نقلاً عن “المصري اليوم”
بينما كانت فعاليات المهرجان فى دار الأوبرا وفى وسط المدينة تعرض أفلاماً مصرية وعربية وعالمية، كانت مشاعر الناس والإعلاميين والمثقفين والفنانين هناك ناحية جامع الشرطة بالشيخ زايد، حيث عزاء محمود عبدالعزيز، شاهدنا مظاهرة حب ومبايعة لهذا الفنان الذى لم ولن يغيب عن مشاعرنا، كل الأطياف السياسية والفنية حضرت العزاء بينما روح محمود عبدالعزيز فى السماء تحلق وتحتضن الجميع.
الدولة الرسمية توجهت، أكثر من مسؤول قدم الواجب، النجوم مع اختلاف مشاربهم، وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، ورئيس الأركان الأسبق، سامى عنان، علاء وجمال مبارك حرصا على التواجد، ومن المؤكد أصبحا هدفا للمواقع والفضائيات، وكالعادة كان حضور عادل إمام هو الملفت، رغم أنه كان متوقعاً، فهو أبسط الأمور فى التعبير عن المشاعر.
كانت الميديا قد لعبت كثيراً فى تأجيج لهيب الصراع بين عادل ومحمود، وتناست أنه بعد الموت يموت الصراع.
شىء من هذا تكرر قبل 11 عاماً مع رحيل أحمد زكى، هناك من يستغل جلال الموت ويعتبره فرصة لتصفية الحسابات، ويومها عندما وجدت حالة الاستقطاب، كتبت مقالاً فى جريدة «القاهرة» عنوانه «نجم الإبداع ونجم الأرقام» كنت أقصد طبعاً بالإبداع أحمد زكى والأرقام عادل إمام.
الصراع شريعة الحياة وليس فقط الحياة الفنية، وكل من يقرأ تاريخ الفن يُدرك أن معارك حادة كانت بين أم كلثوم ومنيرة المهدية سلطانة الطرب، وصلت إلى حد هتك الأعراض، وفى النهاية زارت أم كلثوم منيرة فى بيتها قبل رحيل منيرة بأعوام قليلة، ولم تنس منيرة أن تشير فى الحوار التليفزيونى الوحيد الذى أجرته عام 62 إلى حبها لأم كلثوم، بينما أم كلثوم ذكرت أن منيرة شربت أولاً من كوب المياه الغازية عندما زارتها فى منزلها حتى تطمأن أنها لم تدس لها السم.
شهدت الساحة صراعاً ضارياً بين عبدالوهاب وأم كلثوم، وأصبح أكثر ضراوة بين أم كلثوم وعبدالحليم، إلى درجة أن أم كلثوم بعد عام 64 منعت عبدالحليم من مشاركتها فى أى حفل، بعد أن سخر منها على الهواء فى حضور عبدالناصر، لأنها ظلت تغنى متجاوزة التوقيت.
مثلاً كل من أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز تصارعا فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 98 بفيلمى «أرض الخوف» و«سوق المتعة» وفى النهاية انتزع محمود الجائزة عن «سوق المتعة»، وكنت حاضراً الواقعة فى الأوبرا وشاهدت أحمد زكى وهو يصفق لمحمود.
وقبلها ببضع سنوات عام 91 كان الصراع الثلاثى فى مهرجان الإسكندرية بين نور الشريف، يؤدى دور أخرس فى «الصرخة» ومحمود عبدالعزيز الأعمى «الكيت كات» وأحمد زكى مسجون أمضى المدة فى «الراعى والنساء»، وفاز فى النهاية محمود بالجائزة، وصفقا له، وليلتها غنى أحمد ونور كورس خلف محمود «الصهبجية».
