اختلطت بداخلي المشاعر عند قراءة الملف الخاص الذي أعده موقع إعلام دوت أورج عن الصحفي الكبير إبراهيم عيسى، شعرت بالفرحة ذاتها التي غمرتني يوم اقتنيت أول عدد من جرنال التحرير وأول عدد من جرنال المقال –الذي أرى أنه أفضل التجارب الصحفية في عصرنا– تلك الأعداد التي احتفظت بها لسنوات طمعًا في توقيع الأستاذ يوما، وامتزجت مشاعر الفرحة والفخر بمشاعر الغيرة من هؤلاء المبدعين الذين تجمعوا للكتابة في محبة إبراهيم عيسى.. وبادرت الأستاذ/ محمد عبد الرحمن بتساؤل يملؤه الحزن؛ لماذا لم يخصص جزءا لمحبي الأستاذ (إحنا أولى بالكتابة عنه).. ورد مشكورًا “جربي وابعتيلي”.. وحين شرعت في الكتابة لم أجد ما أكتبه رغم محبتي الشديدة للأستاذ!!
تذكرت أول مرة عرفت إبراهيم عيسى حين قرأت رواية مقتل الرجل الكبير وكنت طالبة في الثانوية العامة ولم يكن لدي أي اهتمام سياسي.. كنت قد استعرت الرواية من صديقة وإلى يومنا هذا لم أمتلك نسخة منها..
يومها تساءلت؛ مَن هذا الرجل وكيف أقدم على كتابة هذا الكتاب الجريء؟!! ومرت الأيام ونسيت الاسم، لكن استمر شبح كاتب الرواية يطارد عقلي.. أنهيت الثانوية العامة وسنوات الجامعة، وفي نهاية عام 2010 بدأ اهتمامي بالسياسة يزيد على استحياء، وتردد على مسامعي اسم إبراهيم عيسى للمرة الثانية وقت أزمة جريدة الدستور وتابعت أخباره باهتمام وبحثت على شبكة الإنترنت عن أعماله وكتاباته وبدأت في التعرف عليه من جديد، وبعد شهور قليلة اندلعت ثورة 25 يناير ولم يعد لدي اهتمامات إلا بأمرين لا ثالث لهما.. السياسة، وإبراهيم عيسى وشعاره “تحرير العقول”..
وظللت أتعقبه بشغف، من قناة التحرير إلى قناة Ontv ثم قناة القاهرة والناس، ثم عودة لقناة Ontv وأخيرًا وليس آخرًا، قناة القاهرة والناس وكذلك الإذاعة، ومن جرنال التحرير إلى جرنال المقال (دوختنا يا أستاذ) وكأنني أتقدم له بخالص اعتذاري عن تأخري في معرفة قيمة كبيرة مثله..
أسمعه وأشاهده وأقرأ مقالاته ورواياته.. ولم أر منه يوما نفاقا أو كذبا أو تدليسا.. دائما ما يدافع عما يعتقده صوابا.. نصحني كثيرا ببعض الكتب الرائعة وتناقشت معه كثيرا وتجادلنا واختلفنا وكثيرا ما احتد كل منا على الآخر، إلى أن يحدث ويقاطعني صوت أبي الغالي وهو يقول “اتهدي بقى خلينا نتفرج هو سامعك يعني؟”.
يعشق القراءة والتاريخ (يراودني أحيانا فكرة القيام بجريمة السطو على مكتبته) ويحب حمدين صباحي والفن وفاتن حمامة وأنغام مثلي تماما..
كثيرًا ما يذكر أثناء حديثه السياسي أسماء كتب وروايات ودائما أدونها وأبحث عنها وأشتريها، وأكاد أجزم أن أكثر الكتب المحببة لقلبي هي التي جاءت على لسانه يوما في حديث عابر (على سبيل المثال لا الحصر رواية العمى وكتاب سندباد مصري وفجر الإسلام)..
إلى أن تحققت واحدة من أمنياتي الغالية وتشرفت بمقابلة الأستاذ.. بمساعدة أستاذنا/ حمدي عبد الرحيم الذي سأظل ممتنة له طيلة حياتي..
ذهبت في الموعد المحدد بصحبة كل الكتب الموجودة بمكتبتي وعليها اسم إبراهيم عيسى وأول عدد من المقال والفريق ومجلة فرجة والعدد التاريخي الخاص بتيران وصنافير وقام مشكورًا بالتوقيع عليهم جميعا وأهداني نسخة من روايته الجديدة “رحلة الدم” وهي الهدية الأغلى على قلبي..
لم أتشرف بالعمل معه يوما أو التدرب أو الزمالة أو القرابة -مثل الكثير من أصدقائي الذين يعملون أو عملوا معه يومًا ما ودائما يتحدثون عنه أمامي كأستاذ تعلموا على يديه– فلم يجمعني به إلا ذلك اللقاء العزيز..
وبرغم ذلك، أدعي أني تلميذته.. تعلمت على صوته وقلمه والكتب التي ينصحني بها.. جعلني أشم رائحة الجوافة والليمون من فرط صدقه ومحبته حين وصف في مقال له حديقة منزل والده بقويسنا.. تعلمت منه الكثير من قواعد اللغة وسيل من مفردات الكلمات..
علمني كيف تكون القراءة نقدية وكيف يكون التحليل موضوعيا.. علمني أن أتحمس بشدة لما أعتقده صوابا ولا أتكبر في الاعتراف بالخطأ.. علمني أن الأمل واجب والإحباط القليل لبعض الوقت أمر إنساني..
علمني أن الاختلاف علامة صحية للأسوياء وكثيرًا ما أختلف معه ولكنني دائما أصدقه.. فقد تعلمت منه الفرق بين الرأي والمعلومة.. أختلف مع أرائه ولكن دائما أثق في صدق معلوماته وفي نفس الوقت أبحث عنها ليطمئن قلبي.. علمني كيف أحكم بموضوعية..
علمني شرف الخصومة.. فقد اختلف مع وعارض مبارك كثيرًا ومنذ تنحيه لم يذكره بسوء، وحينما أيد بحماس الرئيس السيسي في الانتخابات كتب مقالا عن المرشح المنافس (صديقه) والذي يُعد من أجمل ما كُتب عن الأستاذ/ حمدين صباحي..
هو صحفي يعمل في هذه المهنة بشغف المُحب.. نعم، لم أتشرف بمقابلته إلا مرة واحدة، ولكنه أستاذي..
أيوة بالعافية كده أستاذي.. كل سنة وإنت طيب يا أبو يحيي..