(1)
يعنى إيه مخرج صحفى؟
سؤال يلقيه إلىَّ النجم والفنان حسين فهمى، فى إحدى حلقات برنامجه الأسبوعى على قناة «الغد العربى»، وقد استعددت له تمامًا.
(2)
أن تعمل مخرجًا صحفيًّا فى جريدة يرأس تحريرها إبراهيم عيسى يعنى أنك تُعَامل معاملة الشريك الأصيل وصانع جوهر وروح التجربة التى تعمل بها، فهو فقط -وأنا أعنى الكلمة تمامًا- مَن أعاد إلى الإخراج الصحفى مكانته المهمة فى صناعة وتشكيل الصحف منذ إصدار جريدة «الدستور» عام 1995، بعد أن تراجع دور المخرج إلى مجرد سكرتير تحرير فنى قبل ذلك!
(3)
عيسى هو رئيس تحرير استثنائى بشكل لم يكن سهلاً علىَّ أبدًا فهمه فى البداية، فكيف لرئيس تحرير أن يُكلف بالموضوعات، يتابعها، يصيغ عناوينها، يوحى برسومها لرسامى الكاريكاتير الذين انتقاهم بنفسه، يجلس بجانب المخرج الصحفى يساعده فى اختيار الصورة الأمثل والعرض الأفضل، يقوّيه ويدعمه فى كسر التابوهات التقليدية، يشرف على تنفيذ الصفحات، وينتظر حتى طباعة الأعداد الأولى فى المطبعة، ليبدأ فى توزيع مهام وصفحات العدد القادم؟!
هو رئيس تحرير بداخله سكرتير تحرير نشط -بل نشط جدًّا- الأمر الذى يسهل وينجز إتمام العدد اليومى، لكنه كذلك يُربِك جدًّا.
لم تخطئ خبيرة الصحافة الأمريكية «أليس كليمنت»، فى زيارتها لتطوير عملية إدارة تحرير صحيفة «الدستور»، عندما وصفته وصفًا أضحكه وأذهلنا جميعًا، لقسوته وشدة دقّته، حيث قالت نصًّا: «عيسى رئيس تحرير ينتحر ببطء ويقود العاملين معه إلى الجنون!»، فمعرفته وتصوره وخبرته وإلمامه بكل تفاصيل العمل الصحفى تجعله يرغب فى متابعة كل ما يلزم لإنجاز العدد اليومى بدقّة واحترافية مذهلة.
هو رئيس تحرير استثنائى بشكل عام، وفى عملى معه بشكل خاص، فهو أول رئيس تحرير يوكل مهمة الإخراج الفنى لصحيفته اليومية إلى فتاة تبلغ من العمر 26 عامًا، كنت أخشى بل كنت أرتعب من تصوُّر حجم المسؤولية الملقاة علىَّ، كانت المتعة مجسَّدة فى أداء عملى كنائب للمدير الفنى، حيث أرسم الصفحات وأتابع تكليفات رئيسى المباشر دون المسؤولية الكاملة عن شكل الصحيفة وأداء أقسام الإنتاج، ومواجهة عيسى، إلى أن تغيَّر الوضع وأصر عيسى على أن أتولى مهمة المدير الفنى خلفًا لرئيسى.
كنت الأكثر حظًّا والأوفر سترًا، حيث يقف خلفى رئيس تحرير ساندًا، داعمًا، ملهمًا، متطلبًا ومحرضًا على الإبداع، يملّ سريعًا من الأشكال التقليدية وحتى المبتكرة، يعرف كل ما هو جديد ويدفع مَن حوله لكل ما هو أجدد.
(4)
أحد عشر عامًا مرَّت وأنا أعمل مع الأستاذ إبراهيم عيسى، حافظنا سويًّا على جريدة «الدستور» بإصدارَيها اليومى والأسبوعى، وشكَّلنا معًا جريدة «التحرير» و«التحرير ويك إند»، ثم وضعنا منهجًا آخر فى «المقال» وكافأنا أنفسنا بمجلة «فُرجة»، لكنه كان حاضرًا معى منذ اللحظة الأولى، بل وللدقة صانعًا لها حين علم حبِّى للصحافة.. أنا دارسة الهندسة وخريجتها الجديدة، فأرسلنى إلى إحدى الصحف اليومية الصادرة حديثًا لتعلم فنون وقواعد الإخراج الصحفى، حتى يأتى يوم أجلس فيه أمام أحد أهم نجوم الفن خلال تصويره فيلمًا تسجيليًّا عن تاريخ الصحافة فى مصر، ويسألنى عن طبيعة مهنة الإخراج الصحفى، لأجيبه فى ثقة ألهمنى إياها أستاذى وثبات أستوحيه من سنوات عملى معه: «الإخراج الصحفى هو فن عرض المادة الصحفية المكتوبة عرضًا يحقِّق الجاذبية والمتعة وتيسير القراءة».