محمد الباز يكتب: هل ضمت قائمة العفو الأولى عناصر من الإخوان؟

 

شرم الشيخ فى ٢٨ أكتوبر ٢٠١٥، يقف الرئيس عبد الفتاح السيسى يلقى البيان الختامى للمؤتمر الوطنى الأول للشباب ، يستهله بقرار تشكيل لجنة العفو عن الشباب السجناء استجابة لمناقشات دارت فى جلسات المؤتمر، يقف الموجودون فى القاعة جميعا فى وصلة من التصفيق استمرت عدة دقائق.

لم يكن التصفيق للقرار فى حد ذاته، بقدر ما كان لدلالاته.

أولها أننا كنا أمام رئيس يستجيب لمناقشات كان طرفا فيها، لا يتمسك بما يراه، أو يتمسك بموقفه، وهذه بداية جديدة على الأقل فى ملف حرج ومحرج، طرح اعلاميا وسياسيا أكثر من مرة ولم تكن هناك أية استجابة له ، بل كنا نسمع كلاما منقما عن ضرورة التوازن بين الأمن وحقوق الانسان، وكانت هناك مساحات من الغموض حول مصير من دخلوا السجون ظلما، وكان الرئيس نفسه  يعترف بوجودهم فى الزنازين، لكنه كان يتعامل مع الأمر على أنه شئ طبيعى، فى ظل الظروف التى تعيشها مصر، وهى ظروف لم تكن تخفى على أحد، الا أنها لم تكن مبررا أبدا لدى كثيرين لأن يظل مظلوم واحد ليلة واحدة فى زنزانة مظلمة.

ثانيها أن عهدا جديدا يبدأ من قاعة المؤتمرات بشرم الشيخ، عهد عنوانه الكبير المصالحة الوطنية مع من دفعوا ثمنا غاليا من حريتهم ومستقبلهم، دون أن يشاركوا فى أعمال عنف أو يحرضوا عليه، لكن ظروفهم التعسة قادتهم لأن يكونوا ضحايا لظرف ملتبس عشناه جميعا.

قبل أن نغادر المؤتمر كان هناك من يشكك فى شأن اللجنة التى قرر الرئيس تشكيلها، قالوا ما الذى يمكن أن تفعله هذه اللجنة، وقد فشلت ثلاث لجان سابقة عالجت القضية فى حل أزمة السجناء؟ ، وقالوا أن الأجهزة الأمنية ستعطل عمل اللجنة، بإلقاء حجج ومبررات فى طريقها تعجزها وتشلها تماما، وقالوا أن اللجنة نفسها ليست الا شو اعلامى، أراد الرئيس أن يكسر بها الجدار العازل بينه وبين الشباب، وقالوا…وقالوا كثيرا.

وعد الرئيس أن تنهى اللجنة عملها خلال خمسة عشر يوميا، وتقريبا كان هذا ما حدث، فصباح الجمعة ١٨ نوفمبر ٢٠١٥، خرج من باب سجن طرة ٨٢ سجينا كلهم من الشباب.

من اللحظة الأولى وحملات التشكيك تضرب اللجنة وعملها من الجذور، شككوا فى دوافع اختيار أعضاءها، وإذا استثنينا الأعضاء الثلاثة طارق الخولى ومحمد عبد العزيز وكريم السقا الذين وصل الى وجوههم بعضا من رذاذ الهجوم، الا ان الهجوم الأكبر كان من نصيب النقيضين أسامة الغزالى حرب ونشوى الحوفى.

كان من الطبيعى وجود أسامة الغزالى حرب فى اللجنة، بل كان من المنطقى أن يكون رئيسها، فهو أول من تحدث عن مسألة الإفراج عن الشباب فى مؤتمر شرم الشيخ، الأمر الذى استجاب له الرئيس مباشرة.

وضع الغزالى حرب على رأس اللجنة كان سببا فى هجوم مباشر وجارح عليه، اعتبره مؤيدو الرئيس أحد خصوم ٣٠ يونيو، وأحد خصوم السيسى شخصيا، وتعاملوا معه على أنه حليف للإخوان يسعى الى الإفراج عنهم، ووضع أسماءهم على رأس القائمة.

لكن الضربة القاسية جاءت أسامة من أقرب الناس اليه، ابن أخيه شادى الغزالى حرب أحد اكاذيب ثورة يناير، اتهم الولد عمه بأنه باع نفسه للرئيس، هكذا دون مواربة ولا حياء، وشمت كثيرون فى أسامة، فالهجوم الذى آتاه من ابن أخيه يعنى أنه بلا مبدأ، وكل همه أن يسبح فى الاتجاه الذى يربح منه.

