فى الإعلام كما فى كل شىء تقريباً، ليس هناك ما يحتاج إلى تشخيص، ولا إلى مزيد من الشرح والتشريح وتمزيق ما هو ممزق أصلاً، لادعاء بطولات مضللة ومنافقة، أو لتسجيل مواقف تهدف إلى التبرؤ والمزايدات العلنية من كل اتجاه، أكثر مما تعكس رؤية ومساراً أو حتى مجرد قناعة صادقة.
فى سنوات قليلة تكشفت أمامنا كل سوءات أنفسنا.. رأينا مساحات السواد التى تحاصرنا، والأبواب الموصدة والطرق الوعرة التى يمكن أن تتكسر أمامها أى خطوة إلى مستقبل.. عرفنا أن الجسد المصرى يقاوم – رغماً عنه – الدماء الجديدة بعد أن تلوثت شرايينه بخيانات وتآمر وخداع وفساد وكراهية، كلها ظلت قادرة على التحكم فى أعصابنا إشعالاً أو تخديراً، وفى عقولنا تغييباً أو تضليلاً فتصورنا أحياناً الشياطين ملائكة واعتبرنا أحياناً الفاسدين قضاءً وقدراً فأصبح المجتمع كياناً هيستيرياً مشوهاً يرى ولا يعقل.. يصرخ ولا يقول.. أو بالتعبير الأدق للأستاذ محمد حسنين هيكل «ينفعل ولا يفعل».
وهكذا بلا توقف ولا أمل.. وأحيانا بلا هدف، ولم نكن أبداً رفقاء ببعضنا البعض ولا حتى بأنفسنا، فأكلنا أنفسنا.. ومازلنا نتآكل.
دائرة جهنمية مغلقة نعيد فيها إنتاج أيامنا المقلقة الغامضة منذ سنوات (بالتأكيد هى أبعد كثيراً من يناير 2011)، وزاد عليها المربع الأسوأ: العنف، والشك، والتردى الأخلاقى، والفجور فى الخصومة، فطَمَعَ فاسدون وخونة.. ذئاب وضباع، فى العودة إلى مساحات السيطرة التى تصارعوا عليها منذ عقود وتقاسموها وتناوبوا على التحكم فيها.. وفينا.
ويقيناً فالإعلام يصيبه ما يصيب المجتمع، وينعكس عليه ثم ينعكس منه ما يحدث فى هذا المجتمع.. وهكذا يكون أحياناً الجانى وأحياناً الضحية.. المستسلم والمقاوم.. القائد والدجَّال.. المنافق والجسور.. المرتبك والواثق.. الفاسد والنزيه.. المأجور والمستقل.. وهكذا إلى آخر كل الثنائيات التى رأيناها ومازلنا نراها.
الآن.. ولأسباب واضحة اختلفت فيها احتياجات الجمهور ووعيه واختلف فيها وضع الدولة، بحيث أصبحت على المحك منذ أربع سنوات بين أن تصنع معجزة أو تسقط فى هاوية.. لم يعد أمام الإعلام المصرى إلا أن يقف بشجاعة ليقيم ويقوَّم نفسه.. يراجع بجرأة ونزاهة عشر سنوات مضت.. يبنى على ما حققه فيها (وهو ليس قليلاً ) ويتخلص من أمراضه (وهى كثيرة).
إن لم يستطع الإعلام المصرى الآن أن يجدد ويطور ويطهر نفسه فسيسقط أو ينفجر من الداخل أو يتحول إلى كائن ضخم عشوائى وممسوخ وكريه، وسيكتب فى تاريخه أنه سَلَّم المجتمع إلى الظلام والضياع وقاده إلى مجهول بدلاً من أن يفتح أمامه أفق حياة واعدة يمكن أن تتحقق.
وبالمصطلح الشهير فإن الإعلام قوة ناعمة لا شك، ولكن بديهياً فإن هذه القوة يمكن أن تكون قوة إضافة.. ويمكن أيضاً أن تكون قوة خصم بل قوة هدم ما لم تمتلك عقلاً وضميراً وعلماً وإبداعاً أو إذا استخدمها جاهل أو فاسد، أو حتى خائف.
وفى تقديرى فإن مجموعة من الرسائل يجب أن تصدر بوضوح وبدون التباس ولا تردد حتى يكون هناك طريق إلى إعلام آخر.
