لهذه الأسباب.. فيلم الجزيرة عن "العساكر" طلع فنكوش

فاتن الوكيل

من المؤكد أن فيلما عن الجيش المصري، مدته ساعة على قناة لم يعد المواطن المصري يثق فيها، لن يؤثر بالسلب على تاريخه وقوته، أو التأثير في نفسية ضباط وجنود القوات المسلحة، لكن الفيلم الوثائقي -إذا صحت له هذه التسمية- الذي عرضته قناة الجزيرة، مساء الأحد 27 نوفمبر، بعنوان “العساكر”، اكتسب هالة كبيرة، ليس عن طريق ترويج القناة القطرية له، لكن بسبب الاهتمام المبالغ فيه من الإعلام المصري، الذي استبق عرض الفيلم بحملات من الهجوم على القناة، لفتت انتباه المشاهد، الذي لم تعد الجزيرة بتقاريرها وأفلامها الموجهة ضد الدولة المصرية، تعنيه في شيء.

“الفنكوش” هذا المصطلح الذي أعاده حكم الإخوان إلى الحياة مرة أخرى، نجده ينطبق بشدة على فيلم “العساكر” الذي قدمته الجزيرة.

الغريب أن استوديو “الجزيرة مباشر” حاول تبرير عرض الفيلم، بأن هناك أفلام سينمائية مصرية تناولت علاقة الجندي بالضابط داخل الجيش، وعرضت القناة لقطات من فيلمي “البريء” و”الإرهاب والكباب” قبل عرض فيلمها. تجاهلوا خلال المناقشة أن هذه الأفلام قام صناعها بتصويرها في مصر، وعرضت في سينمات مصر، وليس من استوديوهات الدوحة.

وتهدف إلى مراجعة الذات لمصلحة الوطن، والأهم “من داخل الوطن”، وليس للمكايدة السياسية، كما تفعل الجزيرة القطرية الآن.

يوضح إعلام دوت أورج في عدة نقاط، الأسباب التي تجعل فيلم الجزيرة “العساكر” من أضعف الأفلام الوثائقية التي تم إعدادها في الفترة الأخيرة، وأقرب إلى كلمة “فنكوش”، وهي كالتالي:

1- اعتمد الفيلم بنسبة كاسحة على “مشاهد تمثيلية”، حيث كُتب ذلك أعلى كل مشهد. وهي المشاهد التي عرضت في “برومو” الفيلم، وجذبت انتباه وأثارت استفزاز المتابع، متصورا أنها حقيقية وتم تصويرها خلسة من داخل المعسكرات. بالإضافة إلى مقاطع من اليوتيوب، لجنود يحتفلون بانتهاء فترة تجنيدهم، منتشرة منذ فترة كبيرة.

2- اللقطات التي كتب أعلاها “مسربة” تم تصويرها في الغالب عن طريق كاميرا موبايل. ومع استفزاز الكلمة، التي تُشعر المتفرج وكأن الجيش تم اختراقه، تجد معظم هذه المشاهد، من داخل فندق تابع للقوات المسلحة، أو صورت لبعض المجندين على طريق عام، ومن أمام منافذ خدمة المواطنين التابعة للقوات المسلحة، التي توزع من خلالها بعض المنتجات، وبذلك يفقد الفيلم أهم العناصر التي أوهم بها المشاهد، وهي أنه استطاع اختراق وحدات الجيش.

3- أحد المتحدثين أكد أن الدبابة التي تدرب عليها ترجع إلى الستينات، في إشارة إلى أن أسلحة الجيش متهالكة، وهي مغالطة تتناقض مع التطوير الكبير في تسليح الجيش خاصة في الفترة الأخيرة. كما أننا لم نر وجه المتحدث، ولم نعرف عمره، وفي أي عام التحق بالجيش. لكن مرة أخرى يعود الشعور أن هذه النقطة غير موجهة فقط للمشاهد، ولكنها رسالة استفزاز واضحة لقيادات الجيش ليس إلا.

4- الفيلم الذي أكد صناعه على أنه لا يُسيء إلى الجيش المصري، اعتمد في جميع المشاهد على روايات من شخصيات مجهولة، لم تذكر اسمها، من بينهم أشخاص تم تعريفهم بـ”ضباط احتياط” ظهر ظلهم وهم بالملابس العسكرية يجلسون على مكاتبهم. ومع استحالة تصوير لقاء مثل هذا من داخل الوحدات العسكرية، إذا لا يمكن اعتبار هؤلاء إلا أنهم مجموعة من الممثلين استعان بهم الفيلم وجعلهم يرتدون الملابس العسكرية وقت التصوير.