نشوى الحوفى دخلت اللجنة بحكم عضويتها فى المجلس للقومى للمرأة، ولأن السجن ليس للرجال فقط، ولكن للنساء آيضا، كان لابد أن يكون هناك تمثيل من المجلس القومى للمرأة، ستقول أن هناك عضوات أخريات، كان من الأنسب أن يكونوا مكانها، سآقول لك: على العكس تماما نشوى كانت الأنسب، لأنها كانت صاحبة موقف واضح وحاسم وقاطع فى رفض العفو عن السجناء.

أراك تسخر مما أقوله، فكيف لمن لديها موقف رافض من العفو عن الشباب أن تكون عضوة فى لجنة مهمتها الأساسية هى العفو عنهم؟، التناقض واضح والمنطق الفاسد الذى تم اختيارها على أساسه لا عقل فيه على الاطلاق.

عن نفسى لا أرى تناقضا ولا منطقا فاسدا فيما جرى، فأسامة الغزالى حرب يمتلك موقفا يتم بمقتضاه الإفراج عن الجميع، وفى مقدمتهم من يطلق عليهم شباب يناير، أى أننا أمام تطرف واضح لديه، فكان من الطبيعى أن يكون هناك تطرف مقابل فى الناحية الأخرى، حتى تسير الأمور بشكل موضوعى، وتخيلوا لو أن اللجنة كلها متوافقة مع أسامة الغزالى حرب، أو أنها كانت متوافقة تماما مع نشوى الحوفى، كنا ببساطة سنجد أنفسنا أمام مهزلة كبرى، وبدلا من أن تطفئ اللجنة النار، كانت ستزيدها اشتعالا.

لاقت نشوى هجوما سفيها ومسفا، لكن هذا لا شأن لنا به، فهى فى النهاية تقوم بعمل عام، وطبيعي أن تواجه هذا الهجوم، لكن ما لفت انتباهى هو تسريب صور لها مرة مع أردوغان، ومرة مع أحمدى نجاد، فى إشارة واضحة الى أنها متقلبة، وترتبط بعلاقات وثيقة مع من هم فى خانة الخصوم.

نسب البعض تسريب هذه الصور الى أجهزة أمنية، تأسيسا على أن هذه الأجهزة ترفض مع ما يفعله الرئيس، ولما كان من الطبيعى ألا تعترض هذه الجهات علنا، فإنها تسعى إلى تشويه أعضاء اللجنة وإفساد عملها.

أعتقد أن الأمر ليس كذلك، ولو كان هناك تشويه لعضوة اللجنة، فهو قادم من خصومها الاخوان وهم كثيرون، هذه الصور ليست سرية بالمناسبة، كانت نشوى من بين أعضاء الوفود الشعبية التى تحركت بعد ثورة ٢٥ يناير، فى محاولة للتأكيد على أن مصر الجديدة لا تكن عداءا لأحد، وأتذكر أن رحلة الوفد الشعبى الاولى  إلى ايران كان فيها عدد كبير من الاخوان، وعليه فنحن أمام عمل سياسى صحيح أنه ساذج جدا ومراهق فى الوقت نفسه، الا أننا لا يمكن أن نحتج به الآن ونقول أن نشوى كانت إخوان، وانظروا اليها وهى تقف الى جوار أردوغان، وتأملوا  نظراتها الى أحمدى نجاد رئيس ايران السابق.

المسألة أكبر من أسامة الغزالى حرب ونشوى الحوفى بالمناسبة، الأمر مقصود به فى النهاية عبد الفتاح السيسى، الذى يقف بين نقيضين.

لن أكون فى حاجة إلى التأكيد على غضب البعض واستياءهم الشديد من الإفراج عن الشباب، يقولون أن السيسى يفرج عن خونة الوطن.

ولن أكون فى حاجة الى التأكيد على حزن خصوم النظام بسبب الإفراج عن الشباب، فالإفراج نقطة إيجابية للسيسى والذين معه، وهؤلاء رغم عدم اعترافهم الدائم بأى إيجابية للنظام، الا أنهم لا يستطيعون أن يشككوا فى أن الإفراج كان حقيقيا.

لقد كان هناك اتفاق بين أعضاء اللجنة ألا يكون من بينهم اخوان ارتكبوا أعمال عنف أو حرضوا عليه، وهو أمر مستحيل بالطبع، فطبقا لما أعرفه ورصدته منذ ٣٠ يونيو، فلا يوجد إخوانى واحد لم يشارك فى عنف أو لم يحرض عليه، وحتى الصامتين منهم يباركون ما يحدث أمامهم، ولن يترددوا لحظة فى المشاركة إذا ما أتيحت لهم الفرصة.

