عندما ظهر أحمد عدوية في منتصف السبعينات، انتقده المثقفون وفسروا أسباب إقبال الجمهور على الموسيقى التي يقدمها، بأنه أحد آثار سنوات الحرب على ثقافة المجتمع. وهو ما أوجد مجالا ليتقبل الناس وجود عدوية، وبعد مرور حوالي 40 عاما يُنظر لعدوية بشكل مختلف كأحد أهم مقدمي الأغنية الشعبية.
الشيء نفسه حدث بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، بعدها أصبح الوصول للقمة الفنية في مصر أسهل عن ما كان قبل الثورة، فعلها أوكا وأورتيجا وموسيقي المهرجانات، وكذلك صوفينار وبوسي ومحمود الليثي، وظهرت سينما ما تم وصفه بـ “خلطة السبكي” أو أفلام “المطرب والراقصة والبلطجي”.
حالة الخلط والاضطراب في شكل الإنتاج الفني بعد الثورة مازالت مستمرة، لكن أبرز نتائجها هو محمد رمضان الذي بدأ مشوار قفز خطوات النجومية في عام 2012 بفيلمي “عبده موته” و “قلب الأسد” ثم أتبعهما في عام 2013 بفيلم “الألماني” ليكمل ثلاثية أفلام البلطجة ويحقق نجاحا كبيرا يحاول النقاد فهم أسبابه حتى الآن.
كمشاهد، تعرفت على محمد رمضان للمرة الأولى عام 2006 في مسلسل “السندريلا” عندما قدم شخصية أحمد زكي، وهي تجربة لا تتطلب موهبة تمثيلية بقدر ما تتطلب موهبة في التقليد، المسلسل لم يصبه النجاح، وتلقي العديد من الانتقادات، ولم يضف أي شيء إلى أبطاله.
بعد عامين تعرفت على موهبة محمد رمضان للمرة الأولى في فيلم “رامي الاعتصامي” عام 2008، عندما جسد شخصية شلبي، مجند الأمن المركزي الذي يشارك ضمن قوات تأمين الاعتصام في الفيلم، حينها كان محمد رمضان يودع سنوات المراهقة ويقترب عمره من العشرين عاما، تعاطفت كثيرًا مع نهاية شلبي في الفيلم حين فقد حياته، حينها أتذكر أن جزءا من تعاطفي مع رمضان كان شعوري أن ذلك الممثل الشاب موهوب للغاية، لكنه قد لا ينال فرصة أكبر من دور المجند بسبب طبيعة صناعة السينما التي لا تمنح كل الموهوبين الفرص التي يستحقوها بسهولة.
بعدها جاءت لرمضان فرصة ثانية للعمل مع منى زكي، في فيلم إحكي يا شهرزاد للمخرج يسري نصر الله، أداء رمضان لم يكن مبهرا في الفيلم لكنه خرج من مأزق تقليد أحمد زكي، بالإضافة إلى أن مساحة الدور وقيمة الفيلم ومخرجه لفتوا الأنظار إلى وجود ممثل شكله مختلف عن نجوم الشباب، يمتلك موهبة للتمثيل تنتظر من يتبناها.
بعد ثلاثة أعوام، قام المنتج محمد السبكي في عام 2012 في ظل ركود صناعة السينما، بالتعاقد مع رمضان ومنحه فرصة البطولة في ثلاثة أفلام بدأها بـ “عبده موته”، ثلاثية البلطجي التي قدمها رمضان أغضبت الكثيرين، خاصة بعدما ظهر مقلدين لمظهر الشخصيات وطريقتها في الكلام المسجوع، وكذلك طريقتها في المشاجرة.
بالتأكيد لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع لرمضان ذلك النجاح المدوي والمفاجئ، سرعة النجاح وكذلك سرعة تصوير وعرض الثلاثية لم تمنح رمضان الفرصة لاستيعاب نجاحه أو انتقاء الأدوار التي تناسبه.
بابإنتهاء التعاون بين محمد السبكي ومحمد رمضان، حاول الأخير البحث عن أرض صلبة يقف عليها وسط صخب الشهرة السريعة التي أصابته، تخبط في تصريحاته بين إعلان عن عدم رضائه عن أدواره السابقة، ووعد الجمهور بتغير في طبيعة ادواره، ثم العودة للتصريح عن عدم ندمه على تقديم أعماله السابقة.
التخبط الذي أصاب رمضان هو رد الفعل الطبيعي الذي قد يصيب أى شاب لم يتجاوز عمره منتصف العشرينات يجد نفسه فجأة ضمن نجوم الصف الأول ويقلده آلاف الشباب في الأحياء الشعبية، وأصبح يواجه عبئا ألقي على عاتقه وهو محاولة استثمار ذلك النجاح، وهي مسئولية صعبة خاصة في ظل عدم وجود مدير أعمال محترف له، بعدما أوكل إدارة أعماله إلى شقيقه الأكبر وهو بدوره لايمتلك الخبرة لإدارة موهبة شخص استيقظ ليجد نفسه في المقدمة دون استعداد أو تأهيل مسبق.
