عبده مشتاق وإخواته في مهرجان القاهرة

طارق الشناوي - مقالات

وقع هاتوا السكينة.. طبعا أنت تعلم من الذى وقع، إنه مع الأسف الشديد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، والكل سيوجه له طعنات بلا رحمة ولن تجد مساحة فى جسده بلا رمح أو سيف وكما قال المتنبى «فصرت إذا أصابتنى سهام/ تكسرت النصال على النصال، وبعدها عندما يتأكدون أن الأمر محسوم» والنصال تكسرت على النصال، سيأخذ الصراع منحى آخر، لن يتوقف النزيف، سيزداد لهيب المعركة أكثر وأكثر بين جميع القوى المتصارعة ليضرب ويغتال بعضها بعضا، من أجل أن يتمكن الفائز من فرض سيطرته وإحكام قبضته على مقاليد الحُكم فى دولة المهرجان، الكل يترقب تلك السبوبة التى باتت على مرمى حجر من هؤلاء المشتاقين.

بالتأكيد هناك أخطاء وقعت فيها الإدارة التى قادتها ماجدة واصف، رئيسة المهرجان ويوسف شريف رزق الله، المدير الفنى، ولولا تلك السلبيات وبعضها مجانى بالمناسبة، ما كان من الممكن أن يصل الأمر إلى أن نقرأ كل يوم من يتقدم للدولة، معلنا جدارته، برئاسة المهرجان، تستطيع أن ترى نجما مثلا لم يتحقق جماهيريا فى الداخل، ويعتمد فى ترويج بضاعته، على اعتبار أنه وارد هوليوود، رغم أنه تواجد هامشيا، وعلى استحياء فى عدد قليل من الأفلام الأجنبية، وبعض الفنانين مصريون وعرب لهم مساحات أكبر، ولم يتاجر أى منهم بأن ينعت نفسه بالعالمية، لأنهم يدركون جيدا أنهم ليسوا كذلك، إلا أنه كان ولا يزال يعيش الدور الذى صدره للإعلام، وهكذا نراه وهو يلهث فى تنفيذ الخطة، من أجل أن يبدو الأمر فقط رغبة عارمة لدى الجماهير فى تنصيبه رئيسا، رغم أنه فى الحقيقة مقطوع الصلة جماهيريا، ويستغل علاقته بالميديا حتى يتم الترويج له صحفيا وفضائيا، باعتباره المنقذ القادم لانتشال جثة المهرجان وسوف يعيد له الحياة، بعد أن توقف النبض، وليس هذا فقط المشتاق الوحيد.. هناك أيضا أكثر من عبده مشتاق يقول أنا أستطيع أن أتحمل المسؤولية، وفى العادة يتم تسريب خبر للجرائد على سبيل جس النبض، وكأنه يريد أن تصل الرسالة لوزير الثقافة بأنه لا يزال فى الملعب وقادر على القيادة لو أرادوا حقا الإصلاح، ليبدو الأمر ظاهريا أنه أبدا لن يعرض نفسه، بينما هو لم يكف أو يتوقف عن إرسال الرسائل.

الحكاية تبدأ هكذا، خبر يتم تداوله عبر الميديا بأن وزير الثقافة قرر إقالة ماجدة واصف، يكفى لكى ترى الكل وهو يتقدم للوزير مؤكدا أنه لها، رغم أن تركيبة حلمى النمنم الشخصية تحول تماما دون تصديق خبر الإقالة، فهو لا يتعامل بأسلوب رد الفعل السريع، ولكنه يدرس ويتأمل الموقف برمته، من المؤكد قبل إصدار أى قرار خاص بطرح اسم رئيس جديد للمهرجان أو الإبقاء على الحال كما هو، سيترك الفرصة أولا لكى يقرأ التقرير الرقمى الذى سوف ترسله رئيسة المهرجان قبل نهاية هذا الشهر.

