في البداية، وقبل ما أخوض في تفاصيل الموضوع، أحب أؤكد إن رسالتي تندرج تحت وصف النقد ذاتي، وإن دافعي لكتابة “الكلمتين دول” ليس لإني أشكك في نوايا الشباب المعنيين بالشأن العام، ولكن لتعرضهم لحملة من الهجوم على مدار سنتين جعلت بعضهم لا يقبل النقد، وهو أمر لا يصح من فصيل يطالب بالإصلاح والتغيير. وأخر شىء أحب أن أذكره، إن من حق كل منا أن يكون له رأيه الخاص، وأن يكون له مطلق الحرية في التعبير عنه، وإن ما ستقرأه في السطور القادمة ليس وصاية أو حجر على أحد، بل مجرد نصيحة لوجه الله.
المهم ندخل في الموضوع، جاءت السنين الـ4 الأخيرة علينا كالصاعقة، لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تتغير المعادلة السياسية بهذا الشكل. لم نكن نحن الشباب مستعدين لذلك، حتى من كان لهم نوعا من الخبرة في معارضة النظام، لم يكن يمتلكوا أكثر من مجرد تحفظات على أداء النظام السابق، لا ترقى لأن تكون رؤية بديلة لكيفية إدارة الدولة والتعامل مع مشاكلها، لإنه بمنتهى البساطة لم يكن متاحا لأحد أن يفهم تلك الدولة العميقة إلا من كان جزءا منها. حتى الإخوان ذوي الـ80 عاما من العمل السياسي كما يدعون، أثبتت الأيام أن خبراتهم تنتهي عند جانب المعارضة، ولم يكن لديهم فرصة هم أيضا في أن يصنعوا من “فسيخ” الدولة “شربات” أو أي شىء أخر.
لا أرى في عدم تمتعنا بالخبرة والإدراك الكافي عند إندلاع الثورة عيبا، فلا يعيبنا ألا نعرف الأدب والبلاغة في دولة بلا كتاتيب. لكن ما يعيبنا حقا هو أن يمر أكثر من 4 سنوات دون أن نكتسب بعضا من الدراية والخبرة، أن نستمر في التعامل بنفس النهج الساذج ونتوقع نتائج مختلفة.
لقد كان كثير منا يرون أن مصر مثل شابة جميلة، تشبه بطلات أفلام المراهقين الأمريكية، تحتاج فقط إلى بعض تعديلات خفيفة لكي تحصل على النيولوك الذي سيبرز جمالها وسحرها، ويجعلها تنصب ملكة جمال الربيع. تذكروا الاقتراحات التي كانت تلاقي رواجا بيننا بعد الثورة؛ “قناة السويس بالجنيه المصري” ستحل مشكلة العملة الصعبة، تذكروا كيف قسم المصريين ثروة مبارك بينهم لينتهي عصر الفقر، لكن مع مرور الوقت ومع أول استحقاق انتخابي (استفتاء 19 مارس الشهير)، اتضح لنا إن مصر ليست ميدان التحرير والأسكندرية ومدن القناة، مصر أكثر تشعبا وأكثر عمقا، مصر دولة تعيش على المسكنات منذ أكثر من 30 عاما.
إن حقيقة الوضع أن مصر أقرب إلى متسابقين برنامج “الخاسر الأكبر” the biggest loser، هؤلاء الأقرب للفشل من النجاح، حيث يدخل المسابقة عشرات، ينجح منهم واحد فقط في تحقيق تغير حقيقي. مصر تحتاج لكثير وكثير من العمل، كل وحدة من قطاعات الدولة تحتاج لتعديل وتطوير وتطهير وإصلاح، وضف على ذلك عدم وجود الإمكانيات والموارد، وعدم توفر الوعي والثقافة أو الدافع لدى كثير من المواطنين، وعدم وجود النية عند البعض الأخر.
والنتيجة؟ النتيجة أن كثير منا طالب بالخيال، كنا نطلب من شخص لا يستطيع الجري لمدة 3 دقائق أن يتحول لروكي وينافس أبطال العالم. كم مرة طالبنا بما لا يستطيع أحد تحقيقه؟ كم مرة طالبنا بأشياء لا تمس سوانا، ولا يراها منطقية من لم يحظي بنفس القدر من التعليم والاحتكاك. كم مرة قارنا ردود أفعال حكومتنا بدول أكثر تقدم، دون أن نضع في الحسبان أن تلك الدول تمتلك أنظمة لكل شىء، على عكس حكومتنا التي لا تعني بها قرارات الإصلاح شىء.
ليس هذا كل شىء، بل إن تعاملنا مع الأطراف الأخرى لم يكن في معظم الأحيان يختلف عن تعاملهم معنا الذي كنا نراه ظالما. كم مرة شككنا في نوايا الأخرين، اتهمناهم بالخضوع، بالعبودية، بالفساد؟ كم مرة هاجمناهم بناء على معلومات مغلوطة أو غير دقيقة، وفي النهاية نرى أننا أفضل منهم لإنهم يشككون في انتمائتنا ووطنيتنا دون دليل.. ألم يفعل بعضنا نفس الشىء؟!
إني أرى المشكلة الكبرى بيننا وبين الدولة تكمن في فرق الأجيال، في رؤيتنا كشباب منفتح تقدمي، وبين رؤيتهم كجيل أكبر سنا يتمتع بقدر كبير من الأفكار المحافظة غير المرنة. بالتأكيد الفساد منتشر في كل أركان الدولة، بالتأكيد هناك متربحون وأصحاب مصالح، لكنه ليس من العدل أن نضع الكل في نفس الخانة.
أسمع بعض الأصوات التي تنادي برحيل رأس الدولة هذه الأيام، وهو حقهم في أن ينادوا بما يروا فيه خير للوطن، ويقابلهم من الناحية الأخرى هجوما عنيفا وغير شريف يطول النوايا والضمائر وربما الأعراض. لكني إن كنت أدافع عن حق هؤلاء في المطالبة في رحيل الرئيس، أرى من الضروري في هذا الوقت الذي تتقلص فيه شعبية كتلتنا يوما بعد يوم، ألا نقدم مطلب بهذا الثقل دون أن نرفق معه الحل والبديل الذي يجده المواطن منطقيا.
هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها نفس الكلمات، والتي قد يفسرها البعض تراجع عن مطالبتي بحقنا في وطن أفضل أو تفريطا في دم من ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الحلم. في الحقيقة لم يتغير موقفي من ذلك الحلم، لكني قد تعلمت إن بعض الأصوات قد تبدو أكثر وطنية مني، وقد تحصل على الكثير من التأييد وتلهب صدور شباب في المرحلة الجامعية بالحماس، لكنها بكل تأكيد سنتنهي مثل كبار معارضي اليوم، تاريخ حافل من المبادئ والشعارات الرنانة ومعارضة السلطة دون قدرة على ترجمة تلك الشعارات لواقع يكسب ثقة المواطن.
اقرأ أيضًا:
كريم الدجوي : عن الدي جي أحمد زوؤلة الذي لم تقتله الداخلية
كريم الدجوي: السبكي وفيفي ومحمد رمضان.. واللي مالهمش دية!
كريم الدجوي: بورما وتشارلي إبدو وعلي جمعة!