في مواجهة جنون إعلام الإسلاميين الذي اتسعت خريطته الآن لتشمل استضافة محرضين على القتل والتخريب وخائضين في الأعراضومروجين للأكاذيب يستمر إعلام آخر في استخدام تحريض مقابل لتستمر الهيستيريا وتتصاعد.
يبرر الطرف الأول ممارساته بأنه يواجه خطابا فاشيا في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي وشبه المستقل في مصر،وفي المقابل يبرر المشاركون من الطرف الثاني ابتعادهم عن دورهم المهني بأنهم يقومون بمهمة أسمى ويدافعون عن الدولة ويؤازرونها في معاركها ويتصدون لأعدائها باستخدام ذات السلاح واذا ما حاول طرف أن يطرح أسئلة تسارعت الإتهامات صريحة لاعتباره يطعن الوطن في محنته.
تظهر أصوات خافتة وسط كل هذه الهستيريا في الإعلام التقليدي لتنقل جانبا من صورة تدركها قطاعات أوسع في الواقع وعلى مواقع التواصل الإجتماعي والصحافة الجديدة لكن هذه الأصوات تواجه تشكيكا واتهامات ومحاولات لا تتوقف لاسكات صوتها.
هذه الانتقادات رغم شحوب صوتها وطرقها للأمور بحذر خشية الاتهام بالعمالة أو طعن الدولة في ظهرها لم تصل يوما إلى محاسبة مسؤول عن تقصير أو إهمال وتعاملها الدولة باعتبارها مزعجة ومكدرة لصفو انجازاتها وتعطلها عن مسيرتها.
حين ترى مقاطع فيديو لتنظيم إرهابي يقيم أكمنة في منطقة دخلها جيشنا قبل عامين ليطهرها من المسلحين بعد أعوام من الابتعاد بفضل كامب ديفيد واتهامات لنظام مرسي حينها بالتهاون مع الإرهابيين لم يتغير شيء سوى بيانات رسمية تخبرنا بأرقام وانجازات ضخمة مع تصريحات تزف لنا قرب استلام سيناء «متوضية» وخالية من الإرهاب بعد ساعات، لكننا نجد الملثمين على المفارق يطلعون على هويات العابرين ويختطفون المجندين والضباط ويقتلونهم..حين ترى كل هذا ولا تطرح أسئلة عن الجاهزية والجدوى والمحاسبة والتدريب والمعلومات فمتى تطرحها؟
من باب تحدي الملل فقط متى ستتوقف دائرة الحوادث الإرهابية وتحول شباب في بدايات أعمارهم إلى قائمة شهداء ثم فقرة الأغاني الوطنية والحديث عن أننا لن نهزم تليها أحاديث عن الجاهزية للاستشهاد في سبيل محاربة الإرهاب.. تضحية من الجالسين في الاستوديوهات بأرواح شباب ينتظر انتهاء فترة خدمته ليبدأ حياته أو توجيه انذارات إلى الإرهاب بأغنيات وكلمات ركيكة ومفتعلة،وكأن هذا الإرهاب سيتراجع إذا ما صرخنا في وجهه بنبرة غضب كالتي أتحفنا بها مجموعة من الفنانين المتقاعدين مؤخرا.
يرفض جانب من الإعلام الخاص صحافة طرح الأسئلة ومحاسبة المسؤول وكشف الإهمال والفساد والتقصير بل ويزايد على الإعلام الرسمي في تبني خطاب تعبوي ساذج يليق بستينيات تعسة دفعتنا إلى هزيمة نعاني آثارها حتى الآن، ويضع ضوابط للعمل «الوطني» باتباع نفس نهجه في التحريض وادعاء الاصطفاف والشعبوية التي جربناها طوال السنوات الماضية ولم تنجح سوى في دفعنا إلى مزيد من الدموالتراجع.. يشبه هذا الإعلام مقابله «الإسلامي» تماما في اعتبار كل الأوقات غير مناسبة للمحاسبة وتوجيه النقد لأننا في لحظات ابتلاء أو حرب أومواجهة مع العدو.
لا تمر مناسبة دون أن يتحدث رئيس الدولة عن الإعلام.. يخبرنا مرات بما ينبغي لنا أن نقوله أو نفعله ويلمح مرات ومرات إلى عهد كان فيه الإعلام لا يستطيع أن يتحدث عن أمور كثيرة.
يقول: لا ينبغي أن ننشر كل الأخبار ليس حجبا للناس ولكن خوفا عليهم!، وقبلها طلب من الإعلام ألا يساهم في التأثير على الحالة المعنوية للمواطنين، ويبدي من آن لآخر اعتراضا أو استياء من انتقادات يوجهها إعلاميون إلى أجزاء من النظام كمحافظين أو وزراء وهو ما يشبه إلى حد كبير ما قاله عبدالناصر مرة في بدايات السينات حين انتقد اهتمام الصحف بالسلبيات وقال ان بإمكانه أن يوقف ذلك بأوامر مباشرة لكنه لن يفعل، لا يخفي الرجل تأثره بالنظرة الناصرية للإعلام ويبدي غبطة للمناخ الصحفي حينها.
كما تغلق الدولة الأفق السياسي بمعاداة تيارات وقوى كانت أول المعارضين لممارسات الإخوان في السلطة وممارساتهم ويغلق الإخوان الباب أمام تيارات وشخصيات غير مؤيدة للعنف لكنها ترفض ممارسات السلطة فإن استمرار كلا الطرفين في السيربهذه السياسة الإعلامية يجعلنا أمام هيستيريا يغذي كل منها الآخر، تحريض وفاشية في مقابل طائفية وتحريض مضاد وبينهما يقف شعب ثالث ينتظر أن يجيب أحد أسئلته أو يقوم الإعلام بدوره الذي ينبغي له أن يقوم به قبل أن نغرق جميعا، وذلك حسبما ورد في جريدة “المصري اليوم”.
اقرأ أيضًا: