نسمة سمير تكتب : البر التاني .. فلوكة أم محمد

“بفلوسي ياكلاب” .. كان يجب أن يكون الشعار الرسمي فى دعاية فيلم البر التاني، ليس من الضروري أن تمتلك موهبة أو حضور حتى تصبح نجمًا كل ما تحتاجه بعض الملايين لتتصدر “أفيش” فيلم يشارك فى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهذا ما نجح فيه المنتج محمد علي بطل فيلم البر التاني، وتمكن من إقناع المخرج علي إدريس وزوجتة الكاتبة زينب عزيز بقدراته التمثيلية الوهمية.

ستتذكر على الفور جملة الفنان محمد صبحي فى مسرحية تخاريف، “بفلوسي ياكلاب” ، وكان يلعب فى هذه المسرحية دور الرجل الثري السمين الذي يشتري كل ما يريده ولكنه كان أخنفًا فكان ينطقها “بفنوسي ياكناب”، فالمنتج محمد علي عضو نقابة المهن التمثيلية وعضو غرفة صناعة السينما وهو أمر يستحق الوقوف عنده لمعرفة ما هي القدرات التمثيلية والأعمال التي مكنته من الحصول على هاتين العضويتين، “بفلوسه” أصبح نجما ولم يكتفي بذلك فقام بعمل دعاية للفيلم فى جميع أنحاء الأوبرا وخارجها، كما اشترى جميع تذاكر الفيلم فى اليوم الأول ليقول لنا عندما تمتلك المال تستطيع شراء من يصفق لك.

“عشان خاطر مصر”، أنفق المنتج 25 مليون جنيه من أجل رفع اسم مصر عاليا، وفقًا لتصريحات محمد علي التي انتشرت في كافة المواقع والصحف مع مؤثرات صوتية فى خلفية المشهد الهزلي “متقولش أيه اديتنا مصر قول هنخرب أيه فى مصر” وكأن حب مصر هو “مسمار جحا” والذي يضرب به المثل في اتخاذ الحجج الواهية للوصول إلى الهدف المراد ولو بالباطل فهو الشماعة التي يعلق عليها الجميع جرائمهم، فخروج الفيلم بهذا الشكل الساذج جريمة لن تغتفر فى تاريخ السينما خصوصًا بعد إهداء الفيلم إلى سينما المخرج الكبير الراحل محمد خان.

لعنة المنتج أصابت جميع صناع العمل بداية من الكاتبة زينب عزيز، والتى قدمت قصة وحبكة ضعيفة للغاية، فجاءت البداية غير موفقة وعدم التمهيد الجيد لقصة إنسانية تستحق إلقاء الضوء عليها، لم تخلق المؤلفة شخصية واحدة ناضجة فنيا تجعلك تتعاطف معها، فاللحظات الدرامية والتى من المفترض أن تُبكينا كانت مثيرة للضحك، والأحداث غير منطقية فتجد البطل فى مجتمع ريفي يريد تقبيل البطلة على الترعة أمام المارة مبررا ذلك بقوله “قاري فاتحة”!!.

“أنا شوفت أطفال بعيني على وش الميا”،”خرجت من بيتي وأنا متوقع أرجع ميت”، “الأطفال هناك كانت ياما.. والستات ياما.. وكلهم كانوا صعب يعوموا وينقذوا نفسهم، كان صعب أنقذ حد.. كان لازم أختار أعيش ولا أموت مع الناس اللي بتطلب مني أنقذها، إيه أصعب لحظة مرت عليك.. قالي كان معايا عيل جاري 11 سنة، قبل ما المركب تغرق بدقايق كنت بصرخ فيه يحتمي بأي حتة، كان بيبصلي وبيبتسم ورافض يسيبني… كان نفسي أنقذه. بس مات، بلغنا النجدة بإن المركب هتغرق بينا .. مرة واحد رد بسخرية “وإنت إيه اللي وداك هناك يا حمادة”، ربما تلك الجمل التى جاءت على لسان الناجيين الحقيين من حادث مركب رشيد كانت كافية لتخرج فيلمًا عظيمًا ولكن لا أعلم كيف لم تستغلها المؤلفة فى خلق عملًا متماسكًا.

بمجرد قراءة تلك الجمل فى الصحف تدمع عيناك، ويقشعر بدنك، فكيف لم يحتوي الفيلم على جملة حوارية واحدة بنفس قوة وتأثير تلك الجمل السابقة؟، ولم تعطي المؤلفة أي أسباب لها علاقة بظروف البلد أو الوضع الإقتصادي والتى تعد السبب الرئيسي وراء إلقاء هؤلاء الشباب بأنفسهم فى أحضان الموت، وكأنها تبرأ الحكومة من دماء من ماتوا هربًا من الفقر فلم يجدوا إلا الموت أمامهم وخلفهم، جميع الأسباب التي سافر من أجلها أبطال العمل لا تشفع لهم ولا تجعل أي شخص يتعاطف معهم بل ستجد نفسك تردد “إيه اللى وداكوا هناك؟!”، وكأن المؤلفة تتعمد إلقاء اللوم على الضحايا من أجل تحسين صورة مصر!!.

الأمر الذي يجعلك تريد أن تقف وتصرخ فى القاعة “إيه العك دا”، هو أن ممثلين كبار مثل عبد العزيز مخيون وعفاف شعيب وعفاف حمدي جاء أدائهم ضعيف للغاية ومسرحي وكأنهم يمثلون للمرة الأولى على مسرح الجامعة، والتصوير يشعرك انها كاميرا تليفزيونية وليست كادرات سينمائية وكأنك تشاهد برنامج “ادى ضهرك للترعة ياعبد السلام” وليس عملا سينمائيا يعرض في مهرجان كبير، والكارثة الكبرى اختيار أغاني الفيلم ما بين “طاير ياهوى .. طاير على المينا” لمحمد رشدي و “فات المعاد” للست أم كلثوم لن نجد أي مبرر درامي لوجود تلك الأغاني، إلا أن صناع العمل أرادوا خلق بعض الضحكات فى صالة العرض حتى يرضا الجمهور عن الثمن المدفوع في تذكرة الفيلم.

مشهد غرق “فلوكة أم محمد” التيتانيك المصرية، والذى من المفترض أن تبكي خلاله وأنت تشاهد الشباب يصارعون الموت، لن تتمالك نفسك من الضحك، فترى تمسك مساعد القبطان بالمركب وترديده الشهادة كأنه يحاول أن يذكرنا بالفرقة الموسيقية التي استمرت فى العزف حتى غرقت “تيتانيك”، ونزول بطل الفيلم للبحث عن صديقه الذى غرق فى الطابق السفلي من المركب وكأنه “روز” عندما عادت للبحث عن حبيبها “جاك”، ويتمسك البطل وصديقه بأحد أطواق النجاة وكأنهما روز وجاك على اللوح الخشبي ثم يغرق جاك وتبقى روز “محمد علي” متمسكة باللوح الخشبي.

وهنا يجب أمرين أولا على إدارة المهرجان توضيح أسباب اختيار هذا الفيلم ليمثل مصر، أما الأمر الثاني، من يخبرك أن الموهبة والاجتهاد هما سبيلا الوصول إلى النجومية، مرددا “الفلوس مش كل حاجة”، اخرج له أفيش “البر التاني” وقل له “لا والله وحياة فلوكة أم محمد الفلوس بقت فى بلدك كل حاجة”، ثم غني له ” آه لو لعبت يازهر واتبدلت الأحوال لهغرق مصر أفلام”.