جاءت لي فتاة من العائلة حديثة التخرج من كلية الآداب قسم الآثار، وقالت لي أنها حصلت على كارنيه نقابة الصحفيين، قلت لها مبروك، ولكني لم أكن أعرف أنك تعملين بالصحافة ولم أر لك أي موضوعات في أي جريدة أو موقع؟
ضحكت وقالت لي “لسه يا عمو، أنا لسه باتعلم أهوه وأديني أخدت الكورس، وأخدت الكارنيه وربنا يسهل عايزة حضرتك تساعدني بقى اشتغل في الصحافة”.
نظرت لها بتعجب واستهجان، قلت لها من فضلك عايز أشوف الكارنيه، بالفعل أحضرت لي الكارنيه والذي كما توقعت لم يكن كارنيه نقابة الصحفيين بل لنقابة من “نقابات تحت السلم” والتي تستخرج تصريحا من وزارة القوى العاملة لتكون نقابة عمالية وليست نقابة مهنية، وهو ما انتشر بشكل كبير وسط جهل من الجمهور العام بما هو الفرق بين نقابة عمالية ونقابة مهنية، وبين أي نقابة وأخرى.
نرشح لك : حسام عبد القادر يكتب: اللاي فاي وإنترنت الأشياء
كانت هذه الحادثة دافعا لي لأكتب هذا المقال، واخترت “إعلام دوت أورج” تحديدا نظرا لاهتمام الموقع ورئيس تحريره الصديق العزيز محمد عبد الرحمن بكل ما يخص الإعلام من قضايا، وهذه القضية حاليا أظن أنها من أخطر القضايا التي تهدد الصحافة في مصر بشكل عام.
وقبل أن أستطرد في تفاصيل القضية يهمنى أن أطلع القارئ العام وكل الشباب من محبي الصحافة والذين أشعر تجاههم بمسؤولية عن ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر لكي يلتحق بنقابة الصحفيين والتي تعد عضويتها حلما لكل شاب يعمل في بلاط صاحبة الجلالة.
بداية لابد أن يكون الصحفي قد تم تعيينه في مؤسسة صحفية تابعة للمجلس الأعلى للصحافة، ولكي نوضح أكثر، هناك كثير من الصحف الورقية تحصل على ترخيص أجنبي وتصدر وتوزع في مصر، ولكنها قانونا هي صحف أجنبية لا تتبع المجلس الأعلى للصحافة، بينما المطلوب أن تكون الصحيفة التي يعمل بها الصحفي هي صحيفة مصرية تتبع المجلس الأعلى للصحافة، وهذا يظهر دائما في الترويسة الخاصة بالصحيفة.
ولابد أيضا أن يكون التعيين تعيينا دائما وليس مؤقتا، وأن تكون المؤسسة الصحفية قد قامت بضمه للتأمينات الاجتماعية وله رقم تأميني.
بعد أن يتم التعيين بهذه الشروط، يقوم الصحفي بالتقدم لنقابة الصحفيين، مقدما ما يفيد التعيين من مؤسسته، ومرفقا نماذج من أرشيفه الصحفي.
وتقوم نقابة الصحفيين بتحديد موعد كل فترة لعمل مقابلة للمتقدمين تفحص أوراقهم وتناقشهم، وبناء عليه يتم قبولهم في نقابة الصحفيين كصحفي تحت التمرين ويطلق عليه جدول “ت”، ثم بعد مرور عام لخريجي كليات وأقسام الإعلام، وعامين لخريجي باقي الكليات يتم تحويلهم لجدول المشتغلين مع التأكد من استمرارهم في العمل الصحفي.
وبالتالي، فمشكلة الصحفي الشاب دائما ليست مع نقابة الصحفيين إطلاقا، مشكلته دائما مع مؤسسته التي يعمل بها والتي ترفض تعيينه أو تسوف في ذلك، بينما يصب الشباب جم غضبهم دائما على نقابة الصحفيين وهي لا ذنب لها في ذلك.
ويهمني أيضا في هذا المجال أن أوضح ما هو الفرق بين النقابات العمالية والنقابات المهنية، فالنقابات العمالية أنشئت من أجل الحفاظ على حقوق العمال في كل شركة أو مصنع، وأصبح من حق كل مجموعة من العمال في مصنع أو شركة عمل كيان يضمهم جميعا ويتحدث باسمهم ليدافع عن حقوقهم أمام صاحب الشركة سواء كانت الشركة تابعة للقطاع الخاص أو القطاع العام، وينشئون نقابة لهم تحصل على ترخيصها من وزارة القوى العاملة، ويضم اتحاد العمال جميع النقابات العمالية للشركات.
