“إنه خطأ القمر. يقترب من الأرض أكثر مما يجب، ويدخل الجنون على الناس.”.. إنها جملة وليام شكسبير علي لسان بطله عطيل .. وأعتقد أنه كان محقاً فيها إلي حد كبير!!
لا أحب القمر المكتمل .. ربما تتعجب أو تظن أنني غريب الأطوار.. ولكنني سأظل مصراً علي رأيي .. فلا أرتاح لذلك القرص الأبيض كامل الإستدارة الذي يتوسط السماء..
لا أراه جميلاً كما يحاولون إقناعي .. أستطيع أن أميز الجبال الداكنة التي تعلو سطحه في جانبه المضيئ.. فلا أتمكن من رؤية القرص الأبيض المستدير -الذي يرمز للجمال منذ فجر التاريخ- لسبب لا أعرفه حقاً
ربما كان الأمر يتعلق بثقافة غربية قديمة إنتقلت الينا عبر الترجمة الي العربية .. فارتبط القمر المكتمل في وجداننا بالمذئوبين و مصاصي الدماء.. أو بما يدعونه ” تأثير بنسلفانيا” ..
أو هو إكتئاب تفاعلي حاد يجعلني لا أتمكن من رؤية الجمال في الأشياء.. و الواقع أنني كدت أصدق التفسير الأخير .. لولا أنني اكتشفت أنني لست وحدي الذي لا يرتاح له ..
نعم .. فالقمر المكتمل قد تمكن من إثارة مخاوف الكثيرين عبر التاريخ .. وارتبط معهم إكتمال القمر بالعديد من المشاكل و الإضطرابات النفسية و الإجتماعية !!
متي كان آخر شجار بينك و بين زوجتك لسبب تافه؟…. متي انفعلت علي قائد السيارة المجاورة لك في إشارة مرورية دون سبب؟..!متي إنتابك الشعور بالعدوانية غير المبررة مع الغير ؟
إذا كنت لاتذكر.. فأنصحك أن تبدأ في التركيز في هذه التصرفات التي قد تصيبك الدهشة و الخجل من نفسك بعد أن تفعلها.. ستجد معظمها مرتبط باكتمال القمر الي درجة كبيرة !!
لقد ارتبط القمر منذ فجر التاريخ بالجنون .. حتي إن لفظ ” luna” أو الجنون باللغة الرومانية مشتقة من “lunatic”.. وهي إسم الهة القمر في الميثولوجيا الرومانية ..!
في دراسة بريطانية من سجلات سكوتلاند يارد .. وجد العلماء أن الحوادث المرورية تزداد بنسبة إحصائية مؤثرة في الليالي التي يكون القمر مكتملاً فيها !! ..كذلك إستقبال الطوارئ في المستشفيات العامة في أسبانيا..والذي اكتشف البعض زيادة ملحوظة في حالات عضات الكلاب في تلك الليالي التي يصبح القمر فيها كامل الإستدارة!!
لقد حاول العلماء تفسير تلك الظاهرة منذ فترة بعيدة ..فالبعض منهم فسرها بكمية المياه الموجودة بجسم الانسان.. والتي تشكل اكثر من ٨٠٪ منه.. و عزا تأثير القمر علي عملية المد والجزر التي يتسبب فيها .. لقد ادعوا ان القمر يؤثر بجاذبيته مداً و جزراً علي الماء الموجود بالجسم .. مما يجعل العقل أكثر تهوراً.. و يتسبب في تلك المشاعر السلبية التي تجتاحه!
لقد أصابهم الإحباط عندما لم يتمكن أحد من إثبات تأثير “الجاذبية القمرية” علي الجسم البشري أبداً .. الأمر الذي جعل البعض الأخر يفسر تأثير القمر بأنه يعود للحياة الأولي .. حيث كان إكتمال القمر يمنع البدائيين من النوم بحرية في العراء ..لذا فالوجدان الجمعي قد إستقر فيه التوتر في اليالي المقمرة تحديداً..!
كلها تفسيرات غير منطقية لأي عقل علمي في القرن الواحد والعشرين.. إنها نظريات من النوع الذي يجعلك تبتسم في سخرية وأنت تقرأها مستلقياًعلي فراشك قبل النوم..ولكنني أعتقد أنك ستتوقف عن الإبتسام .. و تقطب حاجبيك ..ثم تعتدل جالساً في محاولة عسيرة للفهم.. حين تعلم أن الكثير من اقسام الشرطة بالمملكة المتحدة تضع عدداً اكبر من الضباط في فترات الخدمة الليلية في الليالي المقمرة تحسباً للكوارث المحتملة!!
يقولون أن القمر سيبدو اكبر حجماً الليلة في ظاهرة فلكية لن تتكرر في القرن الحالي .. لن نراه ثانية بهذا الحجم ابداً في حياتنا القصيرة.. يهتفون بنا ان نتأمله كثيراً هذا المساء.. وأن نسهر معه هذه الليلة التي لن تتكرر .. و لكنني لن أفعل .. فقط سأتوجس خيفة من تلك الكوارث التي يمكن ان تحدث في هذه الليلة .. سأنتظر أن تمر الليلة علي خير.. بعيداً عن تأثير ذلك القرص الأبيض المستدير .. الذي يتوسط السماء! .