نقلا عن “المصري اليوم”
لا يترك الرئيس عبدالفتاح السيسي فرصة إلا وحمَّل فيها الإعلام أسباب ما تشهده البلاد من أزمات مع تأكيده على أنه «إضرار بمصر دون قصد» كما ظهر في كلامه لمدة 7 دقائق خلال حضوره جلسة «تأثير وسائل الإعلام على صناعة الرأي العام الشبابي»، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر الوطني الأول للشباب.
الرئيس السيسي اتهم الإعلام بالتسبب في أزمة الدولار نتيجة ما ينشره، فضلًا عن تأثيره على علاقة مصر بدولة لم يذكرها، بعد حديث عدد من الإعلاميين شاركوا في الجلسة لمدة قاربت على الساعتين للنظر في مدى تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام الشبابي.
وأنهى الرئيس مداخلته دون تعقيب من المشاركين في الندوة، الذين عبروا عن وجهة نظرهم بشأن الواقع الإعلامي الذي تشهده مصر، كالحديث عن أن دور الإعلام يتلخص في كشف الحقيقة زائد ترسيخ الحرية، والإشارة إلى افتقاد المتلقي للعقل النقدي عندما يتعامل مع أي محتوى يصل إليه، بالإضافة إلى انتقاد ما يسمى بـ«إعلام المصطبة»، والتركيز على أهمية التدريب المستمر للعاملين في المجال الإعلامي، فضلًا عن أن الإعلام في مرحلة «مرض» تتعلق بأنه «يراقب الجميع ولا يريد أن يراقبه أحد».
لكن اللوم الموجه إلى الإعلام أو اتهامه الدائم بصنع الأزمات سببه عدم وجود «حرية تداول معلومات»، فعندما تغيب المعلومة يظهر الانفلات وتكثر الشائعات، لأن الجهة المنوط بها حسم الأمر لا تخرج بالحديث إلى الناس، فتكثر الأقاويل مثلًا عن ارتفاع سعر الصرف هنا أو تأزم العلاقة مع دولة هناك كما يرى الرئيس.
وبالتالي لا بديل عن إقرار قانون حرية تداول المعلومات بما يتيح للمواطن الحصول على ما يريد من معلومات وفق ضوابط محددة بعيدة عن الأهواء التي تسمح بنشر هذا وتمنع ذاك.
وقد يجعل الحديث الدائم للرئيس عن الإعلام وكأن الأمر يتلخص في البحث عن أقرب طريق لتقديم دليل البراءة لأفعاله، بينما لا مانع من كيل الاتهامات إلى الصحف والقنوات ووسائل التواصل الاجتماعي في متابعتها للشأن العام.
لكن لا ينبغي أن تدار علاقة مؤسسة الرئاسة بالإعلام على هذا النحو، فلا الزمن يعتمد على فكرة الإعلام التنموي الموجه كما كان في سنوات القرن الماضي، بل المتلقي أصبح صانعًا للمحتوى فلا يكتفي بما تقدمه وسائل الإعلام له، بل يبحث عن المعلومة لدى أكثر من مصدر بفضل شبكة الإنترنت وزخم وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالتالي على مؤسسة الرئاسة تطوير آليات تعاملها مع وسائل الإعلام، فعندما يتابع الرئيس كما يقول الصحف كل صباح ويجد ما يسبب أزمات، فلماذا لا يعقد مؤتمرًا صحفيًا كل أسبوع يجمع فيه جميع رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين وأبرز الكتّاب على الساحة؟ ويكون اللقاء على الهواء وغير مسجل، ويترك الرئيس لهم حرية سؤاله والإجابة عما يدور في أذهانهم أو يشغل بال الرأي العام، دون أن يكتفي بحديث لصحف قومية كما فعلها مرتين خلال العام الجاري في أقل من 50 يومًا.
والأمر نفسه يفعله وزراء الحكومة حتى لا تتوه المعلومة لدى وسائل الإعلام، وبالتالي تتمكن من تقديم ما هو صحيح للمتلقي وليس تكهنات، ومن ثم سيكون تحقيق التواصل الأسبوعي المباشر مع رؤساء التحرير والإعلاميين سيتيح للشعب المعلومة من مصدرها دون فتح الباب أمام أخبار يكون بطلها «مصدر مطلع»، رفض ذكر اسمه، أو افتعال أزمة لا يحمد عقباها.
وإذا كانت أجندة الرئيس مشغولة بالمواعيد، فيمكن للمتحدث الرئاسي جمع مندوبي الصحف ووسائل الإعلام للإجابة على تساؤلاتهم في مؤتمر صحفي مذاع على الهواء كل أسبوع، مع التأكيد على أهمية إقامة الرئيس للقاء نصف شهري مع الإعلاميين للرد عن استفساراتهم.
وقتها، لن تكون هناك معلومة مجهولة الهوية ولا اتهامات تطارد الإعلام بتنفيذ أجندة الحاكم أو التسبب في «تنغيص» حياة الناس، كما سيجد الرئيس كل الفرصة لقول ما يريد دون النظر للإعلام وكأنه هو المتحكم في مقاليد الأمور بالبلاد وسبب إحراجه.
إن تحري الصدق فيما يقوله الإعلاميون أمر لا خلاف عليه، لكن ليس بالصدق وحده تحيا الأوطان وإنما الأمر يعتمد أيضًا على عدم النظر إلى الإعلام باعتباره أداة من أدوات السلطة في تطبيق وجهة نظرها فقط، فإذا سلط الضوء على مشكلة هنا أو أزمة هناك أصبح سببًا في المآسي التي يجب على الدولة مواجهتها حرصًا على راحة المواطن.
فالإعلام ليس من أدواره التصفيق والتهليل للسلطة فيكون مرضيًا عنه، ولا هو مُطالب بأن يجعل المسؤول يستيقظ في كل صباح ويجد أن الحياة جميلة لما يطالعه في الصحف أو يشاهده في المساء على شاشات التليفزيون، بل من واجبه أن ينبهه إلى ما قد يغفله دون «جعجعة» في الهواء، ووقتها سيكون خادمًا للدولة طالما كان يستقر على قاعدة تبتعد عن التهويل والتهوين، ويرتكز في أسلوب عمله على الحديث عن الإيجابيات والسلبيات بقدر متوازن يضمن للجميع حقوقه دون افتراء على أحد.