•رسائل من الدولة
إذا كانت لديها رؤية سليمة ومحددة، وإذا كانت هويتها وبناؤها الأساسى وأهدافها نقية ووطنية خالصة فإن رسائلها للإعلام وللرأى العام يجب أن تتضمن التالى:
أولاً: أن انحيازاتها التى لا تقبل المساس بها هى:
•للفقراء والضعفاء الذين يدفعون الثمن دائماً فى أى تغير مهما كان نوعه واتجاهه بينما لا يتغير فى حياتهم الصعبة سوى أسماء سادتهم.
•لجيل شاب يمثل أكثر من نصف حجم المجتمع عدداً وطاقة.. سماء أحلامه لا نهائية وعمق إحباطه وغضبه لا يجب أن يزيد.. يريد أن يعيش وينجح ويقود.. ولا مستقبل بدونه.
•لثورة 25 يناير / 30 يونيو كيان واحد (فعلاً لا قولاً) وطريق لاسلامة ولا سلام إلا ببلوغ غاياته عدلاً وعدالة وحياة كريمة وإرادة وقراراً حراً يستوى فى ذلك الوطن والمواطن.
•للحرية لا للفوضى.. لمن يعرض رأياً لا لمن يفرضه.. لمن يحمل كلمة لا لمن يرفع سلاحاَ.. لمن يظهر بوجهه لا لمن يكون واجهة.
ثانياً: أن خصومها وحروبها الكبرى ضد:
•الفساد بكل أنواعه، المالى والسياسى والدينى والقضائى والأمنى والإعلامى.. وإنها لا مصلحة لها مع فاسد ولا مكان له فى أجهزتها ولا تهاون معه فى المجتمع.. وأنها تدرك أن طرد وتعقب كبار الفاسدين هو أول وأهم خطوة لردع الفاسدين الصغار.. وأن من علم بالفساد فقبله أو سهله أو تعاون معه هو شريك فيه.
•الإرهاب المادى والمعنوى.. بالسلاح أو بالكلمة.. بالفكر أو بالممارسة.. من فرد أو مجموعة أو تنظيم أو دولة، وأن حربها معه حرب وجود لا ترتعش فيها يد ولا يرتبك فيها قرار، فلا دولة بلا شعب آمن.
•الفقر والجهل والمرض.. وأنها تعتبر حربها معهم حرباً قومية يشارك فيها المجتمع كله وفق مشروع ورؤية واعية مفتوحة الأفق تضعها وتعلنها وتدعو إليها وتهدف لتحقيقها فى مدى زمنى مدروس ومحدد.
•الإهمال والفوضى والتدنى الأخلاقى فى المجتمع.. وأنها تدرك أن الانتصار فى هذه الحرب لن يأتى بالموعظة الحسنة بل بالمثل الحىّ الذى تقدمه هى فى أجهزتها ومؤسساتها وقادتها، والذى تقدمه النخبة بكل أطيافها.
ثالثاً: أن رؤيتها ومشروعها يتضمنان:
•أن العدل أشمل من القانون وأن السلام الاجتماعى يقوم على العدل لا على تطبيق القانون وحده.
•أنها تدرك أن الشعب هو الظهير الحقيقى القوى والوحيد لأى إدارة سياسية.. وأنه يظل ظهيراً داعماً للإدارة السياسية مادامت تحقق مصالحه العامة وترعاها.
•أنها تعتبر بوضوح أن الأغلبية والمعارضة أصوات وطنية.
•أنها ترى أن الاستسلام لحرب الحاضر مع الماضى لن يدفع ثمنه إلا المستقبل، وبالتالى فهى تفتح المجال كاملاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لمن يطرح رؤية أو يضع قدماً إلى الأمام لا لمن يستغرق ويغرق المجتمع فى حسابات الماضى أو محاولة إعادة إنتاجه.
•أنها تعلم أن ما تفعله (أياً كان) هو ما سيفرض نفسه على وسائل الإعلام وبالتالى على مواقع ومواقف الإعلام تجاه الإدارة السياسية.
•أنها واعية لكونها دولة نشأت كنتيجة لمرحلة ثورية لها طبيعتها وتحدياتها العنيفة وأنها مستعدة لاستيعاب ذلك وقادرة بما تفعله على العبور بحالة الثورة من مرحلة الرفض أو الغضب أو الرغبة العارمة فى التعبير إلى مرحلة فتح كل طريق لمن يملك أفكاراً للتغيير العام وإرادة للتغيير الذاتى وقدرة على المشاركة فى الفعل وفى المسئولية.. وهو الذى مازال حتى اللحظة إما غائباً أو ضائعاً أو عاجزاً، تستوى فى ذلك مسئولية الجميع عنه، دولة ونخبة وشعباً.
