحكمة فهي قاموس للمعاني ومعجم للمرادفات، تكتب بريشة رسام عندما تتحدث عن الفن، وتكتب بأسلوب الباحث المتعمق إذا قصدت درباً من دروب الثقافة، وتتلبس روح شهرزاد عندما تحكي وتسرد القصص، مفرداتها سلسلة لا تخاطب بها فئة ذات ثقافة بعينها، وإنما تكتب من عمق كل طبقة بأسلوب لا يُختلف في تقبله، لتصبح مؤلفاتها ومقالاتها العديدة من الناس ولكل الناس.
تجدها ينبوع من الرومانسية والاحترام عندما تتحدث عن زوجها الراحل الفنان التشكيلي منير كنعان، تؤكد على دعمه وتشجيعه لها، ويبهرك تواضعها وإنكار ذاتها تجاهه بقولها: ” أنا من دونه امرأة مجوَّفة”، حتى أن صلاح جاهين تلمَّس عذوبة ذلك الحب عندما كتب الأغنية الشهيرة ” ماتجيبلي شَكَلاتة” عندما علم أن كنعان “يصالحها” بإهدائها الشوكولاتة.
صادقت وزاملت ولازمت عمالقة الصحافة، ففي حوارات قديمة ونادرة لها تجدها تفيض بكل التقدير والامتنان لأولئك العظماء، إذ تعدد مآثر الكاتب الكبير مصطفى أمين وكيف كان له الفضل في اكتشاف موهبتها الصحافية، وإعطائها فرصة لإثبات جدارتها، وتدريبها على العمل الصحافي بمختلف الأساليب، إلى أن نصَّبها رئيسة قسم المرأة بأخبار اليوم، واعتماد إبراهيم نافع عليها في تأسيس مجلة “نصف الدنيا”، كما كانت تكن للأستاذ محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين فضلاً خاصاً في دعمهما لها أثناء الأزمات.
نرشح لك : عمر طاهر .. أكان لابد أن تكتب إذاعة الأغاني؟
لم تتوج ملكة على عرش قلوب القراء فحسب، فأسلوبها الأدبي المميز جعل عظيم نوبل “نجيب محفوظ” يكتب لها “لا أستطيع أن أبلغ ذروة بلاغتك”، قامت بتقديم مقدمة أدبية لكتابه الذي جمع فيه ما يقرب من 300 حلم بعنوان “أحلام فترة النقاهة..الأحلام الأخيرة”، كما أنها خرَّجت جيلاً من المبدعين أمثال عمر طاهر وزين العابدين خيري.
الصحافية الشابة التي خطت أولى خطواتها بجريدة الأخبار فنانة تشكيلية مرهفة الحس أبت أن يُطلق مسمى “صحافة نسائية” على أعمال الكاتبات السيدات، فإبداع الكاتبة لا يُشَبَّه وكأنه عمل منزلي يحتاج لارتداء مريلة مطبخ ( على حد تشبيهها)، وعندما داهمها سن المعاش الذي لم تعطه حساباً أو تعره اهتماماً، وبعد مسؤوليتها التي استمرت سبعة عشر عاماً تم تنحيتها عن مجلة نصف الدنيا، مما ترك في صدرها إحساس بالمرارة، ولم يخفف من ألم ذلك الجرح سوى بقاءها على صفحات الأهرام بكتابة مقال أسبوعي.
من أبرز مؤلفاتها :
“في الهواء الطلق” – قصص قصيرة نشر سنة 1973
“أموت وافهم” نشر سنة 2001
“الكلام الساكت” نشر سنة 2003
“سيرة الحبايب” نشر سنة 2009
” مصر يا ولاد”- مقالات نشر سنة 2010
من أعمالها التي جسدتها الدراما مجموعتها القصصية “امرأة لكل العصور” في المسلسل الشهير “هو وهي” عرض 1985 بطولة سعاد حسني وأحمد زكي، التي طرحت وعالجت فيها عدد من القضايا بين الرجل والمرأة، وأيضاً مؤلفها الذي حمل اسم “الكلام المباح” وتم تقديمه بنفس العنوان كمسلسل تليفزيوني في 2005 بطولة دلال عبد العزيز وحسين الإمام، وتم تقديمه كمسلسل إذاعي حمل نفس الاسم بطولة معالي زايد وسماح أنور وعزت العلايلي.
https://www.youtube.com/watch?v=c8ZBiaySgTc
لينك بعدد من مقالاتها وأعمالها الأدبية في عدد من المجلات من هنــا
ويبقى السؤال عن سبب الغياب، أهو عزل أم اعتزال، أهو امتناع وتوقف لتجاهلها وعدم تقديرها، أم أنه منع وتضييق على قامة تحمل اسم سناء البيسي ؟!