في البدابة كان محمد رمضان لايختلف عن منتقديه في محاولة فهم أسباب نجاحه، حتى وصل إلى القناعة التي أوصلها إلى جمهوره وهي أن ثقته بالله سبحانه وتعالى هي السبب في نجاحه. البعض يرى أن تكراره للجملة نوع من الاصطناع وترديد الجمل الرنانة، لكن من يتأمل مشوار صعود رمضان يجد أنها التفسير الوحيد للقفز من منطقة ممثل الأدوار الثانوية إلى نجم الشباك.
محاولة الاتزان بدأها في مسلسل “ابن حلال” الذي خرج فيه من ثوب البلطجي إلى الشاب الصعيدي الفقير الذي يحاول اثبات براءته، ثم فيلم “شد أجزاء” الذي انتقل فيه من دور المجرم إلى دور رجل الشرطة الذي يسعى للانتقام من قاتل زوجته، وبعدما بدأت صورة رمضان في التحسن، عادت الانتقادات المعتادة لتطارده بعد مسلسل “الأسطورة” الذي قدم فيه شخصية تاجر السلاح.
الهجوم على مسلسل “الأسطورة” كان مبررا، خاصة بعدما أصبح مظهر رفاعي الدسوقي مسيطرا على العديد من الشباب، لكن ذلك لا يمنع كونه واحدا من أنجح الأعمال الدرامية في رمضان الماضي.
خروج رمضان من عباءة المجرم وعودته إليها طواعية كانت مصدرا للحيرة، فما الذي يمنعه من اتخاذ خطوات للأمام في الطريق إلى هدفه الذي بسببه احترف التمثيل، وهو إبراز مواهبه وقدراته التمثيلية، خاصة أنه لم يكن مضطرا لتقديم ذلك النمط الذي قبله تحت ضغط السبكي ليصل لأدوار البطولة.
محمد رمضان في حواراته التليفزيونية والصحفية يعيبه عدم الشعور بالثقة الكافية التي تجعله يطمئن ويصمت أمام الانتقادات، فتكون ردود فعله متوترة مثل موقفه من بيومي فؤاد عندما انتقد تقديمه لمسلسل “الأسطورة” بالرغم من وعده للجمهور بعدم العودة إلى تلك النوعية من الأدوار، فما كان من رمضان إلا مهاجمة بيومي فؤاد عبر فيسبوك، أو موقفه من منتقدي تباهيه بسيارته الجديدة والغاضبين من مستوى الأدوار التي يقدمها، جمعيهم وضعهم رمضان في خانة الكارهين لنجاحه، ولم يحاول إظهار أي تقبل لوجود احتمالية وقوعه في الخطأ.
الشيء الإيجابي أن المتابع لأخبار محمد رمضان في الفترة الأخيرة، يشعر أنه بدأ اتخاذ خطوات تصحيحية لمشواره، واكتساب قاعدة جماهيرية أوسع، حيث انتهى مؤخرًا من تصوير فيلم “جواب اعتقال”، إنتاج أحمد السبكي، ويشاركه البطولة كلا من إياد نصار، دينا الشربيني، سيد رجب، صبري فواز، إيمان العاصي ووليد فواز، وهو من تأليف وإخراج محمد سامي.
بالإضافة إلى تعاقده على بطولة فيلمين ومسلسل، هم:
آخر ديك في مصر – إنتاج مصر للسينما (كامل أبو علي) و إعلام المصريين (أحمد ابو هشيمة)
بطولة هالة صدقي، مي عمر، محمد ثروت، محمد علي رزق، إنجي وجدان، إنتصار ، تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج عمرو عرفة.
الكنز – إنتاج وليد صبري
بطولة محمد سعد، هند صبري، روبي، آسر ياسين، أحمد رزق، أمينة خليل وسيمون، من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج شريف عرفة.
بالإضافة إلى مسلسل “مرزوق وإيتو” المتوقع عرضه في رمضان المقبل وهو من إخراج طارق رفعت، وفي انتظار ترشيح أبطاله والاستقرار على كاتب جديد للسيناريو بعد انسحاب أيمن بهجت قمر من العمل بسبب انشغاله بفيلم “آخر ديك في مصر”.
كما أعلن أنه ينوي دخول فيلم جديد مع المخرج داوود عبد السيد بعد انتهائه من تلك الأعمال، فيما يبدو أنها خطة عمل حتى منتصف عام 2018، وهو شيء غير معتاد بالنسبة للسينما المصرية.
خطوات رمضان القادمة تبدو كما لو كانت قفزات لمرحلة فنية جديدة تتسم بمزيد من النضج، أعمال ضخمة إنتاجيًا بصحبة ممثلين أصحاب مواهب كبيرة وافقوا على مشاركته البطولة تحت إدارة فنية لمؤلفين ومخرجين لهم تاريخهم وقيمتهم الكبيرة.
ربما تكون تلك الأعمال فرصة رمضان الأهم لاستثمار نجاحه السريع وإضافة ثقل له وقاعدة يستطيع البناء عليها لمشوار فني يفخر به، وحتي تظهر تلك الأعمال للنور، سأظل منتظرا أن يحصل الممثل الأسمر النحيل في دور مجند الأمن المركزي بفيلم “رامي الاعتصامي” على فرصته الحقيقية ليظهر للمشاهدين موهبته كممثل بارع.