والمؤكد أن رسائل الدولة لن يكون لها معنى ما لم تكن هناك بيئة وبنية إعلامية تشريعية تضمن حرية الصحافة والإعلام وتحدد مسئولياتهما تجاه المجتمع مع التزام الدولة بشفافية المعلومات وتدفقها وحق تداولها إلى جانب تحديد طبيعة ودور إعلام الخدمة العامة الذى يملكه الجمهور العام ولا تحكمه الدولة ولا يخضع لتدخل سياسى ولا ضغوط تجارية.
•الإعلام
لن يستطيع الاستمرار عكس اتجاه واحتياجات وعى اجتماعى عام، أو متخلفاً عن واقع عالمى تغير (ليس فى السياسة فقط وإنما فى كل شىء).. وقد يكون الوعىّ الاجتماعى قاصراً أو مشوشاً لكن نفْى العصمة عنه لا ينفى وجوده.
و من نقاط الطريق إلى إعلام آخر:
•أن تكون اتجاهاته واضحة وسياساته التحريرية معلنة وتمويله شفاف.. فمن حق الجمهور أن تقول له من أنت ليعرف كيف يستقبل ما تقدمه.
•أن يكون صناعة لا تجارة والفارق كبير سواء فى نوع الرؤية لطبيعة هذا المجال أو النظرة إليه، أو فى الهدف منه والجدية فى التعامل معه، أو فى تحديد أفق القدرة على الاستمرار والنمو والتطور والاستجابة لأى متغيرات جديدة، أو حتى فى إطار حجم ونوعية الاستثمار.
•أن يعيد الاعتبار إلى المعلومات التى هى أصل المهنة والدور.. لا أن يواصل اغتيالها أو إهدارها أو تشويهها بطغيان الانطباعات والآراء، جهلاً أو كسلاً أو عمداً.. بل يجب أن تكون لديه قدرة السعى للحصول على المعلومات وتحمل مسئولية تدقيقها، حتى لا يصبح مجرد منصة إطلاق مزيج من الشائعات أو أنصاف الحقائق وطوفان التعليقات والمواقف المشوشة.
•أن يملك إرادة اكتشاف الأفكار والشخصيات المبدعة وأن يوقن أنها شرط من شروط البقاء والتأثير والمنافسة ويعتبرها مغامرة واجبة لا تحول دونها اعتبارات الربح أو الخسارة أو التكاسل.
•أن يعلى قيمة التخصص ويحترمه، فى السياسة كما فى الفن، وفى الدين كما فى العلم، فلا يفتى أو يتحدث جاهل أو أفاق أو مدعٍ أو نصف متعلم أو عابر سبيل.. ولا تختزل كل أشكال وأنماط المحتوى فى وعاء واحد فيه شىء من كل شىء، ناقص وسطحى ومتعجل وربما مشوه أيضاً.
•أن يدرك ضرورة مشاركة الجمهور فى صناعة إعلامه، ليس بمعنى أن يظهر فيه أو يتداخل معه أو يصل صوته من خلاله مباشرة.. بقدر ما هو بمعنى أن يقوم الإعلام فى الشكل والمحتوى والنوع على قياس حقيقى ودراسات علمية لأنماط الجمهور ومصالحه واحتياجاته ورغباته، بحيث لا يصبح الإعلام جزيرة منعزلة أو إرسالا بلا استقبال أو وسيلة توجيه، أياً كان هدفها أو ما تدفع إليه أو أداة ترويج لذوق معين أو نمط بعينه.
•أن ينفتح على تجارب العالم والإنسانية بكل أحداثها وآفاقها وظواهرها وإبداعاتها وشخصياتها ومجالاتها، ولا يسجن مجتمعه داخل تخلفه ومشاكله وحدوده الجغرافية والفكرية وإلا حكم على نفسه بأن يظل إعلاماً محلياً فى أضيق مساحاته وهى حالة تجعل نظرته للدولة وللجمهور خطيئة لا يمكن التسامح معها، فهى إهانة للمكون الحضارى المصرى وحرمان متعمد للجمهور من حقه فى المعرفة والتفاعل مع العالم والتعلم منه.
