محمد الباز يكتب: سقوط خرافة الرئيس الذى يكره المعارضة فى شرم الشيخ

نقلا عن البوابة

فى التقييم العام لابد من الاعتراف بأن المؤتمر الوطنى الأول للشباب الذى عقد فى شرم الشيخ ٢٥ _ ٢٧ أكتوبر ٢٠١٦ يمثل نقطة تحول هائلة فى تجربة الرئيس عبد الفتاح السيسى، فما بعدها سيخالف كثيراً ما قبلها، ليس لأنه كان أكبر تجمع شبابى منذ ٣٠ يونيو فى مكان واحد، ولكن لأنه أثبت أن السيسى فى النهاية يريد أن يسمع جيدا ليس لمن يتفقون معه ويؤيدونه فقط، ولكن لمن يعارضونه، ولديهم ملاحظات على أداءه، أثبت عمليا أنه لا يضيق بالنقد، وأنه يتقبل الخلاف، بل ويدون ملاحظات من ينتقدونه، وهو ما يشير الى أن مراجعات كثيرة قد تكون فى الطريق.

راجع المواد الفيليمية التى توثق جلسات المؤتمر، وتطلع ولو بشكل عابر فى ملامح وجه الرئيس، لا أتحدث عن ابتسامته التى لم تفارقه، والتى كانت تشير إلى أنه كان سعيدا بما يحدث أمامه، ولا عن ضحكته المجلجلة التى صاحبت عديدا من المواقف، ولكن توقف أمام حالة الارتياح العامة التى سيطرت عليه، وربما كانت هذه الحالة من الارتياح هى التى جعلته يواصل الأيام الثلاثة فى عمل بلا كلل ولا انقطاع، جعل بعض الشباب يقولون له صراحة أنهم تعبوا وهم يحاولون رصد نشاطه، فى اليوم الأول حضر جلسات المؤتمر جميعها، انتهت تقريبا فى الحادية عشر مساءا، شارك فى الماراثون الذى جعل منه رسالة سلام، وبعد الماراثون مارس هوايته فى ركوب الدراجات، ثم كان أول الحاضرين فى صباح اليوم الثانى يستمع ويناقش ويدون الملاحظات.

بتكثيف ليس مخل، يمكن اعتبار هذا المؤتمر استفتاءا جديدا من زاوية ما، ليس على شعبية السيسى فقط ولكن على شرعيته، فهو رئيس لكل المصريين باستثناء القتلة والإرهابيين، ثم أنه ليس الرئيس الذى يتوارى بعيدا عن شعبه، يجلس بينهم، يستمع منهم دون أن يمنعه أو يمنعهم من ذلك شئ، ثم وهذا هو الأهم الحضور اللافت للمعارضة فى جلسات المؤتمر.
……
من حقك أن تسوقفنى لتسأل: وهل فى مصر معارضة الأن، حتى تقول أنها كانت حاضرة فى المؤتمر؟

السؤال منطقى بالطبع، وأعتقد أن الإجابة عليه ضرورية.

محمد الباز يكتب: صناعة ديكتاتورية المستقبل فى شرم الشيخ

بعد ٣٠ يونيو كانت مصر بين معسكرين، الأول شعب كامل امتلك إرادته وقرر أن ينهى حكم الاخوان ويطرد رئيسهم من القصر، لم يخرج عن صفوف هذا الشعب أحد، الا الجماعة الإرهابية وبعض حلفائها، كان الشعب بكل فئاته وعلى رأسها الجيش فى جبهة واحدة، جبهة اجتمعت فيها كل الأطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما شكل تحالفا عظيما ورائعا وراقيا.

ظلت الإرهابية ومن سار على نهجها تعمل جاهدة ليس على معارضة نظام ما بعد ٣٠ يونيو، ولكن على هدمه وتدميره والثأر منه، وبذلك لا يمكن التعامل مع هؤلاء على أنهم معارضة لعبد الفتاح السيسى، ولكنهم خصومه، الحوار معهم لا يجدى، والجلوس اليهم لا يفيد، وقد يكون من المناسب التعامل مع هذه الجبهة على هذا الأساس، فهم لا يعارضون من أجل وطن، بل يعملون من أجل استعادة سلطة.

