(نقلا عن جريدة المقال)
كلمة لا تزيد مدتها عن نصف دقيقة هي ما يتذكره جمهور حفل افتتاح مهرجان القاهرة عن وزير الثقافة حلمي النمنم، كلمة رسمية تضمنت دعوة الوقوف حدادا على روح محمود عبد العزيز، ثم تسليم الدروع للمكرمين، ثم لا أحد يعرف هل وزير الثقافة تابع الدورة بعد ذلك أم لا، بالعودة لعدة أسابيع للوراء ودراسة قرار الوزير حول ما جرى من مخالفات في دورة 2016 من مهرجان الإسكندرية لا يمكن الإستبشار خيرا بأن النمنم سيتدخل كما يجب من أجل التحقيق فيما جرى هذا العام بالدورة 38 لمهرجان القاهرة، النمنم اكتفى بتشكيل لجنة حول ما حدث في الإسكندرية وهو المهرجان الذي حضر الوزير جانب كبير من فعالياته، ثم كان القرار توجيه تحذير للإدارة الحالية بأن تلتزم بالخط الأساسي للمهرجان الذي هو مخصص لدول البحر المتوسط وليس دول الخليج التي كانت لها المساحة الأكبر وغير ذلك من أزمات ومواقف ربما لم يشهدها أي مهرجان آخر في مصر وفي أي دولة من المفترض أنها تقيم المهرجانات من أجل انعاش الحياة الثقافية وتدعيم قوتها الناعمة.
نرشح لك : محمد عبد الرحمن يكتب: الفلوس كل حاجة
بناء على ما سبق فإن أقصى ما يمكن أن يتخذه النمنم من قرارات تجاه الإدارة الحالية لمهرجان القاهرة هو تغييرها سواء كليا أو جزءيا، فتأتي ادارة جديدة من تسير على نفس النهج وتقرأ من ذات الكتاب، وتقع في الأخطاء نفسها العام المقبل، لتكتب الإدارة المتعاقبة في السنوات الأخيرة شهادة وفاة بالحركة البطيئة slow motion لأهم مهرجان في الشرق الأوسط .
حتى نكون منصفين فإن تراجع مهرجان القاهرة غير مرتبط بالأداء الأداري والفني للقائمين عليه والدليل تغير الإدارات في السنوات الأخيرة وبقاء معظم الأزمات المزمنة كما هي، بل وجود محاولات حقيقية لتطوير العمل في كواليس المهرجان والدورة الأخيرة تحديدا شهدت تقدما في أداء المركز الصحفي ووجود موقع إلكتروني وتطبيق محمول ونظام الدخول بتذاكر و هو ما لا يمكن أن نقارنه بما كان يحدث في الدورات السابقة، لكن التطوير لا يسير على سطر ويترك سطورا، والمنافسون مثل مهرجان دبي ومهرجان مراكش سحبوا الكثير من عناصر القوة ولم نعد المهرجان الوحيد الذي من أجله يأتي السينمائيون للشرق الأوسط وقد يتحملون مشكلات التنظيم من أجل عيون التواجد في المنطقة، بل السينمائيون المصريون أنفسهم باتوا يفضلون مهرجانات منافسة حتى يقدموا لها أفلامهم ويحرمون منها المهرجان الذي بدلا من أن يفكر في كيفية التعاون معهم وجذبهم من جديد يبحث عن البديل الأرخص فتحدث أزمة مثل تلك التي سببها وجود فيلم “البر التاني” في المسابقة الدولية، وعلى النهج يغيب النجوم عن حفل الإفتتاح فتسطع شمس “سما المصري” ولو أن المصري حضرت وسط كم كبير من النجوم ما اهتم بها أحد .
المهرجان يحتاج إلى دولة تدعمه وتحوله لمؤسسة قادرة على العمل طوال العام والتواصل مع عناصر الصناعة السينمائية محليا ودوليا بدلا من أن نهدر شهور السنة في لاشئ ثم تقترب الدورة المقبلة ويكون الهدف خروجها بأقل قدر من المشكلات، المهرجانات المصري في عهد سابق وتحديدا في زمن فاروق حسني وزير ثقافة مبارك كان أفضل بكثير مما هي عليه الآن، أخطاء في حدود المعقول، زخم صحفي وإعلامي وفني يجعل الناس تشعر أن هناك حدثا يجري على أرض القاهرة بالفعل، دعم من كل عناصر الوزارة، لكن التعامل على أساس أنها “دورة وهتعدي” هو الذي أوصلنا لهذه الحالة، والوزير الحالي لو كان يشعر ببعض الغيرة من فاروق حسني ربما لاهتم بأن تخرج المهرجانات في أفضل صورة ليحسب نجاحها له، لكن يبدو أنه اكتفى بالافتتاح والختام .
لو كنت مكان وزير الثقافة قبل الدورة لاتصلت بالنجوم بنفسي لأدعوهم للحضور، لقرأت كل النقد الموجه مسبقا للمهرجان وتناقشت مع الإدارة على كيفية تفاديه، لاتصلت برجال الاعمال الذين انسحبوا ادعوهم للعودة أو بحثت عن بدائل، ولو كنت مكانه بعد انتهاء الدورة لفتحت تحقيق حقيقي في المخالفات والشبهات التي طالت شركات الدعاية الداعمة لأفلام لا تستحق دخول المهرجان، وعملية بيع دعوات الافتتاح والختام لتصل لمن لا صفة له، ووجود “بودي جاردز” حول المسرح الكبير لدار الأوبرا في حدث ثقافي كهذا اعتدى بعضهم على الصحفيين بالقول واللفظ، ولا أحد يعرف من الذي استأجرهم لهذه المهمة .
لو أن وزير الثقافة حلمي النمنم مهتم فعلا بأن يترك أثرا بعد مغادرة المنصب لتحرك على أي مستوى من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه، لكنه للأسف دخل سريعا في قائمة الوزراء الذين يتحركون قليلا حتى يبقوا في المنصب طويلا، ولا عزاء للثقافة والسينما وقوة مصر الناعمة التي داستها أقدام من لا صفة لهم في فعاليات مهرجان القاهرة .