أحمد حامد دياب
صورة لفتاة تجر عربة محملة بالبضائع انتشرت بشكل كبير على شبكات التواصل الإجتماعي.. لم يكن السبب الرئيسي لانتشار الصورة هو الفتاة، بل ربما كان الشابان الذين يجلسان خلفها على أحد المقاهي، ويجسدان معنى “البطالة”!
انتشرت الصورة بشدة لدرجة أنها وصلت إلى رئاسة الجمهورية وقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوة الفتاة والاحتفاء بها كنموذج للعمل والكفاح.
السؤال هنا: هل تعاني مصر من أزمة بطالة حقاً؟؟
هل من يجلس على القهوة هو شاب معذور ولا يجد فرصة عمل حقيقية؟ أم أنه “بيتدلع” باللغة الدارجة؟
هذا ما سيوضحه إعلام دوت أورج في التقرير التالي
-مصانع لا تجد عمالة
البداية تصريحات متتالية لوزراء القوى العاملة المتتاليين وأخرهم محمد سعفان، الذي لا يمل من أن يذكر بأن هناك آلاف فرص العمل في القطاع الخاص ولا يتقدم إليها أحد، وضرب مثال بذلك أن هناك مصنعاُ عرض 180 وظيفة خالية ولم يتقدم لشغل تلك الوظائف سوى 6 أفراد بعد شهر كامل!!
https://www.youtube.com/watch?v=C4Em0Q7Z3ac
وطبقاً للنشرة القومية للتشغيل الصادرة عن وزارة القوى العاملة في الفترة ما بين 24 أكتوبر 2016 و7 نوفمبر 2016 فإن الوزارة عرضت 12524 فرصة عمل داخل البلاد وخارجها.
ولم يتسنَ التأكد ممن تقدموا لهذه الوظائف حتى هذه اللحظة.
وصلت نسبة العاطلين في مصر طبقاً للتقديرات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى 12.3% أى ما يصل إلى قرابة العشرة ملايين شاب وفتاة قادرين على العمل.
– هل تعاني مصر من أزمة بطالة حقاً؟!!
للإجابة عن هذا السؤال كان لزاماً علينا أن نذهب إلى أحد المصانع لمشاهدة الأمور عن قرب فذهبنا إلى مدينة العاشر من رمضان الصناعية لسؤال عدد من المصانع عن حاجتها للعمال ومتوسط الرواتب وغيرها وكانت البداية فيطريق بلبيس العاشر من رمضان والذي ظهرت فيه إعلانات تطلب عمال إنتاج، معلقة على عشرات الحافلات والسيارات على الطريق.
توقفت السيارة للحظات فوجدنا منشورات تطلب عمال إنتاج بأجور مجزية وتأمينات صحية وإجتماعية.
أغلب شركات العاشر من رمضان تطلب عمال إنتاج وكثير منها ألغى طلبيات تصدير للخارج لعدم وجود عمالة تنجز أعماله حسب ما صرح مسئول بالقوى العاملة رفض ذكر اسمه حتى لا تُتهم وزارته بالتقصير!!
أثناء البحث عن جواب للسؤال السالف ذكره تعاطف أحد موظفي الأمن بإحدى الشركات والذياتضح لاحقاً أنه حاصل على بكالوريوس تربية ويكتب الشعر والزجل والقصص القصيرة وأخبرنا بأن شركته تعلن عبر إعلانات مدفوعة على مواقع التواصل الإجتماعي عن وظائف للعمال ولا يتقدم أحد!
استئذنا في سؤال بعض العاملين عن أحوال العمل في المدينة الصناعية الأكبر في مصر وسمحت لنا إدارة الشركة الواعية لحجم الكارثة التي يعيشها شباب “القهاوي” في السؤال.
-ربنا يديم نعمة العمل
تقابلنا مع عم عيد (52 عاما) “أميّ” ويعمل عامل نظافة بإحدى شركات الملابس العالمية بالعاشر قال إنه يعمل في المصنع منذ فترة طويلة بعد عودته من إحدى دول الخليج.
أبدى عم عيد سعادته بالعمل في المصنع رغم أنه يبدأ عمله السابعة والنصف صباحاً وينهيه الرابعة والنصف عصراً، ومهمته كما ذكر لنا،ن ظافة المصنع فيصتحب”ممسحته” ويقوم بأعمال النظافة داعيا الله أن يديم عليه نعمة العمل.
بالنسبة لي شهادة عم عيد كانت غير كافية لأنه وجد فرصة عمل مناسبة له ولمستوى تعليمه ولا ننكر تقديرنا له ولغيره من العمال، لذا وجب علينا أن نوجه السؤال نفسه لأحد الشباب العاملين في المصنع من حملة المؤهلات العليا.
