نقلا عن البوابة
لم يفرض نفسه علينا، ولا اعترض طريقنا فجأة، نحن الذين استدعيناه.
” انزل يا سيسى” … كان هذا هتافنا جميعا بعد شهور قليلة من نكبة الحكم الإخوانى، لم يخذلنا، بذل كل ما يملك من جهد لإصلاح ما فسد، قدم النصح لمحمد مرسى، ألح عليه أن يكون رئيسا لكل المصريين، قدم له تقديرات موقف عن المخاطر التى تحيق بنا، لكن الرئيس الإخوانى لم يسمع، حاول تجميع الفرقاء، لكن مكتب الإرشاد رفض المحاولة وأفسدها، ولما وجد أن الجماعة ماضية فى غيها، لم يكف عن توجيه الرسائل بأن الجيش لن يسمح بالإعتداء على الناس وترويعهم، لكن الغشاوة كانت قد أحاطت ببصر وبصيرة الإخوان، فلم يدركوا قيمة رجل مستقيم قبل أن يعمل معهم لا يريد الا الإصلاح ما استطاع الى ذلك سبيلا.
نرشح لك : محمد الباز يكتب : وهم تمكين الشباب وفتنة ال plp
عندما تحول الهتاف الى غضب، وبدا أن الشعب لا يريد الا طرد مرسى من قصر الاتحادية وإخراج الاخوان من بين صفوفنا، لم يتعجل المصير المقدور للجماعة، حدد مهلة أسبوعين ليجتمع الفرقاء، وعندما خرجت الملايين الى الشوارع والميادين بهتاف واحد: يسقط يسقط حكم المرشد، منح النظام مهلة ٤٨ ساعة، بل فعل ما هو أكثر منح مرسى نفسه مساء ٢ يوليو فرصة الحديث الى الشعب عله يعقل أو يتعقل، وكان يمكنه أن يمنعه من الحديث نهائيا، لكن مرسى برعونته وغباءه أضاع الفرضة وتحدى الجميع، ولما وصلنا الى النقطة الفاصلة التى لا رجوع منها أو عنها، وقف بنفسه مساء ٣ يوليو ليعلن عزل الرئيس وتخليص مصر من الكابوس الإخوانى، ثم عاد بعدها الى موقعه وزيرا للدفاع يدير ملفاته بأمانة وكفاءة عالية.
من يومها والمصريون ينظرون الى عبد الفتاح السيسى على أنه المخلص، القائد الذى وضع روحه على كفيه ليحمى الملايين التى راهنت عليه، كان يعرف أن معركة حادة وحاسمة قادمة، فالذين أرغموا على ترك السلطة بعد أن انتزعوها فى غفلة من الجميع، لن يصمتوا ولن يستسلموا، فطلب تفويضا من الشعب للجيش لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل.
فى هذا اليوم ٢٤ يوليو ٢٠١٣ وضع عبد الفتاح السيسى العقد الاجتماعى بينه وبين الشعب المصرى، وهو عقد يقوم على أنه لن يعمل وحده، لن يتصرف من تلقاء نفسه، بل يريد أن يتحرك وهو مدعوم ليس بدعوات الشعب وتمنياتهم المخلصة له بالتوفيق والسداد، ولكن بدعم مباشر وواضح وملموس.
تردد كثيراً فى ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، كان على قناعة تامة بأنه أدى كل ما عليه، حصد مجدا دخل به الى سجل الخالدين، وهذا كاف جدا لأى قائد عسكرى، مد يده فى لحظة تاريخية فارقة ليسند شعبه فى مواجهة من يرغبون افتراسه، لكنه فى النهاية استجاب لمن اعتبروه الرئيس الضرورة، فالمعركة القادمة تحتاج الى حسم فى القرار وقوة فى المواجهة وإخلاص فى العمل، وهو يمتلك ذلك كله.
كثيرة هى اللحظات الصعبة التى مرت على عبد الفتاح السيسى فى حياته، لكننى أعتقد أن اللحظة التى قرر فيها أن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية كانت هى اللحظة الأصعب فى حياته، أعلن ذلك وهو يرتدى بدلته العسكرية، فى إشارة لا تخفى على أحد أنه يغادر المكان الأعز على نفسه، ولأنه كان يعرف ثقل المسئولية التى هو مقدم عليها.
فى جلساته التى عقدها مع مختلف فئات المجتمع أثناء حملته الانتخابية، لم يعد أحدا بأنهار اللبن والعسل التى تفيض من الجنة، بل كان صريحا وواضحا وحاسما.
