محمد حمدي سلطان
( 1 )
كانت صناعة الكاسيت فى أوج مجدها الأخير فى نهاية التسعينات وحتى بداية الألفية، قبل أن تنهار تمامًا بعد ذلك فى عصر الإنترنت والفضاء الإلكترونى الذى لم يترك للواقع أى براح، وقضى على أغلب أشكال صناعة الفن القديمة، فى هذا الوقت كان من المعتاد أن تقوم شركات إنتاج الكاسيت بإصدار ألبومات جماعية، أى تقوم كل شركة بإصدار ألبوم يضم أغنيات لنجم أو اثنين من المشاهير وحولهم مجموعة من الوجوه الصاعدة التى تخوض التجربة لأول مرة، لعل وعسى أن (يضرب) أحدهم و (يسمع) مع الجمهور ويحقق نجاحًا وشعبية تستفيد منهم الشركة المنتجة بعد ذلك، وإذا لم يحدث فهى لم تخسر كثيرًا لأن الألبوم بالتأكيد هيبيع على (حِس) الأسماء الكبيرة التي تتصدر (البوسترات).
فكرة بسيطة وذكية وتشبه زمنها الجميل فهى وإن كانت مغامرة فنية وإنتاجية ولكنها بأقل قدر من المخاطرة فبحسابات التجارة هناك هامش من الربح شبه مضمون سيحققه تواجد الأسماء الشهيرة صاحبة الشعبية، وأيضا الرهان على فضول شريحة معينة من الشباب تهوى استكشاف الأسماء الجديدة، وبحسابات الفن فهى كشركة إنتاج تقوم بدورها تجاه الفن وتحاول اكتشاف مواهب غنائية جديدة.
تميز نصر محروس وشركته (فري ميوزك) فى هذا الشأن وأصدر عدة أجزاء من ألبومات ( فرى ميكس ) وهى الألبومات التى عرفنا من خلالها أسماء مثل تامر حسنى وشيرين وبهاء سلطان ووليد سعد – والذى اتجه للتلحين بعد ذلك – وسوما، ودياب (مطرب الغمازات ) الشهير.
( 2 )
في عام 2001 قامت شركة إنتاج تُدعى ( ميوزك ناو ) بإصدار ألبومها الجماعى الأول ( ميوزك ناو 1 ) يتصدره حميد الشاعري وحكيم مع مجموعة من الوجوه الجديدة لم ينجح منها أحد سوى هيثم شاكر وأغنيته ( أحلف بالله ) التي حققت نجاحًا مدويًا لتكون هذه بداية انطلاق هيثم شاكر نحو النجومية.
في نفس الألبوم كانت هناك أغنية أخرى اسمها ( من يومك ) حققت نجاحًا أقل نسبيًا لكنها جذبت الانتباه نحو صوت دافىء جميل ترك تأثيرًا ما لدى كل من استمع إليه، شىء من الصدق والعفوية فى صوته والبساطة المتناهية فى أدائه للأغنية جعلنى أقع فى غرامها وأذكر أننى كنت أعيد سماعها مرة بعد الأخرى دونًا عن باقى الأغنيات.
ويبدو أن الجيل كله كان على نفس موجة الاستقبال فلم يبقَ فى ذاكرتنا جميعًا من هذا الألبوم سوى أغنيتى (أحلف بالله) و (من يومك)، وربما هذه الأسباب تحديدًا هى ما جعلت هذا المطرب الشاب يواصل طريقه فى عالم الغناء حتى اليوم ويصبح حسام حبيب الذى يعرفه الجميع الآن .
https://www.youtube.com/watch?v=dLIiaA_URsA
( 3 )
مر عام وعاد اسم حسام حبيب للظهور مرةً أخرى ولكن كملحن هذه المرة بتلحينه لأغنية ( عايشالك ) للنجمة اللبنانية إليسا واللى مكانتش نجمة أوى فى وقتها، وشكلت هذه الأغنية نقطة انطلاقها الحقيقية نحو الشهرة والنجومية.
بعدها بعامين وتحديدًا في 2004 كرر حسام حبيب نفس التجربة ولحن لإليسا أغنية (قد ما بشتاقلك) ولكنه لم ينسَ أنه مطرب بالأساس فقام فى نفس العام بإصدار ألبومه الأول (لسه) والذى حقق نجاحًا كبيرًا وقتها بين الشباب، ولا زالت أغنياته الجميلة حاضرة فى الذاكرة مثل (عيشنى يومين) و (شوق مابينتهيش) و (خلينى قدام عينيك).
