حمدي رزق
نقلا عن المصري اليوم
التفسيق هو الحكم على المرء بأنه فاسق، والفسق هو الخروج عن طاعة الله، وهو نوعان: فسق مخرج من الإسلام بالكليّة، وفسق مخرج عن كمال الإسلام. فالأول حكمه أنه كافر، والثانى مؤمن ناقص الإيمان. ويكون المرء فاسقاً بالمعنى الأول إن ارتكب أمراً ظاهراً مكفّراً، ويكون فاسقاً بالمعنى الثانى إن ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب.
أخى، جاوز السلفيون المـدى، يفسّقون العلامة الدكتور سعد الدين الهلالى، ويطالبون بشلحه أزهرياً، هجمة السلفية ليست مستغربة وتالية لهجمة أزهرية ضارية، افتتحها وكيل الأزهر الدكتور «عباس شومان»، وتبعه خلق كثير، الأزهريون يتبعهم السلفيون، ولاد فكرة واحدة!!
تطابق لائحة الاتهام السلفية والأزهرية بحق الهلالى، وكأن هناك قراراً باتهام الهلالى صدر غيابياً، قارن بين البيانات الأزهرية ومثيلتها السلفية، تتهم السلفية الهلالى بتتبع رخص المذاهب الاجتهادية، والجرى وراءها دون سبب من الأسباب المعتبرة، ما يعد هروباً من التكاليف وهدماً لبنيان الدين، ونقضاً لمقاصد الشرع المرعية فى الأوامر والنواهى الشرعية، وقد اعتبر العلماء هذا العمل «فسقاً» لا يحل ارتكابه (نصا من بيان التفسيق السلفى).
بعد المقدمات الشرعية ينتهى شيخ السلفية «زين العابدين كامل» إلى تفسيق الهلالى، وهو عين ما فعله شومان مع اختلاف الألفاظ والعبارات، ترفقاً أو ترققاً، يقول شومان عن الهلالى «إن كان قد قال بهذا (أى الهلالى) من إنكار فريضة الحجاب، فهذه طامة كبرى إذ لم نعهد من قبل أستاذ للفقه خرج على إجماع فقهاء المسلمين ممن امتلكوا ناصية الاجتهاد المطلق»!.
يتلمظون للحم الهلالى شهياً، مش كل الطير يتاكل لحمه، الهلالى لحمه مُر، مواصفة الهلالى لا تجدى معها نفعاً الاتهامات التى سيق بها إسلام بحيرى إلى السجن، فمن ناحية الهلالى أزهرى حتى النخاع وإن لم يرتد العمامة، أكاديمى متخصصاً فى الفقه، ربما أكثر تخصصاً من غلاة مفسقيه، الهلالى كبير فى العلماء وإن أنكره نفر من الجهلاء، ومن العلماء من كان ذا بأس شديد.
بدلاً من تفسيق الرجل وتكفير على قوله فى الحجاب منقولاً وليس من عندياته، فليدعوه مجمع البحوث الإسلامية إلى جلسة حوارية، أو تلتقيه هيئة كبار العلماء فى جلسة علمية، أو يقف من اجتهاده مجلس جامعة الأزهر وقفة أكاديمية، وتنشر الخلاصات على العامة بما فيها المُجْمَع عليه والشاذ، ولكن إطلاق الأحكام الجزافية فى أثر الرجل، وأينما حلّ، وإذا «قال بم على قلبه وذم».. هذا ليس من العلم فى شىء!.
يتهمونه بتتبع رخص العلماء وزلاتهم، من ذا الذى يتتبع رخص وزلات العلماء، أهو الهلالى الذى يتتبع، أم جماعة «المحتسبين الجدد» التى تتبع أحاديث الهلالى وتحصى عليه أنفاسه قبل حروفه، وتحاسبه قبل وبعد وبين، جماعة متسلطة لا تقبل بصوت مغاير، تقمع الأصوات جميعاً.
لا أخشى على الهلالى، وأعلم أنه كسب المعركة مسبقاً، دخول السلفيين على الخط يجهض حتى الجنين فى بطن أمه، وأعلم أنه يقف كالطود فى مواجهة السلفيين ومن ورائهم الإخوان والتابعون، مع مساندة أزهرية معلنة ممن ينكرونه أو يحقدون عليه أو يكيدون له، لكنه خبرهم جميعاً، ويعرف ما يدور فى رؤوسهم، متربى وسطهم، وتعلم فى معاهدهم، وتشرّب مذاهبهم، وإن خرج عليهم بعلم سليم.
إن اتهموه بالجهل ظهر جهلهم، وإن لاموا عليه أدانوا أنفسهم، وإن بارزوه ما صمدوا قدر محاورة، لذا يدلفون إليه من باب خفى لاغتيال معنوى، بهدم صرح بيانه أمام مشاهديه وحوارييه وأنصاره، قائمة الاتهامات التى تصدر بحق الهلالى تهدر دمه، وكلها اتهامات ترهيبية للعالم الجليل ممن ينكرون عليه علمه دون أن يطاولوا بنيانه الشاهق.
الهلالى جُبِلَ على المواجهة، ولا يخشى مقارعتهم الحجة بالحجة، لكنهم هم من يخشونه ويتخفون ويطلقون قنابل دخان فى وجه الرجل، وها هو يصيح فى ساحة الوغى، هل من مبارز؟!.