لا أدري هل هي صدفة أن يكون كل الأشخاص المقربين إلى قلبي والمؤثرين في حياتي جميعهم ينتمون إلى نادي الزمالك؟! ابتداءً من والدي وجدي ومرورًا بالموسيقيين المفضلين إلىَّ كعمرو دياب ومحمد منير وانتهاءً بإبراهيم عيسى والدي الروحي الذي له الفضل الأول في كل شىء سعيد يحدث في حياتي في السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ بداية معرفتي به.
في يوم الثلاثاء الموافق 22 أبريل عام 2014، عندما تلقَّى الزمالك هزيمة من بتروجت بأربعة أهداف مقابل هدفَين، وقتها كنت «أبلودر» بموقع جريدة «التحرير الإخباري»، وتصادف توقيت المباراة مع توقيت ذهابي إلى العمل، فكنت أستمع إلى تفاصيل المباراة عبر إذاعة الشباب والرياضة في طريقي إلى الجريدة من إمبابة إلى شارع سوريا بالمهندسين، ومع دخولي إلى مقر الجريدة أحرز محمد إبراهيم هدف الزمالك الثاني في شباك بتروجت لتصبح النتيجة 3- 2 لصالح الفريق البترولي، ولأنني عاشق للزمالك ومتعصّب لم أتمالك أعصابي وصرخت في وسط صالة التحرير بشتيمة للفريق المنافس، لأجد إبراهيم عيسى واقفًا من بين كل الزملاء الذين التفوا حول شاشة العرض في قسم الرياضة ليسأل عن مصدر هذا الصوت، فأجبته بأنني لم أكن أعلم بوجوده، واعتذرت له، فأتى إلىَّ مسرعًا بوجه غاضب وأنا أتمنى أن تنشق الأرض لتبتلعني، إذ كنت فى قمة الخجل، ليبتسم ضاحكًا ويقول «دي فرقة ميّتة، وهيخش فينا الجول الرابع دلوقتي»، وما أن انتهى عيسى من مقولته ليحرز «جيمس» الهدف الرابع لبتروجت في شباك الزمالك، ليعود عيسى إلىَّ قائلاً «مش قُلت لك.. أنا طول عمري باشجَّع الزمالك وطلع عنينا معاه، إنت لسه صغير يا بني، الزمالك يعلمك ماتهيصش وتاخد الموضوع بنفس راضية».
وفي اليوم نفسه حكى إبراهيم عيسى نفس التفاصيل التي حدثت بيني وبينه على قناة «أون تي في» عندما كان يقدم برنامجه الشهير «25- 30»، وحتى كتابة هذا المقال لم تتوقف أحاديثي مع عيسى حول نادي الزمالك.
في عشق إبراهيم عيسى للزمالك، حدث ولا حرج، إذ أستطيع أن أخبرك، عزيزي القارئ، أنه يهتم بكل التفاصيل التي تخص نادي الزمالك، بل إنه محلل جيد لأداء اللاعبين، ويعشق دائمًا اللاعبين الذين يقدمون أداءً رجوليًّا، فهو مثلاً يفضل حمادة طلبة عن كل لاعبي الزمالك في الجيل الحالي، ويأتي بعده في المرتبة اللاعب طارق حامد، أما لاعبو الزمالك عمومًا فيفضل منهم حسن شحاتة وحمادة إمام وحازم إمام.
المؤكد أن عيسى ورث عشق وحب الزمالك من والده السيد عيسى، الذي كان عاشقًا للزمالك بشكل يفوق ابنه، وله مع الزمالك مواقف عديدة، نذكر منها مثلاً مباراة الجولة الأخيرة في الدوري موسم 2002- 2003 حيث قام بوضع تليفزيونَين في الصالة، لكى يتمكن من متابعة مباراة الأهلي مع إنبي ومباراة الزمالك مع الإسماعيلي، ليؤكد لكل أفراد العائلة أنه الشخصية الوحيدة التي امتلكت البصيرة الكروية، حيث إنه أكد للجميع قبل بداية المباراتَين أن الزمالك سيتوج باللقب، وقد كان.
حتى قبل وفاته بأيام قليلة ظل محافظًا على أمرَين لم يغيرهما، أولهما الصلاة في المسجد يؤم المصلين، وثانيهما هو متابعة مباريات الزمالك مهما كانت الظروف والعوائق، حتى إنه في أيامه الأخيرة عندما كان مريضًا في المستشفى كان يترك سريره ويقف أمام التليفزيون الصغير المعلق في أعلى الحائط ممسكًا القسطرة بيده ليتابع مباراة الزمالك ملهوفًا ومتوترًا وقلقًا، حتى عندما دخل إبراهيم عليه الذي فوجئ بالمشهد وأن والده ترك سريره من أجل الزمالك، قائلاً له «معقولة يا بابا كده؟!» ليرد عليه والده: «إنت مابتشوفش الماتش إزاي، ده الزمالك كسبان واحد صفر؟! والواد باسم مرسي ده كويس أوي».
ربما هذه المواقف تبين لكم مدى تأثير نادي الزمالك على عائلة إبراهيم عيسى الملهوف دائمًا بمتابعة كل أخباره وتفاصيله، لدرجة أنه قرر إصدار عدد تاريخي كملحق لجريدة «المقال» خاص بالزمالك بمناسبة حصوله على بطولة الدوري قبل الماضية، حيث إنها كانت المرة الأولى التي يحقق فيها الزمالك لقب الدوري، وإبراهيم عيسى رئيسًا للتحرير.
ولا نبالغ إذا قُلنا إن الزمالك موجود في كل تفاصيل كواليس حياة إبراهيم عيسى، ويتحدث عنه بشكل مستمر مهما كانت الظروف ومهما كانت الأوقات، حتى إذا كان بعيدًا عن أصدقائه وأحبائه فهذا لا يمنعه من الحديث في كرة القدم وعن الزمالك تحديدًا، فيقوم بإرسال الرسائل عبر «الواتس آب» قبل بدء المباريات وبعد انتهاء الشوط الأول وتوقعاته، ثم بعد نهايتها يعاود المراسلة مرة أخرى، ليؤكد للذين تحدث معهم أنه لا يقل خبرة عن الفنيين الذين يحللون المباريات في الفضائيات المتخصصة، بل إنه يزداد عليهم خبرة وبصيرة في كثير من الأوقات.
ورغم حبِّه الشديد للفريق الأبيض، فإنه لم يكن يومًا متعصبًا له كأغلب الزمالكاوية، فهو شغوف بالزمالك لكنه في الوقت ذاته واقعي وليس حالمًا بتحقيق المستحيل، بل إنه سعى واجتهد لكي يقنع ابنه «يحيى» بتشجيع الأهلي لكي لا يعاني مما عاناه في تشجيع هذا الفريق المتقلب دائمًا ولا يسير بخطوات ثابتة، فهو فضَّل سعادة ابنه بالفرح والمكسب على أن يشاركه أحزان الهزيمة والانكسار.