هل تصدق الحكومة بالفعل أنها حكومة؟!.. سؤال يباغتنا بلهجة الدهشة والاستنكار في سياق حياتنا اليومية، يصاحبنا ومعه المثل الشعبي الشهير، أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب!!.. متوالية من المشاهد اليومية في عدة اتجاهات لا تزال تؤكد أننا في واد وحكومتنا في واد آخر، وهي على مسافة بعيدة جداً، سواء من طموحات رئيس الدولة ومنهجه في الحسم وسرعة الإنجاز، أو من واقعنا بكل صعوباته الضاغطة إلى حد يكاد يقارب الانفجار المكتوم، والصمت هنا أبداً لا يعني الرضاء، والسكون لا يعني سوى أزمات اجتماعية طاحنة داخل كل أسرة تنتهي في الغالب إلى عرض أو مرض أو جريمة أو حضور مغيب أو غياب تام.
نرشح لك : حسين عثمان يكتب : القاهرة وواشنطن بعد فوز ترامب
فأما وأن الحكومة لا تصادف في معظم الأحوال توقعات الرئيس، فليس أدل عليه من تدخله شخصياً في الكثير من الأحوال لصدارة المشهد واتخاذ القرار، والملفات هنا تتساوى في تدخله بحيث لا تعد الضرورة أو الأهمية هما المقياس لتحديد مدى الحاجة لتفاعله شخصياً، ومن جانبنا لا نراها إلا مخيبة للآمال في معظم الأحوال، وخاصة في الأزمات، بل ولا أبالغ إذا أكدت أننا لا نستشعر تجاهها كمواطنين أي مستوى من الهيبة أو الاحترام، فدائماً ما تأتي ردود أفعالنا تجاه ما تضعه من سياسات أو تصدره من تعليمات أو تتخذه من قرارات ملخصها تعليق.. أفلح إن صدق!!.
هل تريد بعض الأمثلة؟.. ليكن.. أين كانت الحكومة في أزمة السيول التي ضربت محافظات الصعيد والبحر الأحمر منذ أسابيع قليلة؟!.. غابت تماماً رغم تحذير هيئة الأرصاد الجوية المتكرر وقتها، وسوف تغيب مرة أخرى في القريب العاجل رغم مؤشرات الهيئة هذه الأيام بتكرار الأمر طوال موسم الشتاء.. وفيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية الأخيرة، وفي المقدمة منها تحرير سعر صرف الجنيه، وما ترتب عليه من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، تصدرت الحكومة المشهد بعدها مؤكدة تفعيل وسائل الرقابة الصارمة على الأسواق لضمان مواجهة استغلال التجار للأمر، فماذا فعلت الحكومة؟!.. لا شيء!!.. كل في الأسواق يفعل ما يريد في أي وقت يريد في مواجهة مواطن لا حول له ولا قوة.. ومعها طنطنة حكومية ركيكة ومستفزة بأنه لا أزمات هناك واحتياطيات السكر وغيره تكفي مدد كذا وكذا، ثم تذهب إلى أقرب وأبعد منافذ البيع فلا تجده حتى على استحياء!!.
وإذا تناولنا حال الشارع المصري، وهو أحد أهم مسارح إثبات حضور الحكومة بهيبتها من عدمه، فيكفينا برطعة التكاتك وبلطجة سائقيها دون ضابط أو رابط، وفي كل مكان على أرض مصر، ورغم نخعة الحكومة منذ ما يقرب من عام بمصادرتها وتغريم أصحابها خمسة عشر ألف جنيه غرامة فورية في حال عدم ترخيصها، وهو ما بات معه الحديث عن الميكروباصات من قبيل الرفاهية، وقد ظهر حديثاً جيل جديد في هذه العائلة ممثلاً في التريسكلات!!.. ولنضيف هنا بالمناسبة جبال القمامة وأكوام الأتربة المتزايدة إلى حد الظاهرة في كافة أحيائنا وشوارعنا راقية كانت أو شعبية أو متوسطة ما بين هذا وذاك.
وأطمئن وزير التعليم المثير للشفقة أن غياب طلاب الشهادات عن المدارس هو القاعدة، كما أن الدروس الخصوصية جارية على قدم وساق، إن لم يكن في مراكز اجتهدت عشوائياً فأغلقتها، ففي منازل المدرسين أو أولياء الأمور أو في مراكز تعليمية لم يقترب منها أحد لأسباب لا يعلمها إلا الله والوزير وبطانته، ونضيف هنا أزمة الأدوية المتصاعدة حالياً وقلة حيلة الحكومة ووزير الصحة في مواجهتها، وغيره وغيره من مشاهد مأساة وملهاة حكومة موظفين لا تملك هيبة أو خيالاً أو حساً سياسياً يواكب حرج المرحلة الانتقالية التي نمر بها، ولا نستشعرها إلا عبئاً على الدولة قبل أن تكون محل استهانة وتهكم وسخرية من الجميع، والأمر هنا لا علاقة له بالتفاؤل أو التشاؤم، فلم تكن الواقعية يوماً منافية للتفاؤل بأي حال من الأحوال، فوضع أيدينا على أصل المشكلة شروعاً في حلها هو بداية التفاؤل إن كنا نستوعبه كسلوك وليس مجرد أمنية، حكومتنا ليست فاعلة سيدي الرئيس مع خالص تقديري لرؤيتكم في هذا الشأن.