– الشغل مش عيب
عبده، شاب حاصل على بكالوريوس التربية ويعمل فني خياطة في المصنع نفسه، قال لنا إنه لم يتنظر الوظيفة الحكومية لعلمه أنها لن تأتي لأنه لا يمتلك “واسطة”، وأضاف عبده أنه يعمل بالمصانع منذ 11 عاما منها 6 في مجال صناعات المعادن و5 في مجال الملابس وأنه يفخر بكونه عامل وحاصل على مؤهل عالٍ لأن “الشغل مش عيب”.
لفت نظري وجود أحد الشباب من متحدي الإعاقة والذي فضل العمل عن الجلوس في المنزل.
-يتحدى الإعاقة..والجالسين على “القهاوي”
فرج المكاوي (25 عاما) من إحدى قرى مركز أبوحماد بمحافظة الشرقية، يعتبره الكثيرون في المصنع من أفضل وأمهر عمال الخياطة، ويحمل لقب “عامل جوكر”، حيث يستطيع العمل على أى نوع من أنوع ماكينات الخياطة، وأيضا في أى مرحلة.
فرج قال لنا إنه يعمل في المصنع منذ عام 2011 تقريباً وأخذ يستغل فترة الراحة اليومية خلال العمل في تعلم المهارات التي لا يعرفها حتى أتقن جميع مهارات الخياطة.
فرج أبدى سعادته بالعمل في المصنع قائلاً: “لو مكنتش مبسوط كنت هسيب المصنع من زمان”، كما عبر عن تقديره لإدارة الشركة التي لا تتأخر عن دعمه وتشجيعه لدرجة أنها أنشئت حوض للوضوء لذوي الاحتياجات الخاصة ودورة مياه خاصة بهم.
وتعجب “المكاوي” من رفض الشباب للعمل في المصانع وكرههم لها رغم أنها مصدر دخل لآلاف الشباب على حد قوله.
كما سخر من الشباب الجالسين على المقاهي ويدعّون البطالة، وقال بفخر إنه يعمل منذ 5 سنوات كعامل خياطة ولم يتغيب عن العمل أبداً خلال الخمس سنوات.
أما أسماء (23 عاما) والحاصلة على دبلوم صنايع فتعمل في المصنع كعاملة تعبئة منذ 3 سنوات لتقوم بشراء جهازها وتستعد للزواج حالياً كما أكدت أنها ستستقيل من العمل بعد زواجها.
من الواضح وجود العديد من فرص العمل، لكنها لا ترضي بعض من الشباب الذين يضعون شروطا معينة تناسبهم، أبرزها قلة عدد ساعات العمل والراتب الكبير، رغم عدم وجود خبرة كافية لديهم تناسب متطلباتهم.
-عايز أشتغل في تخصصي
السؤال المهم تم توجيهه إلى عدد من الشباب الذين رفضوا العمل في المصانع ورفضوا ذكر أسمائهم أو صورهم في التقرير أيضاَ وتراوحت حججهم من رغبتهم في العمل بمؤهلاتهم الجامعية، واعتبر بعضهم أن المدن الصناعية مقابر للشباب، أما البعض الآخر ينتظر عقد عمل في إحدى دول الخليج، أو حلما بعيدا للسفر إلى إيطالياً عبر رحلة نهايتها معروفة للجميع.
الآن لدينا توصيف للمشكلة وهى وجود فرص عمل أغلبها لعمال إنتاج صناعي برواتب متواضعة تبدأ من 1200جنيها في أغلب المصانع خاصة كثيفة العمالة كمصانع الملابس الجاهزة والنسيج ومصانع الأغذية والمنتجات الزراعية ووجود عدد كبير من الشباب يصل عدده إلى 10 ملايين شاب وفتاة، يرفضوا العمل في هذه المصانع.
-فين الحل؟!
ولإيجاد الحل بعد توصيف المشكلة كان لابد أن نوجه هذا التساؤل للسيد معتز عبدالرحمن أبوبكر إستشاري الموارد البشرية بمنظمة العمل الدولية والذي أكد على وجود هذه المشكلة فعلاً ووصفها بأن قطاعاً عريضاً من الشباب يرفض العمل في المصانع لعدم رغبته في الإلتزام ورغبته في الربح السريع وبالتالي يلجأ للعمل كسائق توكتوك!، وأشار إلى أن مكمن الخطورة هنا أن الشاب في هذه الحالة لا يخضع لأى مظلة تأمينية أو نقابية، وفى حالة إصابته بمكروه لا يجد مصدر دخل له ولا يؤمن طريقة علاجه وذلك إضافة إلى من يرفضوا العمل في المصانع ويفضلوا الجلوس في انتظار الفرصة التي لن تأتي.
وقدم أبوبكر حلاً للمشكلة من وجهة نظره، عن طريق عدة أطراف وهى وزارة القوى العاملة صاحبة الدور الأساسي ثم وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني ثم رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني.
في البداية أثنى أبوبكر على قانون العمل المصري ووصفه بأنه من أغنى قوانين العمل في العالم وينحاز بشكل كبير للعامل ولكن المشكلة في تطبيقه.