فى لقاءه مع رجال الأعمال، تحدث عن ضرورة وقوفهم الى جوار مصر، فقد منحهم الوطن الكثير، وآن أوان رد الجميل،، رد عليه أحدهم: ربنا يوفقك يا فندم فى المهمة الثقيلة التى ستقوم بها، فعاجله برد يعكس منهجه وطريق تفكيره، قال له: ربنا يوفقنا كلنا، لأننا هنشتغل مع بعض.
لم يكن السيسى يردد كلاما فى الهواء، كان يقصد الكلمة تماما، ولا يزال متمسكا بها، فهو لن يعمل وحده، ليس لأنه لا يستطيع ذلك فقط، ولكن لأن إصلاح البيت الذى تهدم يحتاج الى سواعد الجميع.
دخل عبد الفتاح السيسى إلى قصر الاتحادية وهو يملك أكبر رصيد من الشعبية فى تاريخ مصر، من الصعب أن تقارن به رئيساً آخر حتى جمال عبد الناصر نفسه، لم يحصد شعبيته الا بعد أعوام من العمل والقرارات الكبيرة، لكن السيسى جاء على جناح الحب الجارف والتأييد الكاسح، والأمل فى قائد أنقذ شعبه من الخوف، ومن السهل عليه أن ينقذه من السقوط الذى خطط له الجميع داخليا وخارجيا.
كان يمكن وبلعبة بسيطة ان يحتفظ السيسى بهذه الشعبية الكاسحة، كان يمكنه أن يحول الأموال التى حصل عليها دعما وتأييدا الى أموال سائلة فى جيوب المصريين، كان يمكنه أن يتنازل قليلا ويرضى بدور التابع لدول أرادت أن تنتزع من مصر دورها، فيحصل على كل ما يريد، كان يمكنه ان ينافق الشعب ويغنى له وعليه، وساعتها كان سيخرج من فترة حكمه وهو اله معبود، يردد المصريون اسمه ويهتفون له ولا مانع عندهم أن يخرجوا ليطالبوا به رئيساً مدى الحياة.
لكن شيئا من هذا ليس من أخلاق السيسى الرجل المستقيم الذى لا يراوغ ولا يخدع شعبه.
كان من السهل عليه أن يستثمر لصالح نفسه فى الحاضر، لكنه أراد أن يستثمر لشعبه فى المستقبل، ولذلك لم يتردد فى اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة وصارمة وصادمة، ضاربا عرض الحائط بما يمكن أن يقوله الناس عنه، لأنه يريد الإصلاح، ولا إصلاح دون ثمن.
كنت أتحدث مع أحد وزراء الحكومة عن برامج الإصلاح التى تنفذها على الارض، طرحت أمامه رؤيتى بأن أى إصلاح لابد أن يكون له ضحايا، فأشار لى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى لا يفضل كلمة ضحايا، لأنه لا يريد ان يكون هناك ضحايا، ولكنه ينحاز الى ضرورة أن يكون هناك ثمن ندفعه جميعا من أجل الاصلاح، ولا تتحمله فئة دون فئة، ولابد أن يقتنع الناس بذلك حتى نعبر هذه الفترة الصعبة.
إننا أمام رئيس لا يعبد نفسه، بقدر ما يقدر شعبه، رئيس لا يعمل من أجل نفسه بقدر ما يهتم بأحوال ناسه، وأحوال الناس ليست الحاضر الذى يعيشونه الآن فقط، ولكنها فى المستقبل الذى سيعيشون فيه سنوات من عمرهم وسيتركونه لأبناءهم من بعدهم ، فكيف بالله عليكم يمكن أن نحترم أنفسنا إذا عملنا من أجل أنفسنا فقط، وتركنا الأجيال القادمة تواجه مصيرا مرعبا؟
كنا فى اجتماع مع الرئيس فى أعقاب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وهى الاتفاقية التى عرفت اعلاميا باتفاقية تيران وصنافير، شرح الرئيس موقفه، تحدث بالمعلومات التى لديه، أكد على أنه مقتنع بأن الجزيرتين من حق السعودية، وهو لا يريد أن يجور على حق أحد، فهذا ليس من طبعه ولن يفعله أبدا، لكن كل هذا لم يكن مهما بالنسبة لى، خاصة أن الاتفاقية كانت قد أخذت طريقها فى مسارات الهيئات الدستورية والقانونية، ولكن المهم هو ما قاله ويعكس قناعته، من أنه تلقى آراء من المحيطين به بألا يوقع على الاتفاقية، خوفا وتحسبا من رد الفعل الشعبى، لكنه قال لمن نصحوه بذلك: سوف أتحمل الضربة فى صدرى وحدى.