كان، وسيظل الأمر يتجاوز القيادة الحالية، هناك ولا شك مشكلات تفاقمت فى السنوات الأخيرة، تبدأ بالهيكلة وتلك العلاقة بين الدولة والمهرجان والتى تحيلها من راعية للمهرجان إلى قائدة ومسؤولة ومهيمنة على كل التفاصيل، قهى التى تُقيمه فى الواقع. إصرار الدولة على البقاء كعنوان هو الجدير بأن تبحثه وزارة الثقافة قبل أن تستقر على اسم من يتولى القيادة. عندما تتصدر الدولة المشهد لتصبح هى المسؤولة سياسيا ألا يجعلها هذا الأمر تشعر ببعض الحرج لأن كل التفاصيل ستحسب رسميا عليها، حدث مثلا فى الدورة قبل الماضية، عندما اضطر د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق فى 2014 إلى إلقاء بيان تفصيلى فى نهاية المهرجان، وكأنه يبرر، لماذا تحصل إيران بفيلم ميلبورن، على جائزة أفضل فيلم الهرم الذهبى، رغم العلاقات الباردة بين الدولتين، ماذا لو كانت الجائزة مثلا من نصيب تركيا هذا العام.

لقد شعر عصفور بحرج سياسى، وقرر وقتها أن يشرح للرأى العام وربما أيضا للقيادة السياسية أن جوائز المهرجان لا دخل لها بالسياسة، وأن موقف الدولة الرسمى لا دخل له فى تحديد مسار الجوائز، ويبقى أنه كلما ازدادت هيمنة الدولة سنرى الروتين الحكومى يزداد توحشا، ليعرقل الكثير من القرارات أو ليفقدها جدواها بسبب سرعة إيقاع الزمن فى انتظار الحصول على توقيع.

مهرجان القاهرة صار عند البعض يتيما يبحث عن أب بديل، الميديا تشتعل بالترشيحات التى تتناثر هنا أو هناك، ولا أحد يريد مواجهة الحقيقة وهى أن الأمر يتجاوز كل الأسماء مطروحة كانت أم غير مطروحة.

من خلال عضويتى فى لجنة المهرجانات التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، أرى كيف أن العديد من الجمعيات تم إنشاؤه مؤخرا من أجل هدف واحد وهو أن الدولة قررت دعم عدد من المهرجانات، فلماذا لا نحصل على فلوس، كل شهر أو نصف شهر تجتمع اللجنة وأمامنا أربعة أو خمسة مهرجانات، فجأة اكتشفنا كم هم ولعون بالمهرجانات، رغم أننا لم نعرف عنهم أبدا هذا الولع، وبعضهم لم نرهم أساسا من قبل فى أى مهرجان ولو محلى، كل من يتصدر فريق العمل فى تلك المشروعات يرى أنه الأحق، وأنه سيرفع اسم مصر عاليا خفاقا فى دنيا الثقافة والفنون، وهكذا يبالغون فى كل شىء، حتى يحصلوا على دعم الدولة، دون أن يمنحوا فى المقابل شيئا للدولة، لا أحد مثلا لديه رعاة يساندون المهرجان ماديا، بل كل ما يفكر فيه كيف يحصل على دعم مجانى وبعدها سيرفع شعار اللى يعرف أبويا يقوله، أكثر من مهرجان شاهدناه يتنقل من محافظة إلى أخرى ويتغير اسمه وتوجهه أيضا تبعا لذلك، ولكن لا يهم، لأن الهدف هو أن تمنحه الدولة شيئا مما تملكه من أموال أو هكذا يظنون.

هؤلاء وغيرهم بالطبع من الممكن أن يجدوا فى مهرجان القاهرة لو استطاعوا الإمساك به فرصة لا تعوض للحصول على القضمة الكبرى فهو يقترب بميزانيته، لو أضفنا لوزارة الثقافة كلا من السياحة والشباب، من 10 مليون.

وأمام جاذبية الإغراء المادى يتهافتون على الغنيمة، وستزداد شراسة المعركة فيما بينهم، كلما أيقنوا بأن تغيير الواجهة فى المهرجان بات ملزما.

مهرجان القاهرة هو عنواننا السينمائى ويستحق أن تدرس الدولة كل التفاصيل لتصدر قرارا متكاملا، وليس فقط إقالة أو قبول استقالة زيد، وتعيين عبيد، بل يتضمن الأمر ما هو أبعد وأعمق، وهو علاقة الدولة الملتبسة والشائكة بالمهرجان، ثم ما هى الضمانات لنرى دورة رقم 39، بعدد أقل من السلبيات وأكثر بالإيجابيات. أتمنى وأنتظر مطلع 2017 لتبدأ رحلة جديدة مع تلك التظاهرة التى فقدت بريقها وتأثيرها مصريا، قبل أن أقول عربيا ودوليا، وأولى مراحل الإصلاح هى أن يتجنب الوزير عبده مشتاق وأخواته!!