في الأسبوع الأول من مارس 2012 فاجأتني حماتي باتصال غريب من نوعه قائلة “ينفع كده يا عامر أنتوا هتسكتوا على اللي حصل!” سألتها “خير يا حجة؟”
فقالت “ينفع يهربوا الأمريكان المتهمين من مصر كده أنا زعلانة قوي ومش طايقة اللي حصل ده”.
حماتي أجبرت ابنها وحيد صديقي وأخو زوجتي على عدم النزول إلى ميدان التحرير بعد أن كان يرافقني خلال الأسبوع الأول من ثورة يناير العظيمة وهي تؤثر السلامة ومن أصحاب شعار “أمشي جنب الحيط”، ومع وجود إعلام معارض يكشف ما يجري وتنوع الأصوات وجدت حماتي من أطلعها على المصيبة التي وقعت لدرجة استفزتها وجعلتها تحثني شخصياً على التحرك للاعتراض على الإهانة التي شعرت بها كمصرية تعتز بوطنها وترفض الإهانة والانبطاح للخارج.
الإعلام وقتها كان يقوم بدور رائع وكشف للشعب ما قام به المجلس العسكري الحاكم في 2012 بإعطاء أوامره بخروج الأميركيين المتهمين في قضية التمويل المشبوه والجمعيات الأهلية الأجنبية العاملة في مصر دون ترخيص كما أشيع في ذلك الوقت، حماتي وقتها صدقت كملايين المصريين الشعارات الرنانة التي رددها وقتها رئيس الوزراء كمال الجنزوري الذي كان يتشدق بعبارة “مصر لن تركع لأحد” مع رفيقته الدكتورة فايزة أبو النجا التي لم تنطق بكلمة واحدة وقتها رغم ما يشيعونه عنها بأنها بعبع الأمريكان ومرعبة الأوروبيين ورافعة راية استقلال القرار الوطني لكن الواقع كان مغايراً تماماً.
الإعلام كشف السيناريو وهو أن القاضي عبد المعز إبراهيم كان الأداة المنفذة لخروج الأميركيين في حراسة قوات خاصة إلى مطار القاهرة لتنتهي القضية التي استخدمت وقتها لتشويه الثورة وعدد من الثوار لكن الحقيقة جاءت فاضحة كاشفة لمن تستر بها وهرب المتهمين في القضية.
اليوم تتكرر القضية لكن حماتي وغيرها من البسطاء لن يعلموا عنها شيئاً فلا يوجد لدينا سوى إعلام يسبح بحمد كل قرارات السلطة بل إنه يشوه أي صوت خافض معارض على استحياء، حماتي لن تجد برنامجاً واحداً يقول لها إن الصحافي الأسترالي بيتر جريست تم الإفراج عنه وترحيله من مصر في القضية المعروفة بخلية الماريوت التي عندما تسمع فيها بنود الاتهامات تشعر أن بيتر وزملاءه أخطر على مصر من إسرائيل وكان قد حكم عليه فيها بالسجن 7 سنوات وقبل فيها الطعن وما زالت القضية مفتوحة لكن الرئيس السيسي أصدر قانوناً يسمح له بترحيل المتهمين الأجانب من مصر لتكون عملية التهريب وإهدار السيادة الوطنية طبقاً للقانون، وبالفعل رحل بيتر جريست إلى وطنه وهو سعيد بجنسيته الأسترالية التي وهبته الحرية بينما كانت الجنسية المصرية مشكلة لزميله محمد فهمي الذي يحمل الجنسية الكندية أيضاً وربما يكون لسان حال فهمي يقول الآن “ليتني تنازلت عن الجنسية المصرية لأخرج من السجن مثل بيتر!”.
أعود لحماتي التي غالباً ما تنسى أنني إعلامي هي وحمايا فأنا عامر زوج ابنتهم وللأسف ليس لي نفس التأثير الإعلامي عليهم الذي يتوفر لمذيعي البرامج التي يتابعونها.
الإعلام رسالته الأولى التنوير والتثقيف ووضع كل مسؤول أمام مسؤولياته تجاه الشعب لكن في مصر الآن تحولت الرسالة الإعلامية للتطبيل وتغييب الوعي.
اللهم خلص مصر من إعلام التطبيل والتجهيل.
إقرأ ايضا
عامر الوكيل: لننقذ الإعلام والوطن
عامر الوكيل: رسالة إلى رؤساء التحرير