ما الذى نفهمه من ذلك؟
ببساطة شديدة نحن أمام رئيس يتحمل نتائج قراراته جيدا، يفعل ما هو حق وصواب بصرف النظر عن رد الفعل عليه، إنه لم يأتِ الى كرسى الرئاسة من أجل حصد الإعجاب، ولكن جاء ليمارس دوره فى الإنقاذ، وقد رأى أن الإنقاذ لا يأتى الا بقرارات صعبة على الجميع فلم يتردد فى اتخاذها والدفاع عنها.
كان يمكن لعبد الفتاح السيسى أن يحتمى خلف جدار الحكومة، كان يمكنه أن يدفع بها لإصدار كل القرارات والدفاع عنها، وعندما يجد أن الشعب غاضب من الحكومة ينزع عنها الغطاء ويستبدلها بأخرى، ساعتها كنا سنصفق له، ونقول أنه ينحاز الى المواطن البسيط فى مواجهة الحكومة التى تريد أن تمص دمه وتأكل لحمه وتمصمص عظامه، لكنه يساند الحكومة لأنه يعرف جيدا أنه لا طريق آخر الا بالجراحة الكاملة، وهى الجراحة التى لابد أن نخضع لها الآن وليس غدا.
هذا رئيس لا يحب أن ينافقه أحد، لا يهتم بأن يدبج له الشعراء قصائد المديح، أو يغنى المطربون باسمه، أو يكتب الصحفيون آلاف المقالات للإشادة به، رغم أن أى رئيس يفرح بذلك ويسعى اليه ويحرص عليه، وأعتقد كذلك أنه يضيق بمن يقدمون على ذلك، فإذا أردت أن ترضيه فليس عليك الا أن تعمل، فالعمل كل ما يريده، والعمل كل ما يقدمه، كان هذا هو شعاره فى حملته الانتخابية، وهو الشعار الذى لم يتخل عنه أبدا.
السيسى بالنسبة لى ليس رئيساً جاء الى الحكم فى لحظة صعبة وفارقة، ولكنه منهج تفكير وأسلوب عمل، ولو كنا نريد انصافه لأنصتنا الى ما يريده منا، إنه لا يريد أن ينفرد بالعمل وحده، حتى نقول أنه أنجز، ولكنه يطلب مشاركتنا جميعا ليقول أن الشعب المصرى هو الذى أنجز.
لقد قدم السيسى كل ما لديه، بما فى ذلك القرارات الصعبة التى آصدرها من أجل الاصلاح الاقتصادى، وهى القرارات التى لم يجرؤ على الأقدام عليها من سبقوه، وأعتقد أن من سيخلفه لن يجرؤ عليها، فعل ذلك وهو يعرف أن الشعب سيغضب ويستاء ويتألم ويسب ويلعن، لكنه يعرف أن العلاج المر يهرب منه المريض رغم أنه ضرورى من أجل الشفاء، ولذلك فلا بديل عنه.
الآن جاء دورنا، دور الشعب الذى لابد أن يقتنع أنه يمر بأزمة طاحنة، ولابد أن يعمل هو أيضاً من أجل الخروج منها، لا يوجد طريق آخر أمامنا، فإما أن نضع أيدينا فى يده ونبارك ما يفعله ونحن على قناعة بأننا بذلك نبنى المستقبل، وإلا فلا مستقبل من الأساس، وهو ما يريده لنا خصومنا المتربصون بنا من كل اتجاه.
يمكننا أن نكتفى بالشكوى وتصدير الغضب وصب اللعنات على رأس الحكومة وتوجيه العتاب الى الرئيس، لكن هذا لن يحل الأزمة التى تعتصرنا، لا مخرج أمامنا الا التحمل والعمل بل والمزيد من العمل، وإذا كان أمامكم طريقا آخر دلونى عليه، حتى أكون أول السالكين معكم.
ستتحدثون فى التفاصيل، وتطيلون فى الكلام عن الأسعار التى ارتفعت والدعم الذى فقدناه وقرار تحرير سعر الصرف والمرتبات التى لا تزال ثابتة رغم أنها تحسنت كثيرا، لن أطلب منكم أن تقارنوا ما يحدث عندنا بما حدث ويحدث فى دول مجاورة لم تمر بالظروف الصعبة التى مررنا بها، ولكن انظروا لأنفسكم، ضعوا أيديكم على أطراف الأزمة، وابدأوا فى العلاج، لأنه لن يحل مشاكلكم الا أنتم.
لقد رزقنا الله برئيس لا يهتم بنفسه ولا بشعبيته، ولكنه يعمل جاهدا للخروج بنا من أزمتنا، هذا كل ما يشغله فلا أقل من أن نلتف حوله، هدا إذا كنا نريد مستقبلا لنا ولأبناءنا من بعدنا، وإلا فلا تلوموا الا أنفسكم.