حسين عثمان يكتب: لقاء فى شقة جاردن سيتى..!!

كان الاحتفال بمرور عامين على انطلاق موقع إعلام دوت أورج مناسبة لحوار ذي شجون حول أوضاع الإعلام المصري حالياً وتحدياته المستقبلية، التقى الحضور من مختلف الأجيال والاتجاهات دون ترتيب، واتفقنا جميعاً على أن إعلامنا بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية في حاجة إلى سرعة توفيق أوضاعه بما يتوافق ومواجهة تحديات مستقبلية قريبة، ويبقى دائماً أولها وأهمها الوفاء باحتياجات المتلقي، ومصادفة توقعاته، ولا نبالغ إذا قلنا العمل على خلق هذه الاحتياجات من الأساس، ومع ضرورة منح الإعلام الرقمي أو الصحافة الإلكترونية أولوية مستحقة، فالمستقبل القريب لها شاء من شاء، وأبى من أبى.

وتتلخص رؤيتي هنا في أن إعادة هيكلة كافة كياناتنا الإعلامية – حكومية أو خاصة – بحيث تعمل بشكل مؤسسي، ووفقاً لمعايير الإدارة الحديثة، هو أمر بات من الضرورة بمكان لمن يريد التفوق وليس فقط التواجد إن استطاع الاستمرار على منواله العشوائي حالياً، فالمنتج الإعلامي لأي قناة فضائية أو محطة إذاعية أو صحف ومجلات، ومعها الآن المواقع الإعلامية الإلكترونية، هذا المنتج لا يتعارض أبداً مع أهمية أن يتواجد خلفه منظومة إدارية محكمة تضمن دون أدنى شك تفوق هذا المحتوى وتميزه ومواكبته لمستقبل يمثل تطور وسائل تكنولوجيا التواصل سمة أساسية له ولسنوات طويلة وأجيال عديدة قادمة، هذا من ناحية، كما يضمن من ناحية أخرى استقرار وتوازن وتطور أوضاع هذه الكيانات اقتصادياً بما يحقق استمرارها بقوة الجذور الراسخة في الأرض مهما كانت العواصف.

وأول ما يجب أن يدركه ملاك هذه الوسائل الإعلامية جميعها – حكومية أو خاصة أيضاً – أن إعادة هيكلة هذه الكيانات الكبرى هو من صميم عمل رجال الإدارة وليس رجال الإعلام، فمن قبيل الحرث في البحر أن تعتقد الدولة أن إعادة هيكلة ماسبيرو يمكن أن يتم على أيدي أبنائه من الإعلاميين وإن تفوقوا مهنياً، أو أن تأمل في حل مشكلات مؤسساتنا الصحفية القومية المتراكمة تاريخياً وفقاً لرؤية رجالها الذين هم في الأول والآخر كتاب أو صحفيون وإن كانوا من الطراز الأول مهنياً، وهكذا الحال في كافة الكيانات الإعلامية الخاصة بمختلف ما تملكه من وسائل، فهم ساروا في هذا على منوال الدولة، فكان أول ما فعلوا مع بداية تأسيس كياناتهم – ولا يزالون – أن لجأوا إلى هؤلاء وهؤلاء وولوهم أمر قنواتهم ومحطاتهم وبرامجهم، فكان من الطبيعي اجترار نفس المشكلات، والدليل أن هذه الكيانات الخاصة جميعها كبر أم صغر يعاني أزمات طاحنة على مستوى أوضاعها الداخلية، أزمات قضت على العديد منها فذهب مع الريح، ولا تزال تهدد استقرار واستمرار عدد آخر ليس بالقليل، ولن يكون الاندماج بعد أن كنا منافسين إلا حلاً لعرض وليس علاجاً جذرياً لمرض، وطالما انتهجنا نفس الطريق الذي أخذ كلاً منا إلى مأزقه قبل أن نندمج معاً في نفس المآزق.