أما أغنية ( لسه )هيد الالبوم، فالكليب بتاعها كان مكسر الدنيا حرفيًا فى بداية زمن مزيكا وميلودى وقنوات الأغانى التى جعلت عدد المطربين أكثر من عدد المستمعين، وهو الأمر الذى جعل الفرصة سهلة ومتاحة للجميع، أما النجاح فأصبح أصعب بالتأكيد وسط هذه (الزيطة).
وبالعودة للحديث عن أغنية (لسه) فهى تعتبر ودون أدنى مبالغة من أعظم ما قدمه جيل حسام حبيب، وتامر حسني، وحماقي فى العقد الأول من الألفية، وستبقى صاحبة حالة خاصة ومتفردة كلحن وكلمات وأداء غنائى وفيديو كليب أحببناه وأصبح اليوم يثير مشاعرنا ويذكرنا بأيام لم نكن نتخيل أنها ستمر بهذه السرعة.
https://www.youtube.com/watch?v=zbTsff2ALOU
( 4 )
في 2006 أصدر حسام حبيب ألبومه الثانى (أجمل قصة حب) ربما لم يكن بنفس قوة ومستوى ألبومه الأول، ولكنه فى المجمل كان عملاً جيدًا وخطوة معقولة لمطرب لا زال فى بداية طريقه ولم تنضج تجربته بعد بالشكل الكافي.
وفي عام 2007 غنى حسام حبيب (وانت معايا) وهى أغنية الفيلم الناجح (تيمور وشفيقة) لأحمد السقا ومنى زكى وهى خطوة رسخت من وجوده كنجم شاب وأكدت على نجاحه المتواصل بخطوات وإن كانت خجولة وبطيئة ولكنها خطوات واثقة ومتزنة وتسير إلى الأمام.
( 5 )
في 2008 كان الألبوم الثالث (جوه القلب) هو التجربة الأفضل، والأكثر نضجًا لحسام حبيب، حقق من النجاح ما يجعل من الصعب تصوُر فكرة غيابه لـ 8 سنوات بعد تجربة مثل هذه كان من المنطقى أن تكون نقطة انطلاق نحو نجومية أكبر ونقلة أهم فى مشواره الغنائي.
وهو اللغز الذى لن نجد له إجابة واضحة ربما حتى عند حسام حبيب نفسه الذي اكتفى في 8 سنوات بأغنية فيلم السفاح لهانى سلامة (شريط حياتى) في عام 2009، وأغنية وطنية غير ناضجة فى 2011 بعد ثورة يناير (أعلى صوت)، ودويتو مع أصالة لاغنية وطنية أيضا (بلدي) في 2013.
وأخيرًا أغنية فيلم المعدية في 2014 (بتوحشني) ، وهى كلها تجارب كان يحاول من خلالها إثبات أنه لا زال موجودًا فكان يتأكد غيابه بشكل أكثر وضوحًا !
( 6 )
كواحد من جمهور عمرو دياب فأنا أعلم جيدًا مدى اهتمام محبي الهضبة بكل تفصيلة تخص ألبوماته، لدرجة تصل إلى حد الهوس. يهتمون بأسماء مؤلفي الأغاني، والملحنين، والموزعين الموسيقيين، وربما حتى العازفين، ومهندسي الصوت، ولذلك فتفصيلة صغيرة مثل توجيه الهضبة شكر خاص للفنان حسام حبيب على الغلاف الداخلي لبعض ألبوماته لفتت انتباه الجميع وتم تأويلها بأكثر من معنى، وخصوصًا أن هذه الفترة كانت حالة التنافس والعداء المكتوم – والمعلَن فى بعض الأحيان – بين عمرو دياب وتامر حسني في أعلى مراحلها.
فتم تفسير الأمر بأن دياب يحارب تامر حسني بتبنيه لموهبة حسام حبيب ! ورغم أن هذا الكلام يحمل كثيرًا من المبالغة فالشىء المؤكد أن المساحة التي خسرها تامر حسني عند جمهور دياب لم يستثمر فيها أحد مثل حسام حبيب حتى وإن لم يكن يقصد ذلك، فجمهور عمرو دياب تعامل معه منذ هذه اللحظة بنوع خاص من الاهتمام كفنان مقرب من دياب وصاحب تجربة يرعاها ويثنى عليها الهضبة بنفسه.
( 7 )
عاد حسام حبيب أخيرًا بعد الغياب الطويل بالبومه الرابع (فرَق كتير) والذى صدر منذ أيام ، 8 سنوات من الغياب تغيرت فيها أشياء كثيرة فى المزيكا ونوعية الأغاني والأشكال الموسيقية.
