محمد عبد الرحمن يكتب: أقسم بالله ما زملائي

نقلا عن مجلة 7 أيام

“انصر أخاك ظالما أو مظلوما” الحديث النبوي الشريف أكد أن نصر الأخ الظالم يعني أن ترده عن ظلمه وترشده إلى طريق الصواب وبذلك تكون نصرته بأن مهدت له طريق الحق، لو استبدلنا كلمة “أخاك” بكلمة “زميلك” وطبقناها على مجال الصحافة أو أي مجال عمل آخر، لتكرر المعنى نفسه، زميلك المظلوم المفصول تعسفيا، المطارد من أجهزة الأمن، المتعرض لأي اضطهاد بسبب عمله لابد أن تنصره، وزميلك الظالم المرتكب لأخطاء مهنية لابد أن تنبهه لأن صلاحه صلاح للمهنة كلها إذا كان قلبك أنت شخصيا على المهنة فعلا.

غير أن المبدأ السابق لا ينطبق -في رأيي- على الحالات التي يتعمد فيها الزميل ارتكاب الخطأ المهني، ومن أسوأ أعراف صاحبة الجلالة والتي ساهمت في تراجعها السنوات الأخيرة، أن اتفق الصحفيون ضمنيا على عدم مهاجمة بعضهم البعض، نهاجم الرئيس والوزراء والنجوم والمشاهير ولا ننتقد أنفسنا أو بمعنى أدق لا تخرج الانتقادات للعلن، حتى لا نشمت المصادر والقراء فينا.

كان ذلك قابلا للتطبيق قبل عصر السوشيال ميديا، بالتالي لن يجد قارئ يتابع الصحيفة المطبوعة (أ) موضوعا عن خطأ مهني وقعت فيه الصحيفة المطبوعة (ب) ، الآن القارئ وكأنه يجلس إلى جوارنا في المكتب، يمر من أمامنا، يقول رأيه بصراحة وبعنف وبوعي وبدون وعي في أي وقت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لكن البعض لايزال “على قديمه” يقول لك لو وجدت خطأ في جريدتي قل لي بيني وبينك لا على التايم لاين، طيب يا سيدي لو كل زملائك سكتوا فإن القارئ لو انتبه لن يصمت، ولا يمكن الرهان كل مرة على أن القراء لن ينتبهوا وأن زميلك هو الذي سيفضحك لو لفت الانتباه للخطأ .

في رأيي أن التوجيه أو النصح سرا لازال يجوز مع الذي يقع في خطأ غير مقصود، نقص معلومات، غياب حرفية، يؤدي لنشر معلومة غير صحيحة، لكن ماذا عن من يسرق مجهود غيره، أو يكتب معلومات قد تؤذي وتضر؟، هل من المطلوب هنا التنبيه سرا، حتى يتم مسح الغلطة وتوجيه اللوم للمحرر الذي طالما فعل ذلك متعمدا فسيكررها كلما حانت له الفرصة؟.

تلك قضية جدلية بالطبع، وستظل قائمة حتى تنطلق منصات مستقلة دورها استخراج تلك الأخطاء ونشرها بتوزان وعدالة بين كل المواقع والصحف فيتوقف اللوم والعتاب بين الزملاء وتصبح المنصة بديلة لأن يكشف زميل خطأ زميل آخر.

لكن القضية التي تحتاج إلى هذا من وجهة نظري هو تعريف “الزميل” بالأساس، هل هو الزميل الصحفي الذي يخطئ ويصيب، يحاول ويجتهد فيقع في مشكلات بسبب قلة الخبرة، يسهو أحيانا، يصدق مواقع التواصل الاجتماعي أحيانا أخرى، يتنازل عن مبادئ المهنة لتحقيق الترافيك أو للدفاع عن وزير أو فنان معين بسبب المجاملات، كل ما سبق من أخطاء لا تنفي صفة “الزمالة” عن صاحبها طالما لا يتعمدها ولا يكررها صباح كل يوم، يظل زميلا يحق علينا نصرته ظالما كان أو مظلوما، أما الذي دخل المهنة أصلا من أجل التربح المباشر والحصول على رشاوى من مصادر للكتابة ضد آخرين، ولا نجد له في أرشيفه إلا هذه النوعية من المواد، ويغطي عليها أحيانا بواسطة للفوز بجائزة، أو بادعاء الكتابة النقدية والتحليلية، فهذه الفئة لا يصح أن تحصل على لقب “زميل” من الأساس، وهي فئة موجودة في المهنة منذ اليوم الأول، لكنهم الآن باتوا أكثر بجاحة، ولا يرتدون أقنعة أو حتى يبذلون جهدا لإدعاء عكس ما يعرفه الناس عنهم.

فنانة على خلاف شخصي مع فنان آخر، واقعة تتكرر كل عدة سنوات في الوسط الفني، لكن قارن بين باقي الوقائع والقصة الأحدث تحديدا، ستجد أن فيما سبق كان الصحفيون يجتهدون للحصول على تفاصيل للسبق والنشر، حتى لو انحاز لطرف ضد آخر بسبب توافر المعلومات، لكن دون ارتكاب وقائع السباب والتشهير التي تشهدها القضية الحالية والتي يقف الجمهور حائرا لا يعرف أيهما يستحق الغضب، هل النجمان اللذان ذهبا بحياتهما الشخصية للمحاكم، أم الصحفيون الذين قبلوا أن يكونوا أقلاما في يد أحد النجمين يكتب بهما ما يشاء من شتائم ضد الطرف الآخر ودون أدنى شعور بأنهم تحولوا من صحفي يمسك بالقلم، إلى قلم يمسكه النجم.

بناء على ما سبق وردا على كل من سألني “هل يرضيك ما يفعله زملاؤك في حق المهنة” .. أقولها أمامهم واضحة وصريحة “أقسم بالله ما زملائي”.