وباختصار يجب أن ترى مصر العالم، ويرى العالم مصر بالحجم والتأثير الذى تتطلع إليه.
•أن يعى أن موقعه من الإدارة السياسية.. اقترابه منها أو ابتعاده عنها.. دعمها أو معارضتها، يكون بقدر اقتراب أو ابتعاد هذه الإدارة عن مصالح الرأى العام واتجاهاته.. وإذا كان «الحياد» تعبيراً نظرياً «فالموضوعية» ليست كذلك و«الانحياز » لمصالح الأغلبية العظمى شرف ومصداقية.
•أن يكون فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد والمكون الاجتماعى وسيلة لوصول صوت الفقراء والضعفاء والأقليات.
•أن تنعكس فيما يقدمه قناعة حضارية بأن المختلفين ليسوا شياطين.
•أن يؤمن بأن الدين ليس لعبة سياسية ولا سوطاً لردع الناس ولا عصا يسوق بها أحد المجتمع إلى أى اتجاه أياً كان الطرف الذى يستخدمه.. وأن القيم والمثل العليا والدعوة للخير والحق والعدل والجمال ليست حكراً على الإسلام، بل هى ما جاءت به كل الأديان السماوية بل بعض المذاهب الفلسفية.. وعليه أن يسعى قدر طاقته إلى أن يكون نافذة للأخلاق ومدرسة للقيم فى وقت تردت فيه الأولى وغابت الثانية، وأصبحنا فى مجتمع يحتاج إلى «القدوة» يومياً وفى كل شىء تقريباً ويتصور الجميع (بما فى ذلك الإعلام نفسه) أنها نادرة.. وهذه حالة تزيد من تصدير الضياع والتيه والإحساس الجمعى باليتم والشك، بينما نحن نعيش مرحلة أحوج ما نكون فيها للثقة واليقين.
•ألا يستمرئ حالة الاغتيال المعنوى المستمر للشخصيات العامة أو ينصب نفسه حكماً وقاضياً طوال الوقت، فالشخص العام ليس إلهاً حين نريد له ذلك وليس شيطاناً حين يخطئ.. واستمرار وترسيخ حالة الاغتيال الإعلامى المعنوى للشخصيات هى استنزاف عنيف ومنظم لثروة حضارية، تواصل على مدار عقود حتى تضاءل تأثير مصر فى محيطها سياسياً وفكرياً، وصولاً إلى الفن والرياضة، حتى وصلت خارجياً – فى لحظة ما – إلى مرحلة العجز وداخلياً إلى مرحلة «التمثل بالأدنى» حيث تسود وتنتشر وتؤثر النماذج والمستويات والسلوكيات والأذواق الأردأ والأحط فى كل شىء.
•أن يستوعب أنه لا مستقبل له ما لم يكن إعلاماً شاباً فى دولة يجب أن تكون كذلك.. وهذا المعنى لا ينسحب على الشريحة العمرية لصناعه ومقدميه فقط، بل الأهم أن يتأكد فيما يقدمه من أفكار وأشكال إعلامية.
•أن يتعامل باهتمام وجدية مع حقيقة أن مصر ليست هى القاهرة ولا ينبغى أن يظل الإعلام مصمماً على ذلك، فالمكون الثقافى والاجتماعى والحضارى بل والاقتصادى للدولة أكبر وأهم بكثير من أن يتم اختزاله فى العاصمة فقط، بل إن مسارات التغيير وشروط التقدم تستوجب أن يعيد الإعلام توزيع اهتماماته بحيث لا يظل يتعامل مع الأقاليم المصرية على أنها مجموعة محافظات تعانى من مجموعة مشاكل تتطلب عون العاصمة المركزية وتدخلها.
•أن يدرك أن التحدى القادم من حيث المنافسة والتأثير هو نوعى وليس كمياً وبمعايير الجودة الأعلى والقدرة على الاكتشاف، وعلى أن تسبق منافسيك ولو بخطوة.. وأن الكيان الإعلامى القادر على النجاح والاستمرار والتأثير ليس بالضرورة هو الأكبر حجماً أو الأكثر عددًا فى أذرعه الإعلامية بل الأكثر ذكاء وقدرة على التفاعل مع والاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعى التى فرضت تحديات كبيرة على الإعلام التقليدى بل ستعيد تشكيل دوره.
