من أكتر الأعمال الفنية التي أثرت في تكويني خاصة في مرحلة الطفولة وبدايات الشباب مسلسل “رحلة أبو العلا البشري” وفيلم “ولكن شيء ما يبقى”.
على المستوى الأخلاقي والفكري والاجتماعي آثرت فيه جدا شخصية أبو العلا الرجل الطيب صاحب المثل المبالغ في تدخلاته في حياة البشر وتعديل سلوكهم وزرع القيم فيها والصراحة المفرطة حد الوقاحة احيانا، الكراكتر ده خلى محمود مرسي جوايا ركن لوحده محدش أبدا حاول ياخد ولو جزء بسيط منها سوى محمود عبد العزيز.
فيما بعد لما شوفت له فيلم بعنوان ولكن شيء ما يبقى، صحيح محمود مرسي كون الجزء الفكري ومحمود عبد العزيز كون الجزء العاطفي ومكنش بينهم أي تعارض والا حتى تماس لحد ما كبرت اكتر وارتفعت لمستوى أعلى في المشاهدة ويشاء الله أن يكون في تلك الفترة مجموعة الأفلام اللي أطلق عليها السينما النظيفة وغالبا كان عناوينها آيات أو أقوال مآثورة والغريب والمفارقة العجيبة أن عدد لا بأس بها كان لمحمود عبد العزيز.
وبالرغم من كده فضل ولكن شيء ما يبقى شاغل الكثير من وجداني وعقلي، يمكن لأنه من اوائل الأعمال اللي اهتمت بذوي الاحتياجات الخاصة وطرحت شيء من معانتهم ومشاكلهم حتى لو كانت مجرد معاناة شخصية، وزي ما قال الكاتب الشاب هشام أصلان أن سر نجاح محمود عبد العزيز يتمثل في أنه فيه فترة ما وهو في عز شبابه وتألقه تخلى عن وسامته وجسد عدد من الأعمال الفنية ذات المحتوى الهام وجسد شخصيات ذات عمق بعيده تماما عن الشكل.
في شيء ما يبقى عنصر الوسامة كان مطروح ولكن على هامش القضية لأنه كان بيقدم شخصية نصاب هيدخل حياة فتاة غنية وجميلة لكن معاقه ويتجوزها عشان يستغلها، وكان عايش مع آنثى أخرى في الحرام قدمها للبطلة الجميلة جدا حلم كل شاب وقتها ( نورا) على أنها أخته.
كفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة حسيت بتعاطف شديد معاها أيوه صح ليه لأ ليه مش من حقها تحب وتعيش حياة طبيعية، ليه هو طيب أجوزها طمع مش حب، ودي طبعا كانت الفكرة المحورية للفيلم ليه دايما الشاب أو الشابة ذوي الاحتياجات بينظر لهم على أنهم غير جديرين بالعمل أو الحب وغيرة من أساسيات الحياة لكل الناس حتى لو كان كالبطلة قمر وغنية زي ما دادتها كانت دايما بتوصفها وبالتالي كان الطبيعي يطلعو اللي هيهتم بيها ويسعى لزواجه منها في الأساس نصاب سعى ليها عشان فلوسها لا أكثر، بس طبعا عشان احنا في السينما المصرية لازم ننهي الفيلم نهايات سعيدة ونخلق جو تفائلي النصاب أتغير وحبها عشان شاف قد أيه هي طيبة وآثرت فيه.
طبعا وقتها كنت تقريبا في المرحلة الإعدادية مش فاكر ده كان إعادة عرض والا عرض أول نفس الحال مع مسلسل أبو العلا اللي أغلب الظن كان إعادة عرض، كبرت وكل تفكيري أنك كل ما تبقى أخلاقك عالية زي أبو العلا وطيب زي نورا هتلاقي اللي يقدرك على كل المستويات مش شرط الحب والزواج وخلافه
لما مات محمود مرسي كانت أول صدمة ليه في الحياة مع أني كنت كبيرة كفاية عشان استوعب أن الموت حق وكبيرة كفاية عشان أفرق بينه كشخص وبين أبو العلا ككراكتر بس متفهمش ليه حسيت وقتها أن أبو العلا اسطورة وانتهت بموت محمود مرسي مع أني شوفته بعدها في أعمال كتير وشر مطلق زي عصفور النار مثلا بس برضو كنت بحبه وهو شرير.
