فنانات كثيرات قدمن دور الأم المصرية في الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية، لكن ظل لكل فنانة طعما خاصة، ونكهة فنية فريدة. من بين هؤلاء “ماما كريمة مختار”، التي يكتب عنها إعلام دوت أورج اليوم، ليهديها بعض كلمات الحب المستحقة، وهي على فراش المرض.
استطاعت “ماما نونة” أن تتفوق في دور الأم بلا منازع، حتى مع وجود نجمات كبيرات قدمن هذه النوعية من الأدوار، لكن في الوقت الذي ينظر فيه البعض بسلبية إلى أن كريمة مختار تم حصرها في أدوار الأم، كانت هي على علم بالتنوع الكبير الذي تحمله شخصية الأم المصرية. لأن هذه الأدوار تحتاج إلى فنانة مغموسة في أدق تفاصيل الأسرة والمجتمع المصري.
الأم الحنون، القوية، الفقيرة، الغنية، المهمومة، السعيدة، الفخورة بأسرتها، التي تشكو جفاء الأبناء، المغلوبة على أمرها، المتمردة أحيانا. قدمت كريمة مختار كل هذه الأنواع من أدوار الأم وأكثر بكثير. وإذا كان الجيل الجديد والأطفال قد أحبوها من خلال دور “ماما نونة” في مسلسل “يتربى في عزه” بطولة الفنان يحيى الفخراني، لما في الدور من خفة ظل كبيرة، وحنان مفرط، إلا أن كريمة مختار قدمت الكثير قبل ذلك، الذي يمكن معه أن يطول الحديث.
بالرغم من أن الحب غالبا يأتي بدون مقدمات أو أسباب، لكن هذا الحب يحتاج الكثير من المجهود والرعاية حتى يستمر ويكبر، خاصة وإن كان حب لفنان. يبدأ فنان صغير، وينمو حب الجهمور، حتى يُصبح بعد ذلك فنان قدير. كريمة مختار لم تصل إلى الجمهور لأنها فقط مثلت دور الأم، وعرفت به في معظم مشوار حياتها، لكن لأنها فعليا فنانة كبيرة، استطاعت أن تُجسد التفاصيل الصغيرة التي تعيشها فئات كثيرة من النساء المصريات.
أجادت كريمة مختار، الأدوار التاريخية، التي تحتاج لغة عربية سليمة، وسمات شخصية وشكلية خاصة، فلا ننسى دورها في مسلسل “لا إله إلا الله”، وكيف استطاعت أن تحول بأداء رائع، ملامحها الطيبة إلى ملامح امرأة فرعونية حادة، تأمر وتنهى وتحث القادة على القتال.
كريمة مختار ليست فنانة كوميدية، لكن ضحكتها الصافية قادرة على إدخال البهجة على المشاهد. تذكرنا أفلامها ومسلسلاتها بلمة العائلة في أول أيام العيد. وهي كذلك بالفعل. تزور كريمة مختار كل منزل في جميع الأعياد، بصحبة “أبنائها” أحمد زكي وسعيد صالح ويونس شلبي ونادية شكري، من خلال مسرحية “العيال كبرت”. المسرحية التي جمعت نجوم الكوميديا الذين ذكرنا أسمائهم، ولم ننس بالطبع الفنان الكبير حسن مصطفى، استطاعت كريمة مختار بالرغم من هذا الجمع الكوميدي، أن تترك أثرا في ذاكرة المشاهد، الذي حفظ الجمل الحوارية الخاصة بها، وطريقتها في المشي وشرب السجائر لأول مرة، كما علمها ابنها “سلطان”.
من النادر في السينما العربية، أن تجد فنانا قادرا على أن يظل بنفس هالة النور، حتى مع تقدمه في السن. على عكس الفنانين العالميين، الذين تُصنع أفلاما لهم خصيصا، لمعرفة قدرهم الفني الكبير، لكن كريمة مختار اكتسبت هذه الميزة، فهي مازالت تقدم أدوارا فنية. تتخيل للحظة أنها بدون مبالغة تتنفس الفن. ومع تقدمها في السن، وعدم قدرتها على الحركة بشكل كبير، نجدها تقدم ببراعة بعض الأدوار وهي جالسة لا تتحرك كثيرا، لكن بالرغم من ذلك تكون مؤثرة إلى حد كبير، مثل دورها في فيلم “الفرح” و”ساعة ونص”، بالإضافة إلى دورها في مسلسل “دلع البنات”.
هناك مشاهد لكريمة مختار، يتم تداولها حتى الآن، وستظل كذلك لفترة طويلة، مثل المشهد المميز لها في فيلم “ساعة ونص”، والذي يجمعها مع الفنان إياد نصار، داخل القطار، وهي تحكي عن ابنها الذي تاهت عنه وتخبره أنه ترك معها ورقة لم تكن تعلم ما بداخلها، لتكتشف أنه يطلب ممن يجدها إيداعها في دار للمسنين.
https://www.youtube.com/watch?v=Go7oa-kvQzA
للفنانة القديرة كريمة مختار تاريخ خاص مع الفنان الراحل فريد شوقي، قدما سويا أروع أعمال السينما والدراما المصرية، مثل “يارب ولد”، “وتمضي الأيام”، انقذوا هذه العائلة”، “البخيل وأنا”، “الليلة الموعودة”، “بداية ونهاية”، “رجل فقد عقله” وغيرهم، حيث ظهرت غالبا في دور زوجته، لكن مع ذلك، نجد تنوعا كبيرا من دور لآخر.
أجرت حوارا سابقا مع الإعلامي محمود سعد، على قناة النهار، تحدثت خلاله عن تاريخها الذي بدأ مع العمل الإذاعي، خاصة في برامج الأطفال، وكيف أن المسئولين عن الإذاعة وقتها وجدوا شبها في صوتها مع صوت الفنانة فاتن حمامة، وهو ما لفت أنظارهم إليها، ثم دخلت عالم الإذاعة في أوائل الخمسينات.
تحدثت عن زوجها الفنان والمخرج الراحل نور الدمرداش، وكيف كانت تخشاه و”بتخاف منه” خاصا عندما كان ضابطا، مضيفة: “بقى كل ما كان يكلمني أضحك”، مشيرة إلى أنها رفضت الكثير من العرسان، بسبب تركيزها في عملها بالإذاعة، لكنها وافقت على زواجها من الدمرداش بعد أن رأت والدته عندما جاءت لخطبتها.
قالت “ماما كريمة” إنها الآن تفتقد حتى العاملين الذين يحملون الكاميرا خلال كواليس أعمالها. هذا الافتقاد الذي لا يشعر به الجمهور كثيرا تجاه كريمة مختار، ليس جحودا، لكن لأنها موجودة أمامنا دائما، وبدلا من أن نراها فنانة، أظهرت على الشاشة مخزونا معرفيا خاصا بها عن أنمطات مختلفة من الأمهات، أصبحنا نرى كل أم هي “كريمة مختار”.