جلس على حافّة النهر..
ينتظر أول الشهر..
فاكتشف بعد سنوات..
أنه جالس أمام البحر..
وأن الشهر الذي ينتظره لن يأتي أبدًا..
فكان المقام..
اقترَبَتْ منه تهمس بوصيتها الأخيرة..
لكنه فارق الحياة قبل أن تغرقه بعطرها الطيب..
فاحتضنت ملامحه البريئة.. بكبرياء ثم صرخت:
مات «الحلم» بعد أن جفت أوراقه في أرضنا المختلة..
وغردت «صبا» بلحن الخلود..
نرشح لك : محمد مصطفى أبو شامة يكتب: السيسي والشباب.. و”الحالمون بالغد”
يقول خبراء الموسيقى إن «مقام صبا» هو أكثر المقامات الشرقية حزنًا، ووصفوه بـ«الشجن الجميل»، فعندما تسمع الآلات الموسيقية تعزف هذا المقام أول ما يخيل إليك أن الآلات تبكي.
ومن أشهر الأغاني العربية التي ولدت في بحر الصبا، أغنية «على حسب وداد» للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ التي لحنها الموسيقار بليغ حمدي، وأغنية المطرب السعودي محمد عبده «الأماكن». كذلك أغنية «هوه صحيح الهوى غلاب» لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، والتي مات مؤلفها شاعر العامية الكبير بيرم التونسي وملحنها الشيخ زكريا أحمد، بعد أيام قليلة من أول حفل غنائي تشدو فيه كوكب الشرق بأغنيتهما في شتاء عام 1961، في مفارقة حزينة توافق المقام.
تذكرت «الصبا» ومقامه، وأنا شارد بين أسئلة كثيرة.. رسمت ملامح قصتي عن السنوات الأخيرة من حياتنا.. أسئلة لمعت في عيون الصامتين وتساقطت مع دموع المظلومين، ممن ذبح حاضرهم وتم «إخصاء» مستقبلهم.
ولدت «صبا» من رحم هذه السنوات العجاف، وتفرد مقامها بما غردته من أعذب مشاعر الحب والوطنية، جاهدت «صبا» لتشدو بأجمل ألحانها وتواصل غناؤها مع كل شهور العام وسط الجماهير الثائرة.. الهادرة.. الحائرة.. الشاردة، حتى بح صوتها وساد صمتها وخاب ظنها.
وتكتمل الصورة مع التعريف الأكاديمي للمقام الذي يقول نصه: «إن مقام الصبا فريد جدًّا من نوعه على الناحية الموسيقية، فهو في الحقيقة ناقص علميًّا، وسُلَّمُه يُفترض أن يكون غير صحيح، فكل سلم موسيقي لا بد أن ينتهي بالنوتة ذاتها التي بدأ منها، إلا مقام الصبا، فقراره لا يماثل جوابه، وهذا يجعله متفردًا ومعزولاً (كما هو إحساسه) ليس منشقًّا عن مقام، ولا ينشق مقام منه».
وأخيرًا..
كلنا عايشين في قارب هجرة غير شرعي.. (مقام)
من عاش قهرًا.. كمن باش غرقًا.. (صبا)
* من كتاب «زوربا في شبرا»