لما كبرت أكتر وخالطت الناس اكتر واكتر اكتشفت أن أبو العلا مربنيش والا حاجة ده خلق انسانة ساذجة حياتها كلها وهم، عاشت تقلد شخصية وهمية، ومنظرة تجني ثمار الحب والحقيقة والجمال والطيبة زي نورا في فيلم ولكن شيء ما يبقى
لكن الحقيقة أنا فاتني حاجة مهمة قوووووي وأنا بتأثر بكلا العملين أبو العلا مكنش مثالي ده دمر حياة معظم اللي حواليه ولما جاله اختبار الفلوس فشل فيه بالعكس بان أن جواه عيوب أخلاقية وإنسانية فادحة لدرجة أنه يستغل أمواله في أنه يبعد قريبه عن بنت بيحبها كل ذنبها في الحياة أنها مطلقة ويجوزه قريبته المغرورة بدعوى أن هو أولى بإصلاحها.
وفاتني أن حتى النهاية السعيدة في الفيلم كانت على حساب ست أخرى عاش يستغلها ويستغل حبها لحد ما ماتت، ليه لم يتزوجها طالما ربنا تاب عليه وندم وقرر يستقيم، ليه سابها تتبهدل بطفل هو سبب وجوده في رحمها، ليه استكتر عليها تعيش شريفة، مع إننا لو تابعناها كويس بعيد عن تعاطفنا مع البطلة هنلاقيها المظلومة دائما وأبدا، استغل حبها لدرجة أنها قبلت تعيش معاه كده بدون زواج ع أمل يوم ما يجوزها، اتحملت يجوز غيرها قدام عينيها وهو بيوهمها أنه لمصلحتها، وأخيرا حتى لما أتغير قرر يتغير لوحده بعيد عنها وكأن هي اللي كانت المحرضة عالرزيلة واللي خلته نصاب، وفي الأخر ماتت لأنه تركها دون رعاية رغم علمه بحملها.
خلاصة التجربة أن العيب مش في الطرح لكن في التلقي يمكن لأني كنت أصغير من الاستيعاب وده يخلي الواحد برضو يركز قوي في نوعية ما يشاهدة أولاده، وخلاصة التجربة اكتر أن الحياة الحقيقة مش أفلام ومسلسلات الطيبة مبتجلبش السعادة ومبتغيرش حد سيء، مفيش حد هيقدر طيبتك وتضحيتك لو حس أنك عبء عليه والا هيتغير عشانك، اللي بيتغير لازم يتغير من جواه عشان رايدله كده مش عشان أنت آثرت فيه، ومعظم الناس في الواقع بتتعامل مع المعاق على أنه عالة حتى لو شايل جبال فوق راسه هتلاقي برضو ناس شيفاه زيادة، أو تتعامل معاه كمبروك القرية بيقربوا منهم عشان ياخدوا البركة والثواب، وزي ما قال الريس في لقاءه مع متحدي الإعاقة الأبطال العائدين من المونديال بميداليات لم يحصل مثلها الأصحاء بأنه هيقابل الناس ويجمعهم بالملايكة، لا يا ريس احنا مش ملايكة وفينا اللي بيرتكب ذنوب ويغلط ويتوب، احنا بشر بلاش المعاملة اللزجة دي وكأنكم بتتكلموا عن كائن محتاج طبطبة وهدهده، طفل غير مدرك وفاكرين أن التدليل هيبسطة، وهتلاقي فنانين متخيلين أن تقليدهم لحركات الإعاقة ظرف وخفة دم، زي سمير غانم اللي مصر مش عارف ليه دايما يطلع لنا من وقت لأخر بيمشي بعرج ع سبيل الخفة والتهريج، وتابعه في الاستهتار محمد سعد.
سيبك من الأفلام مفيش شيء بيبقى عشان الحب والطيبة، اللي هيبقالك أعمالك ، شخصيتك، تعليمك، تميزك، واللي باقي من محمود مرسي ومحمود عبد العزيز رحمة الله عليهم هو برضو أعمالهم بجيدهم وسيئهم.
فليرحمهم الله ويتجاوز عن سيئاتهم