هل يعني هذا أن لا دور للإعلاميين هناك؟!.. بكل تأكيد لهم دور لا يقل قيمة أو أهمية، فالدوران وجهان لعملة واحدة هي عملة النجاح والتميز، بل والتفوق الاستثنائي لأي بيزنس، ودورهم أن يمارسوا مهنتهم وفقط، أن يعمل كل منهم في مجاله وبمهنية تعلو عنده على أي أولويات أخرى، أن يؤمن أن رسالته تتلخص في تقديم محتوى مميز يوفي اهتمامات المتلقي، ويغطي احتياجاته، ويواكب أسلوب حياته، ويعطي الأولوية في هذا إلى كشف الحقائق، وتأصيل المفاهيم، ورفع الوعي، وتعظيم قيمة المعرفة، والارتقاء بالأذواق، وقتها يخرج بنا الإعلاميون من مساحة رد الفعل القابعين بها إلى مساحة الفعل، يبدأون يومهم وفقاً لمنهج موضوع لتفعيل استراتيجية بعيدة المدى في سبيل تحقيق رؤية، وأداء مهمة، وإعلاء قيم، والوصول إلى أهداف مهنية ومادية وإنسانية، عندها نذهب إليهم واثقين أن هناك جديد، نجري من هنا لهناك بشغف الانتظار للتفاعل البناء، ونتخلص من حالة الملل من سطحية وسماجة وصخب تكرار لا يرحم ولا يدع رحمة الله تلطف بنا، حتى بات الاستهزاء والسخرية من إعلامنا يشكلان معاً التفاعل الحصري للمتلقي مع مختلف وسائلنا الإعلامية.

ولا يفوتني هنا التأكيد على أنه إذا كان الإبداع يشكل تحدياً للجميع في هذه المنظومة، فإن كياناتكم جميعاً بمختلف وسائلها الإعلامية مليئة بطاقات شابة متحمسة لا تفعل سوى التفكير خارج الصندوق، ذلك النداء الذي تطلقونه ونجومكم جميعاً فقط للتباهي، تمارسونه قولاً لا فعلاً، في هذا الملتقى الاحتفالي بعيد ميلاد موقع إعلام دوت أورج، لم يكن هناك أجمل من الشباب الذي أحاطنا من كل جانب، وخطفنا ليس فقط بابتسامات ونفوس كلها أمل وتفاؤل وحماس، وإنما بأفكار ورؤى لا تحتاج منكم جميعاً – وأنتم الملاك وأولو الأمر – إلا أن تمنحوهم الإنصات مع مساحات كافية من أوقاتكم، تفاعلوا معهم وامنحوهم فرصاً يستحقونها، وتأكدوا أن استثماركم في تلك المواهب والطاقات الشابة لا يقل أهمية، ولن يعود عليكم وعلينا إلا بما نتمناه جميعاً من إعلام فاعل رائد كما اعتدناه واعتاده الوطن العربي لسنوات طويلة ماضية باتت مجرد ذكريات من عمر فات على صفحات التواصل الاجتماعي.

أما شقة جاردن سيتي.. فما هي إلا لمحة من الزمن الجميل ضمت هذا الاحتفال التلقائي البسيط في تنظيمه، الكبير في قيمته، هي بمثابة ملتقى ثقافي اجتماعي فني يملكه شعراء وأدباء ومثقفون شباب، ويرتاده ويتفاعل معه وفيه شباب، ولكن في حضن الكبار من رواد الزمن الجميل، تحوطك إبداعاتهم من كل جانب، وبحيث لا تجلس هنا أو هناك إلا وتقع عيناك على ركن أو زاوية أو كتاب أو لوحة أو مشهد جميعها لابد وأن يأخذك إلى ذكرى أو يستحضر روحاً تلهمك وتجدد وجدانك من جديد، وكأن الحالة حالة إصرار على التواصل فيما بين الأجيال تبقى استخلاصاً لخبرات الماضي، وتفاعلاً مع الحاضر، وتشكيلاً واعياً متجدداً للمستقبل.