مع دقات الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل القاهرة يوم 29 أبريل عام 1998، كان المصريون يتحلقون في منازلهم حول شاشات القناة الأولى الأرضية التي تأتيهم عبر “إريال” (هوائي) معدني، مُثبت أعلى أسطح العمارات أو في البالكونات، وعلى المقاهي، في انتظار إطلاق القمر الصناعي المصري نايل سات 101، وكانت نقلة نوعية بمعنى الكلمة للإعلام المصري بل والعربي بكل تأكيد.. وقتها خرج صفوت الشريف الذي كان وزيرا للإعلام وقتئذ، ليطرح بكل كبرياء وثقة مصطلح “الريادة الإعلامية”، وقد وجد هذا المصطلح عدة تفسيرات وتأويلات.. وهذا موضوعنا…
***
منذ نحو عامين تعرفت على موقع إعلام دوت أورج، وكانت معرفة رائعة؛ إذ كان أول انطباع لدي “ما هذه الفكرة الذكية المعاصرة؟!”، بعدها بفترة ليست بالطويلة ساعدني صديق في التعرف على رئيس تحرير الموقع الصديق محمد عبدالرحمن؛ حيث كتبت مقالة تتناسب مع طبيعة عمل الموقع، وكان الرد من رئيس التحرير مفاجئا ومشجعا في الوقت نفسه، فقد رحب واستحسن.
وما لبث هذا الموقع المميز أن يتحول إلى واحدة من المنصات الإعلامية البارزة والحاضرة بقوة على المشهد الإعلامي، رغم صعوبة التمويل وتحديات الإنفاق، لكن ذلك لم يقف عائقا أمام التطوير ومواصلة التقدم والريادة الإعلامية بحق.
***
من هذه الكلمة الأخيرة كان حديثي دائما مع عبدالرحمن أنه رائد أعمال “Entrepreneur” في مجالنا الصحفي؛ وهذه هي الريادة الإعلامية الحقيقية بعيدا عن ريادة صفوت الشريف التي كان يقصد بها وقتها ريادة مصر من حيث تحكمها في فضاء الإعلام العربي وشمال أفريقيا، ريادة الشريف كانت تشير أيضا إلى القبض بيد قوية على مفاصل الإعلام، فلا يصل إلى المتلقي أي معلومة دون أن تمر على الطابق السابع في مبنى ماسبيرو، ولا يتحدث إعلامي في السياسة قبل أن يتم إعداد تقرير أمني وليس مهنيا عنه.
غير أن الريادة التي نقصد بها إعلام دوت أورج، هي التميز والسبق في طرح المحتوى الخبري بصورة معاصرة تتعامل بذكاء مع معطيات العصر الرقمي، وتواكب التقنيات المتعددة المُستخدَمة في هذا المجال، كما تساير أحدث الموضوعات وتتناول بالعرض والتحليل آخر القضايا الإعلامية. هذه الريادة تتحقق في إعلام دوت أورج، وقد بات الكثير من الصحف ووسائل الإعلام تعاني ردة إعلامية وتراجعا غير مسبوق على مستوى الأداء أو المهنية، فتحولت الصحف إلى أبواق ناعقة لمن ينفقون عليها أو يمولونها، فيما لجأت أخرى إلى المعارك المبتذلة، التي تهين المهنة ولا تسمو بها.
سيقول قائل: “هناك تجارب سابقة سواء كانت مجلات خاصة بالمهنة والوسط أو حتى صفحات متخصصة في جرائد أسبوعية ويومية”، لكن الواقع يؤكد أن أيا من هذه التجارب لم ترق إلى مستوى الاستقلال الذي يتمتع به إعلام دوت أورج، فكلها كانت إما مجلات تستند على آلة إعلامية ضخمة أو مؤسسة صحفية عملاقة، فهناك مجلة “الإذاعة والتلفيزيون” الصادرة عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أو أنها لا تعدو كونها صفحة يتم نشرها “على ما تفرج”، تحت مسميات عدة “شارع الصحافة” أو “الشارع الصحفي” أو غيرها من المسميات، وهي أول صفحات يمكن التخلص منها وتأجيلها “مُبيّت” إذا ما وقع حدث ما أو حتى تم بيع الصفحة كإعلان.
***
تجربة إعلام دوت أورج ترقى لأن تكون نموذجا في هذا النوع من الريادة الإعلامية، فالموقع الذي بدأت فكرته بنشر أخبار الصحفيين ووسائل الإعلام والصحف ومشكلاتها، انتقل بعد ذلك ليكون فاعلا رئيسيا في مختلف الميادين داخل القطاع الإعلامي، فأي معلومة يود متصفح الإنترنت أن يعرفها عن أي صحيفة أو إعلامي شهير أو عن المشاجرة التي وقعت في أحد برامج التوك شو، أو حتى تقييم الإعلانات والأعمال الدرامية والسنيمائية، تجدها كلها حاضرة في إعلام دوت أورج. بل وامتد التميز إلى طرح استفتاءات وتقييمات للأعمال بناءً على وجهات نظر المحرريين ذوي الخبرة، ومؤخرا توظيف التقنيات في طرح منتجات صحفية غير مسبوقة، أحدثها “كاريكاتير gif”.
***
لم يعد هذا الموقع الذي يتمتع ببساطة الاسم والشعار، مجرد واحد من المواقع التي تعج بها شبكة الإنترنت، بل وضع قدما راسخا في الساحة الإعلامية، وتمكن القائمون على الموقع من خلق مساحة من الثقة مع مختلف القراء، فلم يحدث أن طرح الموقع خبرا مفبركا، بل عانى كثيرا من سرقة الأفكار والمحتوى، في وسط صحفي إنترنتي يستحل كثيرون فيه سرقة الأفكار والمواد الصحفية وتنعدم فيه الأمانة عند النقل أو الإسناد المصدري للمعلومة.
إعلام دوت أورج نجح بصدق- من وجهة نظري- في أن يكون منصة إعلامية شاملة، تثير اهتمام القارئ والمتابع للمشهد الإعلامي، وكذلك استقطب اهتمامات العاملين في المهنة.
قد يرى البعض أن السطور السابقة مجاملة أو تحمل قدرا من الإشادة والإطراء على موقع إعلام دوت أورج، لكني لا أراها سوى شهادة تنطلق من قاعدة “اعط كل ذي حق حقه”، فالواجب المهني يحتم عليّ أن أسرد ما سبق، وأن يكون ذلك شهادة ربما لا تكون محايدة، لكن المؤكد أنها منصفة لشباب يؤمنون بما يفعلون فيحققون النجاح الذي يأملون.
كل عام وإعلام دوت أورج في تميز وتقدم.