وهنا استغل البعض سهولة الحصول على ترخيص نقابة من القوى العاملة وقاموا بإنشاء نقابات عمالية بأسماء إعلامية، في ظل جهل الكثيرين بالفرق بين أنواع النقابات المختلفة، وفي ظل غيبة من يمثل الصحافة في مصر.
أما النقابات المهنية، مثل نقابة المهندسين، ونقابة الأطباء، ونقابة المحامين وطبعا نقابة الصحفيين وغيرهم، فهي نقابات مهنية تقوم على تطوير المهنة وخدمة العاملين في مهنة محددة أيا كان عملهم حرا أو داخل شركة، ومعظم هذه النقابات يحصل أعضاؤها على عضويتها بمجرد تخرجه فى الجامعة مثل المهندسين والأطباء والمحامين ولديهم إجراءات داخلية خاصة بممارسة المهنة، إلا نقابة الصحفيين فلا يلتحق بها الشاب بمجرد تخرجه فى الجامعة، نظرا لأن العمل في مجال الصحافة مفتوح لكل خريجي الجامعة من كافة التخصصات، لأن طبيعة المهنة تختلف عن المهن الأخرى، ولأنها تعتمد على الموهبة والاستعداد مثلما تعتمد على الدراسة، وسنجد أن كثيرين من خريجي أقسام وكليات الإعلام لا يعملون في الإعلام، بينما نجد خريجى كليات مختلفة أصبحوا نجوما في مجال الصحافة والإعلام.
واستغل البعض جهل الشباب والمجتمع بشكل عام، وتهافت البعض للحصول على عضوية نقابة الصحفيين، في بيع الوهم للشباب من خلال نقابات وهمية وكارنيهات لا قيمة لها، بل يتم الإعلان عن دورات تدريبية مجانا في الصحافة، وخريج هذه الدورات يحصل على كارنيه نقابة الصحفيين، فيتهافت الشباب على هذه الدورات، وفعلا يجدونها مجانا، ويأتي محاضر لا قيمة له يقدم كلاما منقولا من الإنترنت، وبعد انتهاء الدورة في عدة أيام، من يريد الحصول على الشهادة فليدفع مبلغا، ومن يريد الحصول على كارنيه النقابة فليدفع مبلغا، وطبعا الجميع يدفع وهو سعيد ومسرور ولا يعرف الخدعة التي تعرض لها.
ويتعجب البعض عندما أذكر لهم أنه لا يوجد نقابة للإعلاميين حتى الآن، وأنها مشروع قيد التنفيذ وفي انتظار موافقة مجلس النواب، ويرد البعض بأن نقابة الإعلاميين موجودة، فأضحك وأقول لهم لا هذا غير صحيح، فهي نقابة من النقابات إياها والتي اتخذت من القوى العاملة طريقا مثلها مثل غيرها للضحك على الشباب.
لن أتحدث عن الصحف التي تصدر تحت السلم وتبيع الوهم للشباب أيضا فهي كثيرة جدا، ومع الأسف أعرف كثيرا من المثقفين تعرضوا للخديعة، وصدقوا بعض هؤلاء.
وهنا لابد أن تكون لنقابة الصحفيين دور كبير في محاربة هذه النقابات الوهمية، من خلال التواصل مع رئيس الوزراء ووزير القوى العاملة وإغلاق أي نقابة تتحدث باسم الإعلام أو الصحافة ومنع أي ترخيص جديد لمثل هذه النقابات وأظن أن هذا الأمر ليس صعبا، فنحن نحمي الشباب من الاستغلال، وفي نفس الوقت ننقي المهنة من الدخلاء.
مع الأسف الشديد يصعب عليّ كثير من الشباب وأنا أرى الوجوم على وجوههم وأنا أخبرهم بالحقيقة وكلهم إحباط ويأس، ويحاولون الدفاع عن الكارنيه الذي بين أيديهم لكنهم يعترفون في النهاية أنهم فريسة لخدعة ووهم كبير، وفي الوقت الذي يظل آلاف الشباب الآخرون ضحية للخدعة دون معرفة الحقيقة المرة.
وأما عن الصحفيين الإلكترونيين العاملين بالمواقع الإلكترونية، فلذلك حديث آخر في مقال آخر بإذن الله.