لكن وبعد اعلان القائمة الاولى التى ضمت ٨٢ مسجونا، جرى التشكيك ان من بينهم أخوان، زميلة أثق فى معلوماتها قالت أن هناك ٦ من المفرج عنهم من محافظة الدقهلية، بينهم أربعة إخوان تورطوا فى أعمال عنف، هذا غير المهمات التى تتردد هنا وهناك.

لا أتحدث هنا يبقين عما قالته الزميلة، ولا أشكك فيه بالمناسبة، ولكنى أضعه أمام من وضعوا القوائم، ومن فحصوها، ومن قدموا تقارير عنها، والسؤال هل هناك بالفعل من بين المفرج عنهم اخوان تورطوا فى أعمال عنف؟

قد يكون من المناسب أن يتم اطلاعنا على حالة كل مفرج عنه على حدة، وقد يكون من المنطقى والطبيعي أن تقدم لنا اللجنة حيثيات اختيارها لهؤلاء المفرج عنهم، والمعلومات التى استندوا اليها فى توصياتهم التى تحولت الى قرار موقع من الرئيس شخصيا.

قد يكون بين قائمة المفرج عنهم اخوان، وقد يكون من أخذ القرار يعرف ذلك جيدا، فهل تم تأهيل هؤلاء؟ هل جلس معهم أحد أى أحد قبل أن يصبحوا أحرار طلقاء، يمارسون حياتهم بحرية؟ هل استمعوا منهم مثلا ندما فتقبلوا توبتهم، وأيقنوا أنهم سيكونون مواطنين صالحين، يساهمون فى بناء الوطن بدلا من هدمه.

لو جرى شئ من هذا نريد أن نعرفه، فنحن جميعا شركاء فى هذا الوطن، ولا يستطيع أحد مهما كنت قوته أن يصادر منا حق السؤال، الذى نسعى من خلاله الى معرفة ما يجرى حولنا.

إننى مع أن يخرج كل مظلوم من محبسه، لكن بشرط أن يكوم مظلوما، وهو كلام أعتقد أنه لا يغضب أحدا، وحتى لو غضب البعض مما أقوله فليذهبوا الى الجحيم.

إننا فى النهاية أمام فعل إيجابى تام، وكل ما أتمناه أن تكمل اللجنة عملها، فيخرج كل شهر عدد مماثل من السجناء، حتى لا يكون هناك مظلوم واحد فى السجون، وأعتقد أن هذا ما يريده الجميع، حتى لو كانت لديهم ملاحظات، أو عندهم تحفظات.

لقد أجاد الرئيس عندما مد عمل اللجنة، وما أعرفه أنهم يواصلون العمل لإعداد القائمة الثانية التى سيتم الإفراج عنها قريبا، لكن هل كل عمل اللجنة هو أن يفحصوا الأسماء التى تأتيهم من أكثر من جهة فقط؟

أعتقد أن هناك مهمة يجب أن يقوموا بها، وهى أن يبددوا الأساطير التى نسجها الاخوان وأعوانهم عن عدد السجناء فى مصر.

يقول الاخوان ومن يسير على نهجهم أن هناك فى مصر ما يقرب من ٤٠ ألف مسجون، يعتبرونهم هم معتقلين، وتنظر اليهم الدولة على أنهم مجرمين جنائيين تم القبض عليهم فى أعمال عنف أو تظاهر أو على هامشها، لكن اللجنة وكما سمعت من بعض أعضاءها تأكدت أن هذا العدد مبالغ فيه تماما، وأن القوائم التى وصلتهم من المجلس القومى لحقوق الانسان ولجنة حقوق الانسان بمجلس النواب والجمعيات الحقوقية وعبر الشكاوى الفردية فيها تكرار بما يقرب من ٤٠ بالمائة، وهذا أمر طبيعى، فكل أسرة لديها مسجون تطرق الأبواب جميعا.

يمكن أن يكون لدى اللجنة فى نهاية أعمالها احصاء دقيق عن عدد السجناء الذين دخلوا السجون بعد ٣٠ يونيو، وأن يكون لديها كذلك بيان دقيق بحالاتهم والقضايا المتورطين فيها، وهو ما يجب أن يعلن بشكل كامل لا حجب فيه لمعلومة ولا تستر، وهو ما سيفيدنا جميعا فى معرفة أسرار وتفاصيل حالة مزعجة ومرهقة للجميع، من يؤيد ومن يعارض.

إذا فعلت اللجنة هذا فهو الكمال الذى ننشده جميعا، أما إذا اكتفت بالفحص وتقديم القوائم للرئيس فسيظل عملها منقوصا، وهو ما لا نرضاه لها ولا لأعضاءها، الذين تحملوا من الهجوم والتشويه ما لا يتحمله أحد.