محمد عبد الرحمن يكتب: المحتوى "ركب" التوك توك

نقلًا عن مجلة “7 أيام”

لماذا حقق “فيديو سائق التوك توك” هذا العدد غير المسبوق من المشاهدات؟ ولماذا لم تنجح محاولات حذف الفيديو أو إخفائه عبر فيس بوك ويوتيوب، حيث قام الكثيرون بتحميله على أجهزتهم وإعادة نشره مجددا أو تبادله فيما بينهم؟

لماذا وصل الفيديو إلى خارج الحدود وحقق كل هذا التأثير بعيدا عن المجتمع المحلي داخل مصر رغم أن الرجل لم يقل أي شيء جديد؟، هو فقط نجح في أن يتكلم بشكل متواصل وحماسي للغاية عن أزمات مصر المتراكمة وكيف يراها هو الآن، لم يذكر اسم رئيس، لم يتكلم عن تأثير سلبي لثورة.

لماذا كانت هناك “وجاهة” في الرأي الرافض لما قاله “سواق التوك توك” وتشكيك هؤلاء في أن ما قاله معد مسبقا خصوصا عبارة “تفتح التلفزيون تفتكر مصر فيينا، تنزل الشارع تلاقيها بنت عم الصومال”، لماذا ظن هؤلاء أن هذه العبارة لا يكتبها إلا سينارست محترف؟

في الأسبوع نفسه انتشرت فيديوهات أخرى أبرزها لربة منزل تتكلم عن غلاء الأسعار لقناة على يوتيوب لا تعرف السيدة لأي جهة تتبع، وكان من أبرز ما قالته إن الإعلاميين الذين يظهرون في التلفزيون لا يساوون في نظرها “قوطاية مفعصة” ، أما سائق التوك توك فاستحلف عمرو الليثي مقدم برنامج “واحد من الناس” على الحياة بأن يذيع كل ما قاله دون مونتاج، عبارة السيدة عن الإعلاميين وشك السائق فيما قد يحدث لكلامه في المونتاج تؤكد انهيار مصداقية معظم الإعلاميين الذين يطلون عبر الشاشات المفتوحة ولا يحققون في شهر عدد المشاهدات التي حققها سائق التوك توك في أسبوع، ليس فقط عدد المشاهدات وإنما التأثير والجدل والانحياز مع أو ضد ما جاء في “محتوى” الفيديو.

من تعبير “محتوى” الذي لا يهتم به كثيرا العاملون في قطاع الميديا المصري، يمكن الرد على كل “لماذا” بدأت بها الفقرات السابقة، باختصار شديد نجح فيديو سائق التوك توك لأن “محتواه” حمل كل عناصر النجاح، حتى لو كان مكتوبا وليس عفويا، فإنه نجح في شد الانتباه سواء بسبب العبارات التي قالها السائق، طريقة دخوله للكادر وخروجه منها، عدم تدخل المذيع في استرساله، التلقائية في الكلام وأيضا الرد خصوصا عبارة “أنا خريج توك توك”، والأهم من كل ما سبق التوقيت، والدليل أن البرنامج نفسه يعرض كل أسبوع شكاوى مواطنين من إهمال وفساد وخلافه، لكن لأن الفيديو جاء في توقيت تصاعدت فيه بشكل غير مسبوق الشكاوى من ارتفاع الأسعار، مع تأثير الخلاف المصري السعودي على واردات النفط، فجاء السائق الذي ظل لفترة مجهول الاسم ونكأ الجراح بطريقة حماسية لدرجة التخمين بأنه ممثل، مع إن الفقرة نفسها والتي امتدت لحوالي 20 دقيقة، احتوت على تصريحات أقوى من بينها تاجر خضار قال إن البعض يأتي للسوق عقب نهاية اليوم ليبحث عن “أكل في الزبالة”.

“المحتوى” الذي يتمتع بالمصداقية والاحترافية في التنفيذ بات هو الأساس في القدرة على جذب الجمهور، صحيح أنه لم يكن هناك استعداد مسبق للتصوير مع سائق التوك توك وتأكد براءته وبراءة البرنامج من تهمة “الفبركة”، لكنه في النهاية أطل من خلال برنامج يقوم على إعداده وتقديمه للجمهور محترفون، وهو ما يمكن ملاحظته في أي فيديو أخر حقق تأثيرا كبيرا في المرحلة الأخيرة، مصداقية من يتكلم واحترافية من يصور ويعرض ويعرف كيف يصل بدقة للجمهور.

القصة بالمناسبة لا علاقة لها بتأثير مواقع التواصل على القنوات التقليدية، والدليل أن فيديو “التوك توك” انطلق للمرة الأولى من قناة الحياة، وسائل النقل الإلكتروني تظل وسائل وليس غايات، وكلما جاء المحتوى صادقا وتلقائيا ومحترفا كلما انتشر سواء عبر التلفزيون التقليدي لو سمح له بذلك أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الأخبار الإلكترونية.

ما سبق يفتقده الإعلام التقليدي بشكل عام ولن يوفره حتى لو أراد، لأن القائمين عليه من البداية اختاروا أن يقدموا كل ما هو مصطنع وفي اتجاه واحد، لا مانع بالمناسبة من تقديم إعلام مؤيد، كما يفعل أصحاب القنوات المعارضة لمصر حيث يقدمون -طوال الوقت- إعلاما معارضا، لكن هؤلاء أحيانا ينجحون في إنتاج محتوى يقنع المتفرج بالتعامل معه دون التفكير في مصدره، أما مقدمو التوك شو في مصر -معظمهم لا كلهم- فقد نجحوا في استصدار شهادة عدم مصداقية من معظم المشاهدين، وتركوا المحتوى الحقيقي ليصل للناس راكبا توك توك وفي أقل من 4 دقائق يفعل ما لم تفعله قنوات قائمة منذ عقود وشبكات تتباهى بنجومها الذين يحصلون على ملايين الجنيهات فيما حصل سائق التوك توك على ملايين المشاهدات.

نرشح لك_ محمد عبد الرحمن يكتب: نشرة عمر طاهر