_ ليس هُناك مكان أفضل من مصر
_ كيف ذلك، لقد سمعت أن هناك إضطرابات وحالة من السخط الشعبي تجاه الحكومة والأوضاع تبدو غير مستقرة علي الإطلاق ؟!
_ غير صحيح علي الإطلاق، الأوضاع مستقرة تماماً، لقد كنت هناك في زيارة خاصة بالعمل، الأوضاع ممتازة، والشمس هناك في هذا التوقت من العام رائعة، ستستمتع كثيراً، ليس هناك وقت للنقاش، لقد حجزت لك تذكرة السفر تشمل الإقامة والتنقلات، وسيكون بإنتظارك صديق مصري سيساعدك كثيراً، هيّا استعد للسفر غداً الثامنة صباحاً، سأمر عليك غداً في السادسة، سأذهب لتوصيلك إلي المطار، سأتركك الآن، طابت ليلتك يا صاح
_بعد تفكير وخيال سارح: وليلتك.
يدخل في نوبة تفكير عميق، وحيرة شديدة، يذهب أم لا، بكل تأكيد إنها مُغامرة، تذهب إلي مكان جديد لم تذهب إليه من قبل، مكان قرأت وسمعت عنه في الصحف ونشرات الأخبار، الكثير من الجدل والأخبار المثيرة عن مصر، والتناقض الدائم بين الجميع !
لكنّها فرصة جيدة، لقد حجز لي صديقي تذكرة شاملة وبرنامج حافل مليئ بالمفاجئات كما قال، حتماً سأذهب.
أعد حقيبته ووضع بداخلها كل ما يحتاج، ذهب للإستحمام، وأخلد للنوم في العاشرة مساءً.
في الصباح كان يغني وهو يحلق أمام المرآة: غنّي للشمس الساطعة، والوجوه اللامعة، والصباح الأبيض المجنون !
فتح النافذة، وجد السماء مُلبّدة بالغيوم: هاهاها ساعات قليلة وسأكون هناك عند الشمس الساطعة الجريئة، سأقابلها وأُغنّي لها وجهاً لوجه وستمنحني الدفء والبركة.
“صوت أداة تنبيه لسيارة قادمة وتتجه نحو بوابة منزله” حتماً أنه هو وصل في ميعاده، كما أنه مزعج تماماً كعادته.
يفتح النافذة: صباح الخير، إني قادم حالاً…بنبرة متألقة ومتأنقة ومرحة
_ في انتظارك يا صاح.
يحمل حقيبته سريعاً ببدلة رشيقة تشبه للبزة العسكرية، ثم يغلق باب المنزل ويغادر مع صديقه إلي المطار، يصل إلي المطار في الموعد، يقوم صديقه بتوديعه توديعاً حاراً ثم يُغادر مبتسماً.
يستقل الطائرة بهدوء، تصل الطائرة من فرنسا إلي القاهرة دون شئ مُلفت يُذكر، وجبة افطار وكوب من القهوة الساخنة وفيلم cairo time، ومجموعة من التراكات الموسيقية اللطيفة، لفت انتباهه الفيلم قليلاً وربما بدا مُزعجاً بعض الشئ، لكنّه لم يبال أبداً واستمر في تفاؤله.
وصل القاهرة وما إن وطأت أقدامه أرض المطار: لقد صدق بالفعل الشمس ساطعة ومُبهجة للغاية
ذهب لموظف الجوازات وبعد التأكد من سلامة الأوراق: من فضلك أريد الإتصال بهذا الرقم، لقد قال لي صديقي إن هذا رقم المترجم الذي سيصحبني في رحلتي بالقاهرة ؟
_ عفواً سيدي، هذا الرقم غير صحيح لا يوجد في مصر تلك الأرقام إطلاقاً، يبدو أنه اختلط عليه الأمر، مع الأسف لا أستطيع أن أفعل لك شيئاً حيال هذا الأمر !
_علي الرحب والسعة أشكرك…..
يخرج تائهاً مُحبطاً حزيناً، يُردد جُملة “يبدو أنه اختلط عليه الأمر” ، كيف اختلط عليه الأمر ؟
يُخرج هاتفه، يفتح الملاحظات، يقرأ الأماكن التي أوصاه بزيارتها في القاهرة “ميدان المطرية-المترو محطة الشهداء – كوبري أكتوبر – صلاح سالم الثانية ظُهراً – الطريق الدائري”
: فكرة جيدة سأستقل سيّارة وأخذ جولة في تلك الأماكن قبل البحث عن فُندُق في المساء.
يشير إلي تاكسي فيقترب منه، ينزل السائق ليأخذ الحقيبة، يضعها في الخلف، وينطلق إلي ميدان المطرية كما قرأ علي هاتف السائح: ودا رايح يعمل إيه المجنون دا هناك، أنا مالي …ينطلق نحو الطريق للميدان بأحد المهرجانات التي تثر جنون الضيف، لكنّه يظل صامتاً مُحبذاً ذلك علي أن يتحدث للسائق الذي يبدو علي وجهه سجل إجرامي كبير !
يصل بعد ساعتين أو أكثر إلي الميدان، مسجد كبير ومجموعة من التكاتك والميكروباصات والكل يسير في كل الإتجاهات في نفس الوقت !
علي يساره محل عليه يافطة بالبونت العريض “call me” يتذكر أنه يريد شحن الهاتف برصيد حتي يستطيع مراسلة صديقه اللعين، يذهب إلي المحل، يشير إلي هاتفه ثم يقول: recharge please ؟
_ from my eyes
_what ?