كان الصراع بين عادل ومحمود أشد ضراوة، لأن محمود كان يشكل تهديداً على المستوى الرقمى، محمود يسبق فى الإيرادات كلاً من أحمد ونور، وكان يسبقه عادل، بديهى أن إمكانيات وموهبة محمود تضعه فى مرمى عادل، خاصة أن محمود يملك مواصفات الكوميديان، فهو داخل نفس المساحة التى يتفرد بها عادل، بشكل أو بآخر ستجد أن أفلاماً رشح لها عادل من نصيب أحمد زكى أو نور وليس بالضرورة محمود، والعكس صحيح، ثلاثية «بخيت وعديلة» التى كتبها لينين الرملى كان من المفترض أن يلعب بطولتها أحمد زكى وكانت له ملاحظات ثانوية ولم يقتنع بها لينين فاقتنصها عادل. أهم مسلسل قدمه محمود «رأفت الهجان» كان مرشحاً له عادل واعترض على الخط الدرامى الذى يبدأ بـ«الفلاش باك»، وعلى الفور صار محمود مطروحاً بقوة، وقتها تردد فى الدائرة القريبة لمحمود أنه كان منذ اللحظة الأولى المرشح قبل أن يتم توجيه الدفة لعادل، بعيداً عن توثيق هذه المعلومة، فإن المتداول أن عادل والكاتب صالح مرسى والمخرج يحيى العلمى بعد نجاح «دموع فى عيون وقحة» الذى تناول حياة جمعة الشوان واسمه الحقيقى أحمد الهوان، قررت المخابرات استكمال نفس الفريق فى «رأفت الهجان» أقصد رفعت الجمال، ومعروف الخلاف الحاد فى الرؤية بين عادل وصالح مرسى، ولم يرض أبداً صالح الخضوع للنجم، وأسند الدور إلى محمود ليصبح أيقونة المسلسلات الدرامية، وفاق نجاحه الجماهيرى «دموع وقحة»، ولايزال عندما تُذكر كلمة مسلسلات يصعد اسم «الهجان» كحالة استثنائية، وبعدها بسنوات قلائل يتكرر الأمر سينمائياً، يعتذر عادل عن «الكيت كات» فيسند المخرج داوود عبدالسيد الدور إلى محمود، ليصبح ليس فقط دور عمره، ولكنه الفيلم الذى صار عنواناً له ولمخرجه بل أحد أهم عناوين السينما ليحتل المركز الثامن كأفضل فيلم عربى، والحقيقة فى أكثر من حوار قرأت إشادة من عادل بأداء محمود فى الشيخ حسنى،، ويلعب بعدها عادل دور كفيف فى «أمير الظلام» ولكنه لا يترك أثراً. وتتعدد الترشيحات المتبادلة «سوق المتعة» الذى حصل به محمود على جائزة أفضل ممثل من مهرجان القاهرة، تردد قبل محمود اسما أحمد زكى وعادل إمام، وقبل أن يسند الإخراج لسمير سيف كان الفيلم فى حوزة شريف عرفة، ويبقى «حسن ومرقص» مشروع الإعلامى والمنتج عماد أديب بأن يجمع عادل ومحمود، السيناريو ليوسف معاطى، واحتجاج من محمود ولكن عادل أصر على السيناريو، وجاء الإنقاذ صوب عمر الشريف، وتحقق حلم آخر لعادل بلقاء عمر، بل أن يسبق اسمه أيضاً فى «التترات» اسم عمر، ولكن من المؤكد حرمنا من مباراة فنية رائعة طرفاها محمود وعادل.
نعم لسنا ملائكة وليسا ملائكة، فهما يتصارعان أحياناً لأنهما يلعبان فى نفس الدائرة، وتزداد لهيب النيران لأنهما تحت الأضواء وفى مرمى الإعلام، وكان بينهما خلافات اشتعلت يوماً، وأيضاً قفشات متبادلة ضحكا عليها معا، شاهدت جانباً منها فى لقاء جمعهما مع عماد أديب فى مهرجان «كان»، لا يشكك أحد فى أن أحزان عادل على فقدان محمود عبدالعزيز لا تحتاج إلى دليل، فهى مؤكدة قبل وبعد ذهابه إلى سرادق العزاء.