عبد الرحمن أبو بكر
أن تملك القدرة على التخيل فهي نعمة يهبك الله إيها للهروب ( الوقتي ) من واقعك والدخول إلى عوالم جديدة وغريبة تجعلك تجد السعادة في نفسك بسبب هذة الزيارة القصيرة .. ولكن أن تملك القدرة على تجسيد وتصوير هذا الخيال حتى يصبح واقع ملموس تشاهده بعينك فهي قدرة يختص بها الله بعض من عباده، ومن هؤلاء أتحدث عن أستاذي وواحد من أفضل من صوروا ورسموا الخيال .. الأستاذ مصطفى حسين .
تبدأ القصة مع أستاذه الفنان الكبير حسين بيكار عندما أُسند إليه المخرج الكندي” جون فيني ” رسم لوحات توضيحيه بالألوان عن قصه بناء” معبد رمسيس الثاني ” في أبو سمبل طبقا للمعلومات التاريخية والهندسية، وذلك أثناء تصوير الفيلم التسجيلي
” ثامن العجائب ” الذي يتحدث عن نقل معبد أبو سمبل في الستينات من القرن الماضي أثر بناء بناء السد العالي وغرق المكان الأصلي تحت مياه بحيره ناصر .. وهنا يأتي دور الخيال الذي تضافر مع قوة الفنان التشكيلي حيث صور ” بيكار ” ببراعة مراحل البناء والعمال وهم يتصببون عرقا ومشقه من جهد العمل ورئيس العمال بملامحه الجادة الشرسة وهو يراقب سير العمل والفرعون وهو جالس على عرشه في انتظار إنتهاء البناء والكثير من التفاصيل التي تبهرك وتجعلك تعتقد أنك تري صورا حقيقيه وليست لوحات تشكيليه .. كانت هذه اللوح والتي استغرقت من بيكار حوالي العامين كي ينجزها باب الدخول لتلميذه النجيب مصطفي حسين إلى عوالم الخيال والسحر والأبداع وهي عوالم يمتزج فيها الخيال بالواقع و يختلط فيها المنطق بالمستحيل لتخرج منها بتحفه فنيه تبهر كل من يرها وقد حذا مصطفي حذو استاذه فتعلم منه سر صنعه.
” الخيال ” وكيفيه تصوير هذا الخيال و تجسيده على الورق ..
فيتجلي الخيال عند الأستاذ في واحده من أروع ما رسم في حياته . سلسله ” قصص القرأن ” للكاتب الكبير الراحل أحمد بهجت صاحب الأسلوب السلس البليغ، فنجده يصور أحد مشاهد السلسلة في قصه ملكه ” سبأ ” وهي تدخل الصرح الممرد الذي شيده سيدنا سليمان وهي كاشفه عن ساقيها خشيه أن تبتل فيحدثها سيدنا سليمان أنه صرح مبني من زجاج تجري تحته الماء . فتظهر قوته في تصوير الصرح بقوه الفنان المُلم بقواعد المنظور الهندسي وتخيله لشكل الصرح و النقوش و الزخارف الموجوده عليه و تصوير شفافيه ملمس الزجاج وانعكاس كل ما حول الصرح عليه، مستخدما خامة صعبة المراس وهي ألوان ” الجواش” التي برع الأستاذ في استخدمها أو بالأصح في ( ترويضها ) كما يروض المدرب الأسود .
ويفاجئنا بمشهد آخر من قصه ” إبني أدم ” عندما حدثت نفس قابيل بقتل هابيل فقتله ثم ندم علي فعلته وتسائل كيف يواري سوئه أخيه ؟ فبعث الله بغراب يدفن أخيه كي يعلمه كيف يدفن أخوه، فيصور الغراب بريشه الأسود اللامع وتعبير وجه قابيل الملئ بالحسرة والندم و السحاب المشرئب بالألوان الغامقه للتدليل علي روح الكادر الذي يعبر عن الحزن والندم . كلها تفاصيل امتازت بها أعمال الأستاذ .
ولم يسلم الكاريكاتير أيضا من مخيلته فها هو الشحات المشهور ” الكحيتي ” بحزنه الدائم علي ضياع أسهمه في البورصه واكتئابه لبيع سيارته ” الخنزيرة “،وتصوير أفراد عائلته وملابسهم الرثه و غرفه معيشتهم المتواضعه، و صديقه ” عزيز بيه الأليت ” و قصره و حديقه قصره وسيارته .. وتأتي شخصيته الشهيرة ” فلاح كفر الهنادوه ” بملابسه الفلاحي الأصيله والصديري و المنديل ” المحلاوي ” كلها تفاصيل تثبت قدرته على (نحت ) الشخصية المصرية بكل تفاصيلها المميزة لها .
و” كمبوره ” الوصولي الانتهزاي الموجود في كل العصور وكل الاوقات وعالمه الملئ بالملذات .. وغيرها من الشخصيات أعطها الأستاذ كل شخصيه منهم جزء منه ومن تجاربه ومن ذاكرته البصريه ومخيلته التي شاهدت كل شبر في مصر و صور مشاهدها بكل قوه واقتدار ..
ملحوظة اخيرة .. لا يجتمع الناس على شخص واحد أبدا .. كثيرا من اختلفوا مع الأستاذ حول إنتمائه السياسي والفكري، ولكني أؤكد أن هؤلاء و غيرهم لا يستطيعون الأختلاف على أنه كان رسام عبقري و مصور من الطراز الأول وأن موهبته كانت لاتبارى مع غيره من الرسامين .
وأملي أن تجمع أصول أعماله ولوحاته التشكيليه قبل أن تضيع أو ” تسرق ” والتي جهز بعضها لمعرض خاص كان ينوي القيام به ولكن وافته المنيه في كتاب قيم يليق بأسم مصطفي حسين الأسم الذي أثري الحياه الفنيه و فن الكاريكاتير خاصه في مصر والعالم العربي.