المعارضة التى لم تتبلور بشكل كامل خرجت من تحالف ٣٠ يونيو، لن ألتفت هنا بالطبع لمن رقصوا على السلم، وخططوا لمغازلة كل الحبال، هؤلاء الذين أعلنوا أنهم مع ٣٠ يونيو لأنها بالنسبة لهم ثورة، لكنهم يعارضون ٣ يوليو لأن ما حدث فيه فى رأيهم انقلاب، وأقول لا ألتفت اليهم لأنهم بمرور الأيام انضموا الى معسكر الاخوان وعملوا لصالحهم ربما لأن العائد المعادى الذى حصلوا عليه كان كبيرا ومغريا.

مثل الشباب الكتلة الصلبة فى جبهة معارضة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى، وكان لذلك أسبابه الكثيرة، وأعتقد أن قانون التظاهر كان فاتحة التفلت من معسكر ٣٠ يونيو.

بعد الثورة كان لابد من هذا القانون، كانت هذه وجهة نظر الادارة الحاكمة، فالإخوان لا يتركون أى فرصة دون استثمارها للتظاهر والتخريب، وبدلا من أن يتفهم شباب الحركات السياسية المقصد والهدف من القانون، خرجوا ليكسروه كما قالوا، خافوا ربما على مكاسبهم التى حققوها، وربما تعاملوا على أنهم قادة وزعماء لهم دور ونصيب فى حكم البلد، ولا يجب أن يمر قانون مثل هذا دون أن يكون لهم رأى فيه، خاصة أنهم كانوا يأخذون من التظاهر والقدرة عليه مصدرا مهما من مصادر شرعيتهم، ولأن الفترة التى كانت تعيشها مصر لم تكن لتتحمل أى هزل، لم تتنازل الادارة ، وكانت النتيجة أن دخل شباب تعامل معهم كثيرون على أنهم شباب الثورة الى السجون مرة أخرى، ولأن هؤلاء صوتهم عال، بدأ الالتفات اليهم على أنهم يشكلون معارضة للنظام، وكانت المعارضة موجهة طول الوقت لعبد الفتاح السيسى الذى صدر القانون وهو وزير دفاع ونائب رئيس وزراء، لكن أحدا لم يقتنع يوما بأنه كان بعيدا عن القرار الأول فى مصر منذ ٣٠ يونيو.

هناك معارضة أخرى تكونت دون قصد، ففى التعامل الأمنى الحازم والحاسم مع مظاهرات الاخوان خلال الشهور التى تلت الثورة، كان أن دخل شباب كثيرون الى السجون، فعليا لم تكن لهم اتجاهات سياسية معارضة، بعضهم صحفيون، وبعضهم متطفلون، وبعضهم عبروا بالمصادفة البحتة الى جوار مظاهرات الاخوان، هؤلاء وجدوا أنفسهم مدانين بلا ذنب ولا جريمة، ولأن فحص ملفاتهم تأخر كثيراً فقد تحولوا وكل من يعنيهم أمرهم الى معارضين واضحين.

تجمع الشباب الذى لم تأته ثورة يونيو بشئ حول قضية السجناء، وبدأ النضال من جديد متهمين عبد الفتاح السيسى بأنه خان الثورة، وبدأوا فى ممارسة حرب ممنهجة ضده عبر شبكات التواصل الاجتماعى ساحتهم التى يعرفونها جيدا، والحق يقال أنهم لم يدخروا جهدا فى النيل من الرجل وهيبته وكرامته، فقد أساءوا له بكل الإساءات التى تضعهم تحت طائلة القانون.

يعتقد النظام أن هناك معارضة شرسة تستهدفه من داخل الاعلام، وهى أكذوبة كبيرة جدا، وأعتقد أن بعض الأصوات الزاعقة والخارجة عن اللياقة فى نقدها لا يمكن أن تمثل معارضة حقيقية للنظام، من ناحية لأنهم يعبرون عن ظاهرة صوتية أكثر من كونها ظاهرة لها صدى ومردود على الأرض، ومن زاوية ثانية لأن لكل منهم دوافعه ومبرراته، التى بمجرد أن تنقضى ستنقضى المعارضة ذاتها.

