هذه قصة كاشفة لأشياء إن بدت لنا تُسيئُنا ، وهذين نموذجين قد يجعلان الأعمى بصيرا في حُكمه على البشر .
مؤمن سليمان مدرب الزمالك المستقيل ، ومحمد صلاح ضيف الشرف الدائم في كل مسلسلات وأفلام رئيس الزمالك مع الأجهزة الفنية لفريق كرة القدم بالنادي، عرفت جماهير الزمالك مؤمن مدربا مهذباً عاقلا فيما ينطق متزنا في ظهوره الإعلامي، مدرب شاب جاء من أحراش الدرجة الثانية حيث كان يقود الأسيوطي مقابل 15 ألف جنيها شهريا، ولكنه صاحب فكر وفلسفة وأسلوب لعب وإدارة جعل منه خلال ثلاثة أشهر حديثا للوسط الكروي، تتفق أو تختلف مع الكرة التي يقدمها مؤمن سليمان مع الزمالك ولكنك لاتنكر أنه فاز على الإسماعيلي برباعية ثم فاز بكأس مصر بعد تغلبه على الأهلي بثلاثة أهداف وعرض كروي ممتع، وصل بفريقه لنهائي دوري أبطال إفريقيا بقائمة تضم 14 لاعبا بقرار وإرادة رئيس النادي وهو في كامل قواه العقلية !
ليس هذا فقط ولكن المدرب الشاب لم ينهزم في أي مباراة بالدوري حتى الأن، فاز على المصري وإنبي اللذين لم يتمكن الزمالك من التفوق عليهما في الموسم الماضي، ولكن كل ذلك لم يشفع لمؤمن سليمان أمام سلطة مجنونة مطلقة لاترى الصواب إلا فيما تريده فقط.
ليست هذه قصتنا، ولكن استقالة مؤمن سليمان وسط أنباء عن تولية تدريب انبي مقابل 120 ألف جنيها شهريا من ناحية، والإعلان عن تولي محمد صلاح مهمة تدريب الفريق للمرة الخامسة تقريبا على مدار عامين هي القصة التي تستحق التوقف والتأمل.
نحن أمام مدربين بل “رجلين” كل منهما ينتمي لجيل وثقافة وربما أسلوب حياة مختلف، لم يقبل مؤمن سليمان إصرار رئيس النادي الدائم على اهانته والتدخل في عمله أمام وسائل الإعلام بشكل يمحو شخصيته وقيمته أمام لاعبيه، ابتلع مؤمن غضب رئيس الزمالك “المذاع على الهواء” في المرة الأولى أملا في إصلاح ينجو بتجربته ولكن المدرب الشاب أعلنها في المرة الثانية صراحة، لن أستمر في هذه الأجواء حتى ولو خسرت لقبا غاليا هو “المدير الفني لنادي الزمالك”، أما محمد صلاح المدرب صاحب التاريخ المتواضع بين أندية الدرجة الأولى والدوري الممتاز فعلى العكس تماما يرى البقاء تحت رهن إشارة رئيس الزمالك شرفا لايضاهيه شرف، رجل يعرف كيف يعيش في كنف سلطة مجنونة لا تقبل سوى الصامتين الخانعين الراضين بالقليل كمنحة ولاء لا اعتراف بموهبة أو مقابل جهد حقيقي يستحق.
الفرق بين مؤمن وصلاح كالفرق بين شخصين آخرين نراهما في اليوم ألف مرة، موهوبون يتمسكون بالأصول والاحترافية كأرض خصبة يُزهر فيها جهدهم، مقابل أنصاف وأرباع مواهب لايملكون سوى السير داخل حيطة الرضا ، يتملقون أي سلطة أو ادارة تضمن الأمان تحت مسميات وشعارات جوفاء كالولاء والحب والإخلاص ، أضحك كلما رأيت تعليقا من أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المهتمين بالشأن الزملكاوي على صورة لمحمد صلاح واصفا إياه بالمخلص والمحب وعاشق النادي ! ، عن أي إخلاص نتحدث في حالة رجل كل مهمتة في الجهاز الفني نقل أخباره لرئيس النادي واصطياد أخطاء المدربين ، وإثارة المشاكل في هدوء تام ودون ضجيج ، إلى أن يمن عليه رئيس النادي بنظرة رضا ليمنحة دور الكومبارس الجالس على مقعد المدير الفني ، يعلن التشكيل الذي يضعه الرئيس ، و يكتفي بتناول كوب الشاي على الدكة مبتسما لكاميرات التليفزيون ، تاريخ محمد صلاح مدربا يتسع للكثير من القول في قدراته التدريبية ، وربما حكاياته مع ادارات أندية الدرجة الأولى ولاعبيها كفيلة بكشف ماهو أكثر ، في المقابل اختصار القصة في تغيير مدرب شاب بآخر من رجال الزمن الجميل سيخرج القضية من سياقها وسؤالها الأهم وهو ، كم مؤمن سليمان وكم محمد صلاح في مصر ؟ وكم ادارة في هذا الوطن تنتهج فلسفة رئيس الزمالك في اختياراته بين أهل الثقة وأهل الكفاءة ؟ نحن في بلد لايحنو سوى على أنصاف الموهوبين طالما سارو جنب حيطة الرضا .
في سنوات ماقبل ثورة يناير كتب رئيس تحرير إحدى الصحف القومية مقالا عنوانه “كن حمارا ” ، كان الرجل ينصح الشباب بأن يكونوا حميرا أو يدعون ذلك في أدب جم ليضمنوا نجاحهم كما فعل هو وآمن بتلك المقولة في شبابة ، مرت السنوات وأثبتت لنا الأيام صحة ماكتبه ، فلا مكان هنا سوى لهؤلاء.