هذه المشاركة المحتشمة لا تشرف السينما المصرية العريقة بأسماء يوسف شاهين ومحمد خان وغيرهما، وبعد مشاهدة الفيلمين انتاب المختصون والنقاد نوع من الحسرة لمستقبل الفن السابع في هذا البلد، فـ”يوم للستات” الذي افتتح المهرجان للمخرجة كاملة أبو ذكرى وأنتجته إلهام شاهين كان سطحيا وتقنياته أشبه بفيلم مدرسي، ولعل أداء الممثلة ناهد السباعي في دور “عزة” شكل الحلقة الأقوى والأجمل في الفيلم، مقابل أداء النجوم على غرار نيللي كريم ومحمود حميدة وإلهام شاهين وفاروق الفيشاوي، هذا الأخير كان مجرد
كومبارس ويمكن الاستغناء عنه دون المساس بقصة العمل.
وسيناريو “يوم للستات” كتبته هناء عطية كان بمثابة الأساس الهش الذي بنت عليه كاملة أبو ذكري الفيلم، إذ غلبت عليه السطحية والمقاربات غير المنطقية، فمثلا السيدة “ليلى” (نيللي كريم) التي تعيش في بيئة فقيرة وعائلتها معدمة، تبيع العطور وهو أمر غير ملائم، وعلى الأرجح أن تشتغل شيئا أخر يناسب دورها وفق محيطها ونوع حياتها.
المشاركة العربية الشاحبة شابت أيضا الفيلم المصري “البر التاني” للمخرج على إدريس، وبغض النظر عن ما أثير من حديث وانتقاد ومن ثمة توضيحات بشأن كيفية وصوله للمسابقة الدولية الرسمية، فإن هذا العمل الذي صنع صاحبه دعاية منقطعة النظير وسياسة ترويجية محكمة، غير أنه وقع في الماء وانطفأت شرارته فور نهاية عرضه، وكسب استياء الجمهور المصري ومعظم النقاد العرب اصطدموا بهشاشة السيناريو وبأداء الباهت للممثلين، أما الحديث عن الكادرات وزوايا التصوير فتلك مصيبة أخرى.
والفيلم يعالج ظاهرة الهجرة السرية لشباب مصريين يجازفون من أجل حياة أفضل يتمنونها في الغرب وتحديدا في إيطاليا، والموضوع صراحة استهلك من قبل عدد كبير من المخرجين ولعل المخرج علي إدريس أخرهم، لكنه لم يضف أي جديد بالنسبة لهذه الظاهرة التي يعرفها الجميع بتفاصيلها أو يمتع الجمهور بقصة متميزة، وضخ أموال ضخمة (بلغت نحو 25 مليون جنيه) من أجل تصوير استثنائي في البحر المتوسط واستعمال باخرة لمجريات هذه المغامرة، لم ينسج قيمة جمالية وإبداعية راقية للأسف.
من جهته، تعثر الفيلم الجزائري “وقائع قريتي” للمخرج عبد كريم طرايدية المشارك العربي الوحيد في المسابقة الرسمية، إلى جانب مصر، في ترك الأثر على مهرجان القاهرة السينمائي الـ38، ويتسم هذا العمل بالرتابة، ونزول إيقاعه في فترات متفاوتة من زمن الفيلم، الأمر الذي يربك المتلقي ويشعره بالملل. يسلط الفيلم الروائي الجزائري “وقائع قريتي” الضوء على حياة عائلة تعيش في قرية بسباس بالشرق الجزائري، في زمن الثورة التحريرية، وتدور وقائعه حول الطفل “بشير” الذي تفاجأ بعدد من الحقائق التي تخص أسرته وقريته، جعلته يفهم الأمور ويصحح أفكاره السابقة، هذه القصة البسيطة تحمل الكثير من الرمزية والتساؤلات حول المحتل والثورة والاستقلال.
واختار المخرج مشاهد مختلفة، أبانت جمال طبيعة المنطقة، وركز على المشاهد الثابتة ويظهر لعب الممثلين والحوار، ولم يكلف طرايدية نفسه عناء التصوير المقرب للملامح، باستثناء بعض المشاهد للطفل “بشير” لكن دون أن توحي بأي معنى، وحافظ المخرج على تقديم لوحات جميلة وغفل عن جدواها في البناء الدرامي للفيلم.
وتفوقت الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان على نفسها، وأظهرت حضورا ملفتا في أداء دور الجدة، كما تمكنت الممثلة الشابة موني بوعلام من تقديم دورها بصدق، والأمر نفسه بالنسبة لمحمد طاهر زاوي مؤدي دور “تشيشة” الذي شكل دور الشعب المطالب بمستقبل أفضل وحياة كريمة.
جدير بالذكر أن أفلام أوروبا الشرقية لمع نجمها في هذه الدورة، متفوقة بذلك على العديد من المدارس السينمائية المشاركة، وحققت نجاحا ملفتا خلال هذه الدورة، على الأفلام العربية التي خابت.