“اللي ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى” .. حكمة بليغة ورثناها عن “جدود جدودنا” مفادها أنه إذا كانت الأمور واضحة مثل الشمس فإن من يتغاضى عنها يكون فاقد البصر والسمع وكافة الأحاسيس الإنسانية الأخرى .. ولعل هذا هو حال “حكومتنا الرشيدة” التي على ما يبدو أدارت ظهرها لكافة مشكلات الشعب المصري وتخلت عن دورها في الإشراف والمراقبة على الأسواق لضبط الأسعار وتوفير السلع الضرورية للمواطنين .
نرشح لك : محمد يوسف يكتب: صاحب المحل !!!
فيما مضى كان الشعب يتحمل رفع أسعار السلع الترفيهية بدليل أننا لم نر أي تعليق من المواطنين عندما قامت الحكومة بإشعال أسعار الجمبري والاستاكوزا بل والملابس المستوردة وذلك انطلاقاً من مبدأ “بلاها جمبري وحتى بلاها هدوم” .. لكن حين يتعلق الأمر بالسلع الأساسية وفي مقدمتها الزيت والسكر والأرز ومن قبلها ألبان الأطفال فإن الأمر مختلف .
فإذا كانت الحكومة تستهين باختفاء مثل هذه السلع الأساسية وبيعها في السوق السوداء بأضعاف أسعارها فإنها بذلك تزيد الطين بلة دون أن تدري .. ومن عجب العجاب أن يصر المسئولون على عدم وجود أزمة على الأرض وأن السلع متوافرة والناس عيشتها “فلة شمعة منورة” فهذه الطامة الكبرى .
وإن كانت الحكومة تصم آذانها عن معاناة المواطنين فإنها غير جديرة بالثقة ولا تصلح لتحمل مسئولية دولة كبيرة بحجم مصر .. وإذا كان المهندس شريف إسماعيل ، رئيس مجلس الوزراء ، يعتقد أن الأحلام الوردية ستطفئ نيران البطون الفارغة فهو لا يقرأ التاريخ ولا يستفيد من التجارب السابقة .. فرجل الشارع العادي يعنيه في المقام الأول أن يجد كوب الشاي الذي “يعدل مزاجه” .. ويهمه أن يجد الأرز والخبز الذي يسد به جوعه هو وأسرته .. بعد ذلك كل شيء مقدور عليه ويخضع للشد والجذب .
ونحن هنا لا ندعو لتجاهل المشروعات القومية الكبرى والتخطيط الاستراتيجي لكننا ندق ناقوس الخطر بأن كل هذه الطموحات العملاقة لا تغني ولا تشبع من جوع بل ولا تساوي الورق الذي كتبت عليه إذا لم يجد المواطن ما يسد احتياجاته الأساسية .. فلا يجب أن يغيب عن ذاكرتنا أن “السلفيين والإخوان” كانوا يشترون الأصوات الانتخابية بالزيت والسكر .. وهذا بالمناسبة ليس إشادة بذكائهم أو نبل أخلاقهم وإنما توضيح للعبهم على وتر توفير الاحتياجات الرئيسية بالنسبة للمواطنين .
ويجب أن تعي الحكومة جيداً أن المواطن لم يعد يصدق تصريحاتها المغيبة عن الواقع .. لأنها بمنتهى البساطة في “نفس ذات التوقيت” الذي تفرض فيه “الإجراءات المؤلمة” ، بحسب التعبير الذي استخدمه رئيس الحكومة ، على الشعب وتطالبه بالتقشف و”شد الحزام” نجدها تتقدم بمشروعات قرارات لمجلس النواب لزيادة مرتبات الوزراء ورئيس .. كما لا يتورع المسئولون عن فرض رسوم إضافية على المواطنين لدعم مشروع علاج القضاة .
وبالموازاة لكل ذلك يتم تمرير قوانين تلهب ظهر الشعب مثل القيمة المضافة والخدمة المدنية وغيرها من القوانين التي أشعلت الأسعار اشتعالاً دون وضع أي ضمانات أو اتخاذ أي إجراءات لحماية محدودي الدخل أو تخفيف آثار “الضربات الموجعة” ، الإجراءات المؤلمة سابقاً ، وتوضيح رؤية شاملة لما هو منتظر أن تصير إليه الأمور مثل رفع قيمة الدعم المقدم لمحدودي الدخل .
ونود أن نشير إلى أننا لسنا معنيين في هذا المقال برسم صورة سوداء ، فهي كما يؤكد البعض سوداء بما يكفي ، ولكننا نذكر الحكومة بضرورة التعامل الإيجابي والفوري مع الأزمات الحقيقية التي تعيد إلى الأذهان مقولة “الجوع كافر” .. لأنه أكثر من كافر فهو قاتل .. فلابد من تشكيل خلية عمل على مدار اللحظة لا الساعة لإيجاد حلول سريعة وحاسمة ومرضية بكل ما تحمله هذه الألفاظ الثلاثة .ز قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم .. وربنا يستر .