رد الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي نائب رئيس دولة الإمارات، على رسالة الروائي البرازيلي باولو كويلو، التي شكره فيها على أخذ دبي زمام الريادة في مجال التشجيع على القراءة.
وحسب ما أفاد به موقع “العربية نت” فإن “تحدي القراءة العربي” هو أكبر مشروع عربي أطلقه الشيخ محمد بن راشد لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي، على ما ذكر الموقع الرسمي للمبادرة.
وفيما يلي نص رسالة محمد بن راشد حاكم دبي:
“لا مستقبل بغير كتاب
الصديق باولو كويلو
تأملت في رسالتك وتجربتك.. وتأملت في الخلاصة التي توصلت إليها بأن سر الحياة واكتشاف الذات يمران بطريقين لا ثالث لهما.. القراءة وخوض التجارب.
ولنا تجربة ورسالة أحببت أن أشاركك بها.. رسالة بأنه لا مستقبل بغير كتاب.. وتجربة عمرها 1000 عام أكدت لنا هذه الخلاصة.
كانت لنا تجربة اهتمت فيها شعوب منطقتنا بالكتاب.. فسادت وقادت وانفتحت على الحضارات الأخرى، وأصبحت منارة للبشرية ومهدت لعصر النهضة الأوروبية.. هل تعرف يا باولو بأنه في القرن التاسع الميلادي كان عدد دور الوراقة (ما نسميه اليوم دوراً للنشر)، في ضواحي بغداد لوحدها أكثر من 100 دار بلغت إنتاجاتها مئات الآلاف من الكتب.. ولم تكن فقط دوراً للنشر بل أشبه ما تكون بالمقاهي الثقافية التي يجتمع فيها العلماء والباحثون والمفكرون والمترجمون من مختلف الديانات والأطياف والحضارات للنقاش والمناظرات.. فضلاً عن بيت الحكمة، الذي كان يضم أكثر من مليون كتاب ويضم المئات من العلماء والأدباء المتفرغين.. كانت بغداد يا صديقي منارة العالم في الفلك والطب والرياضيات والفلسفة عندما اهتمت بالكتاب.. أين بغداد اليوم؟
لا أريد أن أطيل في ذكر المكتبات المليونية الأخرى في الإسكندرية والقاهرة والأندلس والمغرب العربي.. ولكن ما أريد قوله بأننا تعلمنا الدرس التاريخي بشكل جيد جداً.. لا مستقبل بغير كتاب.. لا انفتاح وتقبل وتعايش وتسامح بغير كتاب.. لا إبداع وابتكار واختراع بغير كتاب.. لا اقتصاد وريادة وقيادة بغير كتاب.
صديقي العزيز.. ولكني متفائل.. هل سمعت يا باولو عن فتاة المغرب (كوثر).. التي تلقت نبأ إصابتها بالسرطان بعد 3 أيام من اشتراكها بـ«تحدي القراءة»؟ ليزيدها ذلك إصراراً على قراءة 166 كتاباً في أشهر معدودة.. هل سمعت عن الفتاة الكفيفة من الأردن (راما)، التي لم تجد كتابا بلغة «برايل»، فاستعانت بصديقتها التي ترى بعين واحدة فقط، لتقرأ الفتاتان كتباً كثيرة بعين واحدة؟ أنا سمعت عن عشرات القصص من «التحدي» الذي شارك فيه أكثر 3.5 ملايين طالب.
أنا متفائل يا باولو بهذا الجيل.. ومتفائل بروح التحدي التي رأيتها.. ومتفائل بمستقبل عظيم تحت ظلال الكتاب. محمد بن راشد آل مكتوم”.
أما رسالة الروائي الشهير فكان هذا هو نصها:
“سر الحياة القراءة والتجربة
عزيزي الشيخ محمد
لطالما تمعنتُ في سِرّ الحياة، حالي في ذلك كحال كثيرين قبلي وكثيرين سيأتون بعدي، وكلما تساءلتُ أكثر شعرتُ بالحيرة تلفّني من كل صَوْب، هذا التساؤل دفعني للبحث والقراءة كثيراً، ورغم أنني أعترف بأني لم أصل إلى نتيجة حتميّة، لكني عرفتُ مهمتي الآن، وهي أن أكتب. إن مُحاولة اكتشاف الذات هي من أصعب المهام وأكثرها متعة، هي المغامرة الوحيدة التي تُعطي لحياتنا قيمة ولإنجازها، هناك طريقتان: القراءة وخوض التجارب. وربما لا يكون أحدنا محظوظاً ليخوض تجارب كثيرة في حياته، إلا أن معظم الناس اليوم يستطيعون أن يقرأوا.
لقد قرأتُ مرة هذا المثل وأظنه عربياً: «شيئان لا يُمكن للإنسان أن يُخبّئهما: العِطْرُ والمعرفة»، واسمح لي أن أقول إن القراءة هي عِطْرُ المعرفة، فالقارئ وحده مَن يَبقى عَبَقُه في كل مكان يمرّ فيه. إنه الزّهرة التي لا نكتفي باستنشاق طيبها، بل نُحدق فيها طويلاً، لا نعرف لماذا، ولكننا نعرف جيداً أنها تمنحنا شعوراً سعيداً.
إن ما قمتم به في «تحدي القراءة العربي» يُرسل رسالة للعالم العربي، وربما للعالم كله، مفادها أن الحل الجذري لخروج المجتمعات من أزماتها، أياً كانت، هو القراءة، فعندما تقرأ أمةٌ ما فإنها بذلك تبدأ الخطوة الأولى في رحلة تغيير مصيرها؛ لتصنع مستقبلاً مشرقاً.
إن من الأشخاص الذين تأثرتُ بهم في حياتي اثنين: أحدهما ثقافته قريبة من ثقافتي، وهو خورخي لويس بورخيس، الذي قال: «دَع الآخرين يتباهون بعدد الصفحات التي كتبوها، أما أنا فسأتباهى بعدد الصفحات التي قرأتُها»، وأنا أعتقد، مثل بورخيس، أن الثقافة لا تكمن في عدد الكتب التي تملأ المكتبات، بل بمدى إقبال القُرّاء عليها، والأهم هو كم استوعبنا منها، وكم تَغيّرنا، ثم ماذا قدّمنا للحياة؟
أما الشخص الآخر، فإنه مِن ثقافتك العربية، وهو مُحيي الدين بن عربي، الذي قال: «كلُّ سفينةٍ لا تجيئها رياحها مِنها فهي فقيرة»، وها أنتم في الإمارات والعالم العربي بدأتم صناعة مصائركم بأنفسكم، تركبون سُفُنَ المعرفة، تملأُ أشرعتكم رياح القراءة، لترسو بكم قريباً في موانئ المستقبل.
أُحب بهذه المناسبة أن أهنئكم، وكل الفائزين والمشاركين في هذا الحدث الحضاري، وسأتطلع دائماً لمتابعة مزيد من هذه الأنشطة، التي تُعيد للكتاب مكانته الحقيقية في القرن الحادي والعشرين”.