تبدلت خريطة الغناء في مصر إلا قليلًا ، ظهرت فرق (الأندر جراوند) بقوة وسحبت البساط من تحت أقدام الأغنية التقليدية ومطربيها وهو ما يزيد من مأزق العودة المتأخرة لحسام حبيب باعتباره أحد أبناء مدرسة الغناء التقليدي، والذى غالبًا لا يناقش سوى موضوعات الحب، والهجر، والفراق، بعكس ( الأندر جراوند ) الذى يطرح كل الموضوعات ويغني عن كل شىء.
وبالمناسبة ليس من السهل على حسام حبيب أو غيره من مطربي المدرسة الكلاسيكية أن يتمردوا على القوالب الغنائية الثابتة التي يقدمونها ويذهبون للعب في منطقة (مش بتاعتهم) فالأمر يحتاج جراة غير عادية وهو أعقد بكثير مما قد يبدو للبعض لأنه يصطدم بأساسيات صناعة النجم.
عاد حسام حبيب وهو يسعى إلى النجاح وقد تغير من حوله كل شىء حتى معايير النجاح نفسها فلم تعد بحجم مبيعات الألبوم على أرض الواقع إنما بنسب المشاهدة على يوتيوب والأكثر مبيعًا على آيتونز وأشياء من هذا القبيل.
( 8 )
أن تعود بعد 8 سنوات لتحقق نجاحًا لا بأس به فهذا دليل على امتلاكك لرصيد لا يُستهان به لدى جمهورك، شيئًا ما تركته بداخلهم جعلهم لا ينسونك طوال هذه المدة وينتظرون عودتك، وضح جدًا حجم الجهد المبذول فى التوزيع الموسيقي وهو ما جعل من عنصر المزيكا أميز عناصر الألبوم .
واذا كان هذا معتادًا من أسماء مثل توما، وحسن الشافعي فإن الموزع الموسيقي النابلسى والذي وزع بمفرده نصف أغنيات الألبوم يعتبر اكتشافًا وموهبة جديدة يُحسب لحسام حبيب إعطاءها الفرصة.
الملحن إيهاب عبد الواحد كان بمثابة الجوكر أو كلمة السر في هذا الألبوم وقدم ستة ألحان جاءت فى الصميم من ملحن موهوب وأغنيات مثل (هنساه) و (روحتله) و (تعيشي معايا) و (في كلام) ألحان عبقرية تم صنعها بمزيج من المزاج والشطارة.
حسام حبيب الملحن تفوق على نفسه أيضا خصوصًا في أغنيتي (فرق كتير) و (شايف نفسى فيك).
( 9 )
على مستوى الكلمات فربما ستجد صعوبة فى إيجاد جملة من أغاني الألبوم تعلق برأسك وهذا ليس عيبًا أو أمرًا سيئًا، فهى طبيعة أغنيات حسام حبيب، مجرد كلمات بسيطة تعبر عن الحالة والمعنى المقصود لا أكثر ولا أقل، لن تجد حسام حبيب حتى في الأغنيات الحزينة يكيل الشتائم أو يلقى بالاتهامات على حبيبته.
لن تجد عبارات قاسية أو أي نوع من المبالغة فهو ينتمي إلى نفس مدرسة عامر منيب – رحمه الله – مدرسة البساطة المتناهية والأغنية الرومانسية السهلة دون تعقيد والخفيفة على الروح، وقد يظن البعض أن صناعة هذه النوعية من الأغنيات أمرًا سهلًا وهو بالفعل كذلك ولكنه السهل الممتنع، الذى تكمن صعوبته في أن أي حد ممكن يعمله فعشان تتميز فيه لازم تبقى شاطر أوى وهو أمر لم أرَ أحدًا يتقنه بعد عامر منيب مثل حسام حبيب الذى يقدم ذلك بطريقته دون أن يقلد أحدًا ، فهو مطرب ذو مذاق خاص وشخصية واضحة لا تُخطئها الأذن.
( 10 )
في السنوات الأخيرة ظهرت علينا جميعًا أعراض مرض الحنين إلى الماضي، حالة جماعية من النوستالجيا تم استغلالها واستنزافها فنيًا وتجاريًا على أكمل وجه وبرغم ذلك لازالت مستمرة ربما لأن الحاضر يسير من سيىء إلى أسوأ ولكن يبدو أنني أعانى من حالة متأخرة وصعبة فلم أعد أحن إلى سنوات التسعينات أو الطفولة فقط بل أننى اشعر بحنين جارف حتى إلى الماضي القريب وسنوات المراهقة فى بداية الالفية.
غياب حسام حبيب لثمانى سنوات ثم عودته كان حدثًا مثيرًا للمشاعر والذكريات ومناسبة لتأمل سنوات العمر التي تمضي بغرابة شديدة فحتى حسام حبيب نفسه عندما سئل عن سر غيابه الطويل أجاب (محستش إنهم 8 سنين غير لما نزلت الشريط) !