محمد أبو تريكة "المراوغ".. من كتاب "صناع البهجة" لمحمد توفيق

صدر حديثًا كتاب بعنوان “صناع البهجة”  للكاتب الصحفي “محمد توفيق” عن دار “أجيال” للنشر. الكتاب يرصد كبار صناع البهجة للشعب المصري في عالم الصحافة والأدب والفن والرياضة.

ويضم الكتاب نحو 50 شخصية ساهمت في صناعة بهجة الشارع المصري طوال العقود الماضية، مع اختلاف شهرتهم وتأثيرهم وحجم إنجازاتهم.

إعلام دوت أورج ينشر فصل “المراوغ” عن الكابتن محمد أبو تريكة من كتاب “صناع البهجة”

هل شاهدت فقرة الساحر من قبل؟ هل تأملت ما يفعله؟
 يلعب على عنصر الإبهار.. يخطف بصرك إلى حيث يشاء.. يُظهر ما يشاء ويُخفي ما يريد، ويجعل عينيك لا تقع إلا على ما يود أن تراه، لا يلعب بكل أوراقه دفعه واحدة، ويستخدم الخداع والتمويه لينْفذ إلى قلب متابعيه، ولا يمكن أن تعرف ما يقبض عليه بين يديه، فهو يقلب كفيه فتجدها خاوية، وفجأة يخرج منها ما يجعلك تفتح فمك إعجابًا وتعجبًا وسعادةً، وتجد نفسك لا تملك سوى التصفيق له والاعتراف بقدراته.

%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%87%d8%ac%d8%a9

فالساحر لا يكتفي بسعادتك، فهو ينتظر دائمًا لحظة انبهارك، ليشعر بنجاحه في مهمته، وهذا ما يفعله «محمد أبو تريكة» عيناه ترى الهدف قبل وقوعه، ويصيب الهدف بعينيه قبل قدمه، ربما لذلك تجده يحتفل بالهدف بمجرد أن تنطلق الكرة من قدمه، وقبل أن تسكن الشباك.

هو نجل لرجل بسيط يُدعى «محمد أبو تريكة» وجدّه اسمه «محمد» وهو أيضًا «محمد» ربما اسمه كفيل بأن تعرف مدى صبر تلك العائلة، وبساطتها، ورضاها بالأمر الواقع، وعدم ميلها للتغيير.

فقد وُلد «محمد» في 7 نوفمبر 1978 في قرية «ناهيا»، إحدى قرى محافظة الجيزة، ونشأ في أسرة بسيطة مع ثلاثة أولاد وبنت واحدة، وقبل أن يُتم العاشرة كان عليه أن يكسب قوته من عمل يده، فذهب إلى مصنع طوب ليتحصل على أجره في نهاية كل يوم، لكنه لم يترك دراسته، بل أكمل رحلته مع التعليم حتى تخرج في قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة.

عندما بلغ أبو تريكة 12 عامًا، نصحه صديقه بالذهاب إلى اختبارات نادي الترسانة، وبالفعل نجح فيها، وانضم لأحد فرق الناشئين، وتألق حتى وصل إلى الفريق الأول، بل وقاد الفريق للصعود إلى الدوري الممتاز، ولفت الأنظار، وبدأت العروض تتوالى عليه، لكنّ أحدًا من الذين عرضوا عليه الانضمام لم يكن يظن أنه سيفعل ما فعل!

فحتى عام 2003 كانت النظرة إلى «محمد أبو تريكة» باعتباره لاعبًا موهوبًا، لكن الموهوبين كثُر، وحتى عندما انضم إلى النادى الأهلي كانت التوقعات أن يكون جيدًا لا مؤثرًا، فلم يحدث نزاع عليه مثلما يحدث عادةً على المشاهير من أنصاف الموهوبين، بل ذهب بهدوء ليرتدي القميص الأحمر، ويحمل الرقم الفارغ وهو «22» ومر عامه الأول دون صخب.

وذهب إلى رحلة «عمرة» بصحبة زميله في الملعب وائل رياض، وداخل المسجد النبوي سأله «وائل»: «مش ناوي تغير رقم 22؟» فنظر «محمد» إلى باب المسجد النبوي فوجد نفسه يقف أمام الباب رقم «22» فقرر أن يحتفظ بهذا الرقم إلى الأبد.

وفي عام 2004 بدأ يتألق ويؤثر، فانضمّ لأول مرة إلى منتخب مصر، وبعد عامين قضاهما بين الأهلي والمنتخب عرف طريق الشهرة والنجومية والبطولات فحصل على الدوري وبطولة الأندية الإفريقية، وبطولة إفريقيا مع المنتخب، وحافظ على توازنه النفسي فلم يغترّ بما فعل، وواصل رحلة الأهداف والبطولات فحقق في 6 سنوات ما يحتاج البعض إلى 60 عامًا ليحققه، فحصد كل البطولات مع ناديه.

وفي عام 2006 حدثت أكبر نقطة تحول في حياة «أبو تريكة»، فهدفه في الوقت القاتل في الصفاقسي التونسي وإحرازه بطولة إفريقيا من قلب تونس جعله يقف أعلى قمة جبل النجومية، وكذلك إحرازه لضربة الترجيح الأخيرة في نهائي بطولة إفريقيا مع المنتخب.

«أبو تريكة» من تلك النوعية من البشر التي إن لم تحبها لا تستطيع أن تتجاهلها، فالكرة تعرفه وتذهب إليه وتتأرجح أمامه وتلتصق بقدميه وتستريح على صدره.

يمتلك «أبو تريكة» قدرات كبيرة لكن قدرته الكبرى هي «المراوغة»، فهو يراوغ داخل الملعب وخارجه، يراوغ اللاعبين والمعلقين والمذيعين والجماهير، يراوغ بالكرة وبالتصريحات، فلا يمكن أن تقول إنك تملك الحقيقة الكاملة عنه أو أنك تعرف ما يفعله، لكنك لا تملك سوى التسليم بموهبته في المراوغة، فهو يتفنن في تسجيل الأهداف في كل الاتجاهات حتى وإن جاء بعضها من تسلل!