نحيي ذكرى مطربة "وأنا عاملة نفسي نايمة"
رباب طلعت
“دخل الحرامي وأنا نايمة… شوف قلة أدبه… وأنا عاملة نفسي نايمة وأنا عاملة نفسي نايمة”، تغنيها بأسلوب هزلي مجسدة دور مطربة شعبية تبهج الرائي بألوان ملابسها ومكياجها وإكسسواراتها، التي اعتادت