في السياق البريء، لا فرق بين أن يمضغ الرئيس الأميركي باراك أوباما العلكة، يسحبها من فمه ويعيدها مجدداً خلال حضوره استعراضاً عسكرياً برفقة نارندرا مودي رئيس الوزراء الهندي في نيودلهي منذ يومين، أو أن يلتقط صور سيلفي مع رئيسة وزراء الدنمارك أثناء حضوره تأبين نيلسون مانديلا… أو أن يصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بأنه تلميذ مملّ في آخر الصفّ»، أو أن يضع عن قصد وباء إيبولا، وإرهاب «داعش»، وروسيا، في مقطع خطابيّ واحد.
لكن في السياق المتعمّد، لا يتردّد الإعلام الأميركي في الترويج لتفاصيل على حساب قضايا كبرى، والتستّر عليها. حتى اللحظة لم تحصل «روسيا اليوم RT» على أيّ توضيح يذكر بشأن تصريحات رئيس مجلس إدارة البثّ الأميركي أندريو لاك، قارن فيها نفوذ الشبكة الإعلاميّة، بنشاط «داعش».
بالرغم من ضبابيّة المقصود من ذلك التصريح، إلّا أنّ ما قاله لاك، ليس مجرد هفوة، بل ينمّ عن شعور ضمني بتراجع السطوة الإعلامية الأميركية. إذ لم يعد خافياً أنّ وسائل إعلام روسيّة تحظى بشعبيّة واسعة، وتشكّل وسيلة بروباغندا مضادة للدعاية الأميركيّة.
في هذا الإطار، بثّت القناة الروسيّة الناطقة بالعربيّة قبل أيّام تقريراً إخبارياً بعنوان «آر تي» وتحدّي البث الأميركي في الاستقطاب». يبدأ التقرير بعرض تصريح لأوباما يتعمّد فيه إدراج وباء إيبولا و «داعش» وروسيا في السياق ذاته.
ثمّ ينتقل التقرير للحديث عن تهجّم وزير الخارجية الأميركية جون كيري على الأداء الإعلامي لـ «آر تي»، إذ يتهمها بالتبعيّة وتشويه الحقائق، قائلاً: «أبواق الدعاية الإعلاميّة الممثلة بقناة «آر تي» المدعومة من قبل الحكومة قد عمدت إلى تكريس تخيلات بوتين إزاء ما يحدث على الأرض».
يتخلّل التقرير ذاته ردّاً من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الاتهامات، وهو يقول: «يمكنني فهم جون كيري لأنّ قناة «آر تي» تمثّل اليوم منافساً جدياً لـ «سي أن أن» و «بي بي سي»، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية التي كانت مقتنعة أن لديها احتكاراً كاملاً وأن لا تهديد لها».
لا يحمل التقرير في ثلاث دقائق صيغة دفاعية أو هجومية، ينقل تصريحات رئيسة تحرير شبكة «روسيا اليوم» مارغاريتا سيمانيس التي تعبّر عن استيائها الشديد من تشبيه أندريو لاك للشبكة بتنظيم إرهابي، ما عدّته «فضيحة دوليّة»، مطالبةً الجانب الأميركي بتقديم توضيحات حول القضيّة.
الـ «سوشل ميديا» وإمكانية الحصول على صور ومقاطع فيديو عبر الهواتف المحمولة أحدثت الفرق، أصبح بإمكان الجميع أن يرى حقيقة الحروب ومن يقف وراءها. ذلك ما لا تريد البروباغندا الأميركيّة تصديقه، ما يجعلها تتخوّف من كسر الصورة التقليديّة للإعلام السائد عالمياً، وإضعاف تأثيرها وسطوتها عالمياً.
وتلك ليست هي المرة الأولى التي تهاجم فيها واشنطن قنوات «روسيا اليوم»، إلا أنّه من المؤكد أن تشبيه نفوذها بنفوذ «داعش»، لن يكون أكثر من تلك الشمّاعة الدائمة التي تريد أن تشرعن وتحلّل، سياسيّاً وإعلامياً، كل ما ترغب الولايات المتحدة القيام به في العالم، وذلك حسبما ورد في جريدة “السفير اللبناية”.
اقرأ أيضًا: