نقلًا عن المصري اليوم
بلغ مهرجان القاهرة 40 عاما، ولا أدري كيف لم نحتفل بتلك المناسبة، وبالطبع سقطت ثلاث دورات من عمر المهرجان، فكان ينبغي لو مرت الأمور بلا عثرات أن نصبح بصدد الدورة رقم41، دورات ((80 19))و((2011)) و((2013))، الأولى سقطت لخلاف بين جمعية كتاب ونقاد السينما التي كانت وقتها تُقيم المهرجان، ووزير الثقافة منصور حسن، لاعتراضه على ماحدث من سوء تنظيم في دورة 79 ورفض منحهم الموافقة فتم استبدال الحدث العالمي بتظاهرة محلية للتسابق بين الأفلام المصرية، بينما أخر دورتين سقطتا في أعقاب ثورة 25 يناير.
نصيينا من جوائز المهرجان يصل إلى أكثر من 70 % بالقياس لعدد دوراته، العام الماضي خرجنا بلا جائزة، كثيرا ما كانت تحاط جوائز المهرجان بالكثير من التساؤلات التي تصل لحدود الاتهام بمجاملة السينما المصرية، هذه المرة توقعت الجوائز وحددت نصيبنا الممكن منها وكتبت قبل إعلانها في تلك المساحة بعنوان (( مصر خارج قائمة الجوائز إلا إذا )) وأوضحت ما الذي تعنيه إلا إذا .
كتبت نصا، السؤال الذي يتردد وسنستمع إلى اجابته مساء اليوم يعلنها رئيس لجنة التحكيم المخرج الألماني كريستيان بيتزولد، هل تفوز السينما المصرية بجائزة؟ لا نصيب لنا في الجوائز، إلا إذا، الأفضل لا يزال ((قطار الملح والسكر)) انتاج موزنبيق والبرتغال اخراج ليسينو أزيفيدو، و(( شخص ما للتحدث إليه )) الصين اخراج يولين ليو، و(( الفتى القطبي ))استونيا اخراج أنو أون و(( ميموزا)) انتاج المغرب واسبانيا وقطر وفرنسا اخراج أوليفر لاكس، أتصور أن الأمل الوحيد للسينما المصرية، هو جائزة التمثيل نساء لناهد السباعي أو الهام شاهين، في (( يوم للستات )) كاملة أبوذكرى، الأفلام الأجنبية الأخرى لديها تفوق واضح في عناصر الإخراج والسيناريو والمونتاج والتصوير، وحتى في التمثيل، لاشك أن بطلات الأفلام الأربعة تنافسن بقوة، ولهذا فإن الجائزة مرهونة ب (( إلا إذا)).
قاعدة البلد المضيف وحصوله على جائزة من المهرجان،لا أظنها صالحة للتطبيق هذه المرة، نعم في بعض المهرجانات، يحدث نوع من الموائمات وقد تُطل السياسة برأسها، لتمنح الجائزة بُعدا أخر، ولكن يقيني أن المهرجان لا يمارس أي ضغوط أدبية على أعضاء لجنة التحكيم والأمر في النهاية رهن رؤيتهم وقناعاتهم.
كنت أرى فقط أن تلك هي الجائزة الممكنة وكتبت أسم ناهد السباعي سابقا بطلة ومنتجة الفيلم الهام شاهين في الترشح للجائزة، رغم أن ناهد حل ترتيبها الخامس أو السادس على التترات بينما إلهام تصدرت الأسماء، لاشك أن الهام ممثلة موهوبة وهى أيضا تدخل المعركة للدفاع عن السينما المصرية ،تدفع من أموالها لتضخ الحياة في السينما التي تتعثر بينما النجوم يكتفون بالتباكي على حالها، أدت الهام دورها شامية بدرجة ملحوظة من الألق والتفهم بكل التفاصيل، ولكن دور عزة الذي لعبته ناهد السباعي، يمنح الممثل لو كان موهوبا طاقة إبداعية أرحب لتعدد مستوياته، وبالفعل من خلال مخرجة مثل كاملة أبوذكري تُجيد فن قيادة الممثل، كان لناهد حضورها الطاغي على الشاشة ،كما أن المونتاج النهائي لم يظلمها ،والذي انحازت فيه كاملة لصالح الهام على حساب الشخصيات والخطوط الدرامية الأخرى إلا أنها نظرا لعمق دور ناهد ولأنها كانت كما يبدو في حالة انبهار بأداء ناهد فكان من الصعب تقليص مشاهدها.
بالطبع الأجانب في لجنة التحكيم، يشكلون الأغلبية العددية ،ولن يضعوا تاريخ النجم ولا ترتيبه على الأفيش في التقييم الدرامي، ربما المصريون والعرب وهم أروي وهاني خليفة وصبا مبارك، أكرر ربما أرادوا منح الجائزة لإلهام، بينما باقي الأعضاء كان لهم رأي أخر ،لو كنا بصدد مهرجان مصري أو عربي، لمالت الكفة لصالح الهام ومنحت ناهد جائزة الدور المساعد، سبق فعلا لإلهام أن تعرضت قبل قرابة 20 عاما لموقف مشابه في المهرجان القومي للسينما المصرية، وقررت اللجنة في البداية منحها جائزة أفضل ممثلة في فيلم (( يادنيا ياغرامي)) اخراج مجدي أحمد على وتدخل سعد الدين وهبه بصفته رئيس لجنة التحكيم لتغيير الدفة ناحية ليلي علوي، مستندا إلى أن عدد مشاهد ليلي علوي أكثر، والفيلم كان عنوانه في البداية (( بطة وأخواتها)) وأن ليلي هي بطة، وحصلت ليلي بالفعل ،على جائزة احسن ممثلة وتقرر وقتها كنوع من الترضية منح الهام جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
كان ولا يزال رأي أن (( يوم للستات)) كعمل فني برغم تحفظاتي جدير بتمثيل مصر ولكنه عندما يقف في مقارنة مع الأفلام الأربعة التي ذكرتها ستتفوق عليه سينمائيا.
فيلم الهرم الذهبي (( ميموزا))لمخرجه ذي الأصول المغربية أوليفر لاكس الفيلم في البداية يقدم بالحوار رواية عن ابليس الذي رفض السجود لله ولهذا ينقسم لثلاث مقاطع تحاكي الصلاة الركوع والقيام والسجود، والجثة التي تصبح محور الأحداث تصاحبها بين الحين والأخر تراتيل دينية، حتى نصل في الذروة إلى نداء ((لبيك اللهم لبيك ))الذي نردده في طقسي الحج وصلاة العيد.
الفيلم به سحر على مستوى الصورة والشريط الصوتي، كما أن بطل الفيلم شكيب بن عمر، منحت له جائزة أفضل ممثل .
الهرم الفضي كان من نصيب (( قطار الملح والسكر))، وهو من الأفلام التي تجمع بين الحرب ومشاعر البشر وتلك التناقضات التي تحركها صوت النيران وتدفق الدماء والجائزة حصل عليها المخرج ليسينيو أزيفيدو، الذي برع في تنفيذ اللقطات بجانبيها التقني والإنساني، كما أن السيناريو الذي شارك في كتابته، لم يغفل ابدأ تحليل المشاعر، وكيف تتعانق تلك التفاصيل، المخرج قدم فيلما يتناول الحرب الأهلية في موزنبيق خلال الثمانينيات، من خلال أزمة عاشوها وهى ندرة السكر فكان يتم تبادله بالملح بين بلده أخرى، الفيلم يدين بأحداثه بشاعة الحرب التي تحيل البشر إلى ذئاب لا ترى سوى النهش والدماء ويبرز الجنس، الذي يعلن عن سطوته من خلال شخصيات تتأجج فيها الغريزة على وقع طلقات الرصاص، ويبقى من وجهة نظري أن لدينا فيلما (( الفتى القطبي)) كان جديرا بجائزة السيناريو حيث يتناول مرض ((الثنائية القطبية )) الذي يدفع المصاب به إلى الازدواجية والتناقض الحاد في المواقف، البطل احب البطلة إلى درجة أنه تماهي مع المرض الذي تعيشه، ولهذا فإن الرسالة التي يحملها الفيلم هي أننا جميعا مرضى بتلك الثنائية، مهما تعددت الدرجة، بداخلنا تلك المشاعر المتباينة التي تصل إلى حدود التناقض، الفيلم الثاني الذي أرى جدارته بالجائزة (( شخص ما للتحدث إليه ))للمخرجة الصينية يولين ليو، التواصل المفقود هو العمق، حيث أن الشخصيات في الفيلم تعاني من الخرس الطوعي، والحكمة أننا نعذب أنفسنا لأننا نعيش في الماضي، البطل الرئيسي، يريد قتل زوجته الخائنة ويصبح كل ما يوجه إليه طاقته هو الماضي بينما الفيلم يدعوه ليعرف أن الحياة هي المستقبل.
نعم أخذنا نصيبنا من الجوائز، ولم نكن نستحق ما هو أكثر من جائزة التمثيل، كانت الهام شاهين تُدرك كمنتجة وبطلة أن ناهد السباعي تستحق أن نُصفق لها !!