كنا قد قسمنا معدِي البرامج التلفزيونية بالمقال السابق إلى أقسام ثلاثة، المعد العلاقات والمعد الريجيسير ، وبطل حلقة اليوم “المعد الإيربيس” … وللتذكرة نقول أن (الإيربييس) هي قطعة الأذن، السماعة التي يرتديها أي مذيع ليتلقى من خلالها تعليمات المخرج والبروضيوصر ورئيس التحرير أو من ينوب عنه، وأحيانا ينوب عنه أحد أبناؤه في فريق التحرير، ممن يمتلكون مواهب وقدرات خاصة ونسميه هنا مجازا “إنسان الإيربييس” .
إنسان الإيربييس يكون من أكثر العاملين تركيزا داخل الكونترول، يتابع الحديث الدائر بين المذيع وضيفه كي ينقذ المذيع وقتما يتطلب الأمر … هو يعلم تماما أبعاد الموضوع الذي يتم مناقشته، ويجب أن يكون واعيا كذلك لمن سيشارك بالبرنامج عبر الهاتف، وما هي طبيعة الكلمات التي سيقولها.. وهي أساسيات غاية في الأهمية، يجب توافرها في هذا الرجل الذكي بالفطرة.. حيث يجب عليه أن يتصيد دوما اللحظة المناسبة لإبلاغ المذيع بالمعلومة .. فالمذيع مهنته تجبره على الحديث معظم الوقت… فكيف يقاطع تدفق أفكاره، صوت في أذنه، وماذا يقول هذا الصوت في أقل عدد ممكن من الكلمات؟؟ … تلك هي الحرفة، تلك هي الصنعة، وبدون ما سبق لا يمكنه على الإطلاق أن يمد يده على زر الإيربييس.
والأهم من كل ذلك أن يكون إنسان الإيربييس من الأصدقاء المقربين للمذيع، فهو – نظريا – أحد ثلاثة أصوات فقط تحدثه، وعمليا هو أكثر من يتوجه له بالحديث، ولهذا فيجب عليه أن يتفاهم مع المذيع ويعرف بدقة ماذا يقول، ومتى يقول، وكيف يقول… فكلما كان الصوت واضحاً.. وكلما كانت الكلمات محددة.. وكلما كان زمن الجملة أقصر.. كلما ارتاح المذيع أثناء عمله، وظهرت الصورة أفضل… وهذا هو دوما الهدف المنشود.”الثانية بتفرق” .. هكذا تعلمنا جميعاً .
إنسان الإيربيس قد يكون رئيس التحرير، وقد يكون المعد الوحيد، وقد يكون ثاني إثنين من المعدين.. المهم أن وجوده بالكونترول غاية في الأهمية، وإذا كان العاملين بالقنوات الفضائية يتقبلون مجازا أن يخرج المخرج من الكونترول رووم ليشرب سيجارة، أو يترك البروضيوصر موقعه ليؤدي نداء الطبيعة، فإنه لا أحد يتحمل أن يترك هذا الشخص المحوري مكانه خلف زر الإيربييس ولو لدقيقة، فهو حلقة الوصل بين فريق التحرير كاملاً وبين المذيع وبالتالي المشاهد… لذا فيجب عليه أن يكون حساساً للغاية لكل ما يتلقاه من معلومات وطلبات ليبلغها بدوره للمذيع.. يجب أن يكون يقظاً لأي تغير سلبي في إيقاع الحلقة .. يراعي دقة ما يقول .. والأهم أن يراعي أن الثانية بتفرق فعلاً.. ولهذا وجب التنويه.
الأخطر في هذه المهمة/ المهنة ، أن صاحبها قد يتحمل كل أخطاء المذيعين بداية من نطق الأسماء بشكل خاطئ، وليس انتهاءا بذكر معلومات مغلوطة، مرورا بقول كلمات مضحكة أو غير مفهومة يرددها المذيع وراؤه بدون تفكير، دوما ما “يهرب” المذيع من أخطاؤه ويعلقها على شماعة رجل الإيربييس… و في أحيان أخرى ، قد يخرج المذيع عن السياق أو يتجاوز خطاً أحمراً ما ، وهنا يعاجله إنسان الإيربييس بتصحيح أو بصياح طبقا للموقف، وهو ما قد يؤدي لمعركة كلامية بعد الهواء بينهما، تؤدي في الغالب إلى الخصم من إنسان الإيربييس الغلبان، لفت نظره، تعنيفه، وقد تصل لفصله.
أما عن الخلافات، فإن معظم خلافات المخرج والبروضيوصر مع إنسان الإيربييس تنحصر في مسألة التوقيت، فالبرنامج مواعيده مقدسة، بدايته ونهايته، فيطلبا منه بحزم أن يبلغ المذيع بانتهاء الزمن المخصص للحلقة، وعليه يجب ختامها الآن .. الآن.. الآن التي لا تعني أي شئ سوى الآن.
وكما ذكرت فإن معظم العاملين بها أذكياء اجتماعيا ومهذبين بالفطرة، فلا مشاكل جسيمة تقابلني شخصيا مع تلك النوعية من المعدين .. و بلا جدال هي مهنة/ مهمة تضعنا جميعا على المحك، ويجب على من يضطلع بها أن يدرك تماما أن عمله غاية في الأهمية والحساسية ، وأن يعي – أرجوه أن يفعل- أن الثانية بتفرق فعلا.. أبوس إيديكم بقى.
للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر
اقرأ أيضًا:
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (5).. من الإيربيس للرئيس
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم.. المقال الرابع: في أهمية الـ Q
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثالث (البديع الفظيع)
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثاني (التايتل)
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الأول (البروضيوصر)