5- أحد المتحدثين المجهولين في الفيلم، قال إن الضابط أمرهم بالزحف على الأرض، مضيفا: “ودلق علينا تراب وميه.. بيدلق علينا ميه ليه معرفش؟”، هذا الحديث الساذج لا يُرد عليه إلا بمشهد من فيلم “العاصفة” جمع الفنان محمد لطفي وهو يوجه حديثه إلى “العسكري” هاني سلامة قائلا “انت في فرقة صاعقة مش في فرقة أيروبكس”.

6- اعتمد الفيلم على رأي نورفيل دي أتكين، “عقيد متقاعد في الجيش الأمريكي”، وهو عموما يرى الجيوش العربية ضعيفة وغير قادرة في المجمل على مواجهة إسرائيل. تحدث بسلبية عن الجيش المصري، متجاهلا التصنيف العالمي المتقدم لقوة الجيش، كما سخر من التدريب على الخطوة العسكرية، ولكن بمبالغة كبيرة، حيث تعتبر هذه التدريبات من أساسيات أي جيش في العالم، وليس بدعة اخترعها الجيش المصري.

7- ركز صناع الفيلم على تكرار بعض الجمل الرنانة مثل “يزلوا أنفاس أهله.. بنشتغل في اللاشيء.. إحنا أبناء القهر المشترك” مع عرض لقطات تمثيلية لمجند يقوم بتنظيف أرض المعسكر، وكأنه أمر مهين. تجاهل الفيلم أن المعسكر هو مجتمع مصغر، من المفترض أن يتعاون أفراده على خدمة أنفسهم بأنفسهم، وبالتالي اعتبار الفيلم بعض المشاهد العادية من حياة الجندي المصري –الشاقة- بالطبع، أمر مهين، هذا هو العبث بعينه.

8- عرف صناع الفيلم أن المادة الضعيفة التي قدموها، خاصة في أول نصف ساعة من الفيلم، يجب أن يتداركوها بسرعة، عن طريق عرض بعض الشهادات غير الموثقة بأي دليل، سوى من ظل أحد الأشخاص المجهولين، وهو يؤكد أن أكثر البلاغات التي تلقاها طوال فترة خدمته تعلقت بانتحار المجندين خلال الخدمة، ولا مانع من إدخال صوت الشيخ إمام في مشاهد الفيلم، لجذب مزيد من التعاطف.

9- يريد الفيلم أن يضمن لنفسه البقاء لفترة أطول بعد العرض، وذلك بإقحام بعض اللقطات التي يظهر فيها إعلاميين مصريين يتحدثون إلى اللواء كامل الوزير أو الرئيس السيسي، خلال افتتاح بعض المشروعات، مثل الإعلاميين “يوسف الحسيني، خيري رمضان، إبراهيم عيسى”، حتى يضمنوا بعض الردود عليهم من إعلاميين عرف عنهم معاداة فكر الإخوان.

10- خلال المشاهدة تتعجب كيف تقوم مجموعة، عددها ليس بالقليل، بارتداء ملابس متطابقة لملابس الجيش المصري. يتجمعون في الصحراء، المحاطة ببوابات. هذا الأمر لن يخرج عن احتمالين، إما أن الفيلم تم تصويره خارج مصر، أو صُور على طريقة أفلام داعش بين الجبال. وفي كلا الحالتين هو أمر غير مشرف لصناع الفيلم.

11- بالرغم من أن جانب من رسالة الفيلم تهدف إلى الوقيعة بين الجنود والضباط، ودائما ما يُظهر المجند على أنه “خادم” للضباط وما إلى ذلك، تأتي جملة على لسان أحد المتحدثين المجهولين وهو يقول “العسكري هو اللي بيموت”، لكن الفيلم دون أن يدري، كذّب نفسه بنفسه، حيث يُختتم بصوت مقدمي النشرة وهم يعلنون عن سقوط شهداء من “الضباط والعساكر” نتيجة الأعمال الإرهابية المتكررة.

12- تجاهل الفيلم في نهايته حوادث الإرهاب في عهد حكم محمد مرسي، حيث وقعت مذبحة رفح الأولى في أغسطس 2012، وقت الإفطار خلال شهر رمضان، لكن الفيلم ذكر أن العمليات الإرهابية، بدأت في يونيو 2013، في إشارة إلى أنها رد فعل على إسقاط حكم الإخوان، وهو أمر مخالف للواقع.

13- للوهلة الأولى عقب انتهاء الفيلم، تشعر أنه غير موجه للمشاهد المصري أو حتى إلى “العساكر”، لكنه صُنع من باب “المكايدة” من قبل نظام يمتلك قناة الجزيرة، إلى النظام الذي حكم عقب إسقاط حكم الإخوان نتيجة لثورة 30 يونيو.

نرشح لك 

فيديو يكشف أساليب فبركة أفلام الجزيرة