• الإعلاميون:
فى تقديرى فإن عدداً ليس قليلاً من الإعلاميين لن يكونوا قادرين على الاستمرار فى المستقبل القريب، إما لخلل فى القدرات أو لأنهم ظواهر ارتبطت بظروف معينة ستنتهى اليوم أو غداً.. وبقدر ما أصبح الوصول إلى منصات مخاطبة الجمهور سهلاً بقدر ما ستكون معايير المنافسة وحتمية التغيير حاكمة فى تحديد من يستطيع أن يستمر ويطور نفسه.
وربما يكون أهم ما يمكن أن يدركه الإعلاميون أنهم ليسوا خطباء ولا زعماء.. فقد مرت سنوات اختلطت فيها الأدوار ولم يعد الاستمرار فى خلط الأدوار وتداخلها من مصلحة الجمهور ولا المهنة ولا الإعلاميين أنفسهم ممن يتصلون بالجمهور مباشرة، لأن لذلك عدة مخاطر:
أولاها: أنه يفتح الباب أمام أفاقين ومدعين وجهلة وأصحاب أغراض مريبة وأدوات لغيرهم، ليجلسوا على نفس المنصة ويلعبوا نفس الدور تجاه رأى عام لا يملك بعد قدرة كافية للتقييم والفرز.
وثانيتها: أن دور الخطيب والزعيم يغرى الإعلامى بإسقاط الموضوعية والتحول للتعبير عن نفسه شخصياً ويجعله يضع حسابات فقدانه لجماهيره عنصراً حاكماً فلا يسعى للحقيقة بقدر ما يسعى لتقديم نمط أو سلعة تلقى إقبالاً جماهيرياً بصرف النظر عن نوع تأثيرها أو درجة فسادها أحياناً.. فضلاً عن أنه يشجعه على القيام بأدوار سياسية أو برلمانية أو قبول مناصب عامة وهو ما يسبب كثيراً ازدواجاً فى الهوية أو الولاء أو تعارضاً فى المصالح.
وثالثها (وهو الأخطر ): أن قيام الإعلاميين بدور الخطباء والزعماء يغرى الإدارة السياسية باستخدام الإعلام كطريق سهل ووحيد للتعبير عنها أو لإدارة أزماتها أو لملء فراغ قائم، ويجعلها تتصور أن النموذج التعبوى يمكن أن ينسحب على كل قراراتها باعتبار أننا فى مرحلة استثنائية وهذا خطر على المدى الأبعد إضافة إلى أنه يحمل الإعلام ما لا يستطيع ولا ينبغى أن يتحمله ويجعل الإدارة السياسية تركن إليه بدلاً من القيام بدورها الأساسى فى فتح طريق وصنع مناخ داعم لبناء حياة سياسية قوية من خلال أحزاب وقوى ومجتمع مدنى.
وهنا يمكن القول إن مثلث السياسة / الثروة / الإعلام يجب أن تكون هناك خطوط فاصلة وواضحة بين أضلاعه لمنع الاستخدام الفاسد.
قد يكون كل ما ورد هنا مجرد تصورات أو مبادئ عامة لو كانت فى اتجاه صحيح فإنها لن تجد طريقاً للتحقق، إما لأن الواقع العملى صعب ومعقد ومترسخ (وهذا صحيح )، وإما لأن هناك من سيقاومها (وهذا صحيح أيضاً )، ولكنها – فى تقديرى – واجبة لحدوث تغيير جذرى مطلوب وسيحدث حتماً.. وإذا لم يكن الإعلام القائم جزءاً منه فسيكون قد وضع نفسه – كما ورد سابقاً – فى دائرة السقوط أو الانفجار داخلياً.
وإذا كان السعى لوضع تشريعات إعلامية تضمن الحريات وتحدد المسئوليات تجاه المجتمع هو خطوة مهمة لإنهاء عصر الإعلام الذى يعمل فى إطار اللاقانون واللاتنظيم، فإننى أتوقع أيضاً ظهور كيانات إعلامية جديدة بمقاييس مختلفة فى أنماط الأداء والملكية تكون نقطة البدء فى طريق إلى إعلام آخر.
نقلًا عن “الشروق”
متأكّدٌ أنّك تعرف الحاوي “توفيق عكاشة”؟!
أحمد عبده مراد : مأساة صحفي معاق
مصطفى يسري: عزيزي طالب الإعلام!!