_هات بس بلا وات بلا ما وتش
“يمد يديه يسحب الموبايل، يقوم بوضع شريحة ويشحن له تلك الشريحة ، ثم يعيده للسائح
_200 دولار يا خواجة
_ يدفع له 20 دولار فقط ثم يُغادر
_وماله حلويين نعمة برضه
يخرج ويظل متعجباً، الكل في حالة حملقة شديدة إليه، “لو أني قطعة آثار مصرية ما نظروا إليّ هكذا” !
يسير علي قدميه قليلاً، أتربة متصاعدة من كل اتجاه، وسوق كبير، رائحة بشعة منبعثة من اتجاه السوق، ينظر إلي السوق يجد امرأة كبيرة تجلس لتنظيف أمعاء خروف وتضعها في شنطة وتعطيها لشاب يعطيها مبلغاً من المال ويبتسم ابتسامة المحارب الظافر في حرب شعواء !
يُكمل السير علي قدميه قليلاُ، ثم يشعر بالدوار يقف ليستقل تاكسي،ثم يقول للسائق Metro please ؟
_اركب come
_لاحول الله أنت مين بن ال…..اللي جبك النواحي دي، ربنا يتولاك بقا
_يصل إلي المترو يركب الخط الأول، الكل أيضاً في حالة مراقبة دائمة له، تنظر فتاة ترتدي زيّاً مدرسياً: والنبي عسل، أنت جاي منين يخرب بيتك.
_يبتسم في صمت
ينظر حوله يجد شاباً يحمل قاموساً باللغة الإنجليزية، يأخذ نفساً عميقاً كأنه وجد ضالته، يقترب منه: هل يمكنك مساعدتي أريد الذهاب لمحطة الشهداء
_بالتأكيد، بكل سرورنحن نقترب منها، لكن ما الذي جاء بك إلي هُنا في مناطق الزحام بالقاهرة
_صديقي اللعين، كُنّا نتحدث عن عيد الهالويين فقال لي: ليس هناك مكان أفضل من مصر !
يضحك الشاب بشدة: بالفعل، معه كل الحق، لكنّه يمزح الأمر ليس هكذا.
_اللعين، إنه أعطاني قائمة بأكثر الأماكن احتفالاً بالهالويين في القاهرة، “يفتح له شاشة الموبايل ويعطيه يقرأ القائمة”
يضحك الشاب أكثر وبصوت مرتفع يثير فضول الرُكّاب…
_لقد ذكرتني بدرس في كتاب اللغة الإنجليزية في مرحلة التعليم الأساسي، كان يحثنا علي إرسال دعوة للصديق الفرنسي لكي يزور مصر ويقضي عطلته الشتوية هنا، لكن كانت دعوة لزيارة الأماكن السياحية الجميلة وليس مناطق الزحام المرعبة تلك ، لكن علي العموم يكفي ذلك من الرحلة، لاتُكمل باقي المناطق، انه يدفعك نحو الجنون، انه يعطيك القائمة للمناطق الأسوأ والأكثر زحاماً في القاهرة، بل ومصر كلها، اقترح عليك أن تنهي رحلتك وتعود لبلادك فوراً، الأوضاع الآن ليست جيدة من الأساس للتواجد بالقاهرة، هناك حالة احتقان وأزمات كثيرة بالشأن السياسي ……….والآن هيّا بنا، إنها محطة الشُهداء.
في أثناء النزول والزحام ترتفع أقدامه بقوة الدفع الإجباري، يشعر بشعور غريب لكنّه لذيذ، يضحك لأول مرة منذ ساعات طويلة وعصيبة، يدخل الإثنان في نوبة ضحك مستمرة حتي بعد النزول…
“أخيرا الشبكة تعمل وعلامة ال 3G تظهر، يفتح حساب فيسبوك بسرعة يجد رسالة نصية من صديقه: happy halloween ، عيد رعب سعيد في مصر يا صاح، أرجو أن تكون قد أعجبتك المفاجأة، استمتع برحلتك يا رجُل وينهي الرسالة برمز تعبيري “قلب أحمر”
_تباً لك.
يُغلق هاتفه ويضعه في أحد جيوب البدلة التي تحولت من بدلة تشبه البزة العسكرية الأمريكية لبدلة عامل مغلوب علي أمره في إحدي محطات الوقود
في ممر الخروج المظلم يجد البائعين يحملون ألعاباً مضيئة، في لحظة وجد شيئاً يسير علي قدميه، امتلكه الرعب، دقق النظر وجدها قطة لُعبة ليست حقيقية تتحرك يميناً ويساراً في حركة كلاسيكية منتظمة، ضحك البائع وضحك الشاب، وأخيراً ضحك الأجنبي
_ يخرج الإثنان خارج المترو بسلام في النهاية، يستنشقان هواء نوفمبر الطيب
: أشكرك يا صاح، لقد بعثك الله لتنقذني من مغبة أهوال حقاً مرعبة
_ لا عليك، الآن سنلتقط صورة تذكارية “سيلفي” وستقضي اليلة في منزلنا المتواضع وسأنهي لك كافة ترتيبات العودة علي نحو جيد وليس كصديقك اللعين……..
يضحك الإثنان وينطلقا نحو تمشية طيبة علي النيل بحمص الشام الحار والهواء البارد قبل أن يصلا إلي المنزل يحتسيان الشاي ويتبادلان الأحاديث الإنسانية الدافئة ويدخل كلاً منهما في نومٍ عميق.