ورغم جهود وزارة القوى العاملة الكبيرة إلا أنه هناك بعض المهمات التي يجب القيام بها من أجل القضاء على البطالة من جهة وتلبية حاجات المصانع من العمال من جهة أخرى.
معتز أبو بكر إستشاري الموارد البشرية بمنظمة العمل الدولية
-دور”القوى العاملة”
وحدد أبوبكر الدور الأهم للقوى العاملة في أنها يجب أن تحدد احتياجات السوق وطلبات المصانع والشركات لمعرفة كم عدد العمال المراد تشغيلهم في القطاع الصناعي خلال الثلاث أعوام القادمة لتبدأ تجهيز هذا العدد من طلاب المدارس الصناعية ولتحفز الطلبة في الأقسام المختلفة على انتهاء دراستهم الفنية والتأكيد على وجود فرص عمل لهم تنتظرهم في المصانع.
وذلك سيؤدي إلى توفير أعداد العمال المطلوبة للصناعات كثيفة العمالة مثل الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والمواد الغذائية.
والدور المهم والأصعب هو دور التعليم الفني لأنه الجهة المنوط بها تخريج كوادر فنية لتشغيل القطاع الصناعي وغيره من القطاعات.
-دور “التعليم الفني”
فند أبوبكر دور وزارة التعليم الفني في عدة مهمام، ستكون لها الدور الأهم والأكبر في توفير عامل مدرب وفي نفس الوقت تلبية حاجة مصنع من عمالة مدربة.
أفرد أبوبكر للتعليم الفني أكثر من مهمة لو تم تطبيقها كما يجب ستتغير المعادلة كثيراً.
حدد أبوبكر 10 أدوار حيوية للتعليم الفني، كما يلي:
-دور رجال الأعمال
أما عن دور رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني فقد أكد أبوبكر على ضرورة رعاية المتفوقين علمياً في المدارس الفنية الصناعية ودعمهم دعم مادي مباشر وتخصيص مكافأة مالية شهرية لهم مقابل تفوقهم ووعدهم بتوفير وظائف لهم بعد انتهاء تعليمهم ومتابعتهم أثناء أدائهم الخدمة العسكرية.
وعن عوامل جذب الشباب للعمل في المصانع قال إن الدور الأكبر هنا يقع على عاتق الشركات الصناعية والتي تجب أن تقوم بإظهار مزايا العمل فيها بطريقة جيدة وأن توضح المسار الوظيفي حتى يتمكن الموظف من وضع هدف أمامه.
وأن تتمتع بالشفافية والوضوح التام وتوضح القواعد الإدارية وتمكنه من معرفة البيانات التي تلزمه.
كان هذا كافياً بالنسبة لحملة المؤهلات المتوسطة ممن يرفضوا العمل في المصانع في نفس الوقت الذي تعانيفيه المصانع من نقص هؤلاء العمال.
ولكن ماذا عن حملة المؤهلات العليا ممن يرفضوا العمل في المصانع ويفضلوا الإنتظار لسنوات حتى يجدوا فرصة للسفر أو أن يجد وظيفة تناسب مؤهله العالي؟
معتز أبو بكر إستشارى الموارد البشرية بمنظمة العمل الدولية
– إلى حملة المؤهلات العليا:الحق القطر قبل ما يفوتك
كان تعليق خبير واستشاري الموارد البشرية بمنظمة العمل الدولية أن هؤلاء الشباب يظلوا منتظرين الفرصة فتمر سنوات عمرهم دون أى خبرة وظيفية أو حياتية وتتقدم أعمارهم دون إكتساب أى خبرات.
وضرب أبوبكر مثلاً بمن يقف على محطة القطار ليسافر إلى محطة معينة ويمر عليه قطار به مكان في أخر عربة ولكنه يريد أن يركب القطار المكيف رغم عدم وجود مكان به ليقف ليتنظر قطار به مكان فارغ بالعربة المكيفة ولا يعلم متى سيصله هذا القطار؟
وقارن هذا الشاب بمن ركب القطار فعلاً وانتقل من الدرجة الثالثة العادية إلى الثانية ثم إلى الأولى المكيفة خلال سنوات عمره الوظيفي الذي مازال زميله ينتظر فيه مكان في العربة المكيفة.
وقال أبوبكر إن الشاب الجامعي الذي يلتحق بالعمل في المصانع يتعرف على خبرات جيدة ويرى سوق العمل عن قرب ويمكنه أن يؤمن مصدر دخل يستخدمه لتطوير قدراته ويحصل على درسات عليا في مجاله بالإضافة إلى الدورات المتخصصة التي تؤهله للوظيفة التي يرغب في الحصول عليها.
واختتم بنصيحة للشباب حملة المؤهلات العليا، قائلًا لهم: “الحق القطر قبل ما يفوتك”.