لست فى حاجة بالطبع الى الإشارة إلى أحزاب المعارضة التقليدية التجمع والناصرى والوفد والأحرار وغيرها، فالكلام عن التاريخ لن يجدى شيئا، كما أن أى كلام فى هذه المساحة سيكون من باب تقليب الجراح، وهو ما يسير أيضاً على الأحزاب التى تأسست بعد ثورة ٢٥ يناير، فهى مجرد دكاكين سياسية، لن أطالبها بأن تلعب دورها فى المعارضة فهذا تحميل لها بما لا تطيقه، ويكفينا منها أن تكف عن إفساد الحياة السياسية، وهو ما تفعله ببراعة نحسدها عليها.
…..
فى مؤتمر شرم الشيخ كانت هناك رغبة صادقة فى أن يجتمع السيسى مع كل أطياف المجتمع بالفعل، وأعتقد أن هذه كانت فكرته، فلولا دعمه لها لما جرؤ أحد ممن نظموا فعاليات المؤتمر أن يدعو من يعتقدون أنه ضد الرئيس.

هل كانت هذه فرصة تاريخية للمعارضة المصرية؟

أعتقد أنها كانت كذلك بالفعل.

لن أتوقف بكم عند من رفضوا الدعوة، فقبل أيام من المؤتمر أعلنت أحزاب ” تحالف التيار الديمقراطى” مقاطعتها لمؤتمر الشباب.

أحزاب التحالف هى _ لأنك حتما لا تعرفها _ الشعبى الديمقراطى والدستور والكرامة والتيار الشعبى ومصر الحرية، وحتى تتعرف على وجهة نظرهم فى الرفض اقرأ فقط بيانهم الذى قالوا فيه أن أحلام وطموحات الشباب فى مصر تم إهدارها بسبب سياسات الحكم الحالى، واستمرار حبس العشرات من شباب ثوره ٢٥ يناير و٣٠ يونيو فى قضايا تظاهر سلمى، ولدفاعهم عن أحقية مصر بجزيرتي تيران وصنافير، بعد اعلان وجودهما ضد المياه الإقليمية السعودية، بموجب الاتفاقية التى أبرمت مؤخراً بين مصر والسعودية، وينشرها القضاء المصرى حاليا بعد الطعن عليها من قبل المعارضين لها.

لم تكتف الأحزاب المعارضة بما قالته عما فات، لكنها صادرت من المؤتمر كل توقع لأى نجاح، قالت فى بيانها: لن نشارك فى مناسبات كل هدفها التقاط الصور التذكارية والتعتيم على المشكلات الحقيقية، من تزايد لمعدلات الفقر وغلاء فى الأسعار وغياب الخدمات الأساسية من صحة وتعليم، التى تضمن للمواطن حياة كريمة، وكذلك التدهور الحاد فى الحقوق والحريات الأساسية وحبس الشباب وكبت حرية الرأى والتعبير.

هؤلاء لا يستحقون التعامل معهم بجدية، ليس لأنهم خارج الصورة فقط، ولكنهم خارج الزمن أيضاً، تشعر أن المعارضة لديهم وظيفة وليست وسيلة للتغيير، يعملون معارضين دون أن يكون لديهم أى استعداد للحوار، وعندما تتم دعوتهم للحوار الجاد يشككون فيه قبل أن يبدأ، ويحيلون عليه التراب، لأنهم لن يتحملوا مسئوليته ولن يقوموا بتبعاته.

كل ما قالته أحزاب التحالف فى بيانها تمت اثارته فى جلسات المؤتمر باستثناء تيران وصنافير وآغلب الظن أن تجاهلها لم يكن عمدا بل لأن الكلمة أصبحت فيها للقضاء، لم يتردد من تحدثوا مع الرئيس حتى من بين مؤيديه فى فتح كل الملفات والحديث معه بصراحة مطلقة والنتيجة أن مطلبين أساسيين من مطالب المعارضة جرى التفاعل معهما بجدية شديدة، فملف السجناء سيتحرك على أرض صلبة وليس على طريقة الهواة، وقانون التظاهر سيتحرك هو أيضا نحو صيغة يرتضيها الجميع.

لا أعرف شعور من رفضوا حضور المؤتمر الآن بعد أن شاهدوه وعرفوا أنه لم يكن مجرد مكلمة، وإن كنت أشك فى أنهم يمكن أن يعترفوا بأى شئ إيجابى يحدث على أرض مصر، وهذا ما يجعلنى لا أتوقف عندهم كثيراً، فهم لا يرغبون فى الحوار، وسيكون من العبث أن نفرضه عليهم.
…..
فى مطار القاهرة قابلت سميرة ابراهيم، قطعت على طريق دهشتى، قالت لى: أيوه رايحة المؤتمر، ونبقى نتكلم هناك بقى.

ظهر اسم سميرة أول ما ظهر على هامش قضية كشوف العذرية فى السجن الحربى، خاضت معركتها بنبل وشرف، ذهبت الى القضاء لتحصل على حقها، لم تتراجع، لكنها عندما أدركت أن قضيتها لم تكن لدى كثيرين من نشطاء الثورة الا ورقة لعب فقط يتربحون من خلالها بأكثر مما تتخيل، هدأت وبدأت تعيد التفكير، تعرف سميرة الكثير، لديها موقف واضح ومحدد من النظام، لكنها جاءت لتتحدث، لتقول ما لديها، أو حتى لتسمع ما لدى الآخرين.

مساء اليوم الأول للمؤتمر وجدت هجوما سافلا ومنحطا على سميرة من أصدقاءها القدامى عبر شبكات التواصل الاجتماعى، اتهموها أنها باعت القضية، وسخروا من حضورها المؤتمر بطريقة سافلة ومنحطة، وجدتها فى صباح اليوم الثانى مصدومة مما جرى، وقفت مع مسئول سياسى كبير، شكت له مما جرى، فقال لها: المشكلة ان فيه ناس زعلانة من منظمى المؤتمر انهم دعوك.

جرأة سميرة ابراهيم وجدتها أيضاً لدى محمد عبد العزيز عضو المجلس القومى لحقوق الانسان والذى كان واحدا من مؤسسى تمرد وحضر اعلان ٣ يوليو، وانحاز الى حمدين صباحى فى الانتخابات الرئاسية، وعمل فى حملته، قابل هو الآخر هجوما عنيفا، لكنه فيما أعتقد عاد سعيدا بمشاركته، لأنه لم يرجع خالى الوفاض، بل يحمل قرارا بتشكيل لجنة للنظر فى قضايا السجناء، وهو الأمر الذى أثاره الكاتب والباحث والسياسى أسامة الغزالى حرب الذى يتحرك منذ سنوات فى معسكر المعارضة، والتقطها الرئيس وكلف محمد عبد العزيز بالبدء فى تشكيل لجنة لمباشرة الأمر.

عدد المعارضين فى المؤتمر لم يكن كبيرا، لكن حضورهم كان مؤثرا، خرجوا بمكاسب سياسية واضحة، قضية السجناء وقانون التظاهر، وأعتقد أن الرئيس كان مقتنعا بما طرح أمامه بشأن هذين الملفين، لم يرغمه أحد على شئ، وهو ما يضعنا فى خانة البحث عن المعارضة التى نحتاجها كشعب ويحتاجها السيسى كنظام.

هذه رؤيتى الخاصة، أنا وحدى المسئول عنها، فالمعارضة التى تحتاجها مصر الآن لابد أن تعمل كتفا بكتف الى جوار النظام، معارضة تبنى ولا تهدم، تشير الى أخطاء النظام، دون أن تخنقه، تتحدث معه دون أن تتآمر عليه، تنصحه دون أن تشمت فيه، وعندما تقتضى الأمور اصطفافا وطنيا، يجدها النظام الى جواره.

شئ من هذا رأيته فى شرم الشيخ فى قاعات مؤتمر الشباب، معارضة تتحاور مع الرئيس دون أن تفكر فى الثورة عليه، تطرح عليه أفكارها دون أن تكون لديها رغبة فى الانتقام معه، تختلفت وتنتقد وتتحدث بحماس شديد، دون أن تتجاوز أو تتعدى على مقامه، وأعتقد أن هذا مكسب كبير، لا يجب أن نهدره، وإذا كان هناك من يريد أن يعمل فى صفوف المعارضة الآن فليتقدم، فكل قنوات الحوار مفتوحة، ومن العبث أن نسدها بأيدينا ثم نقول أن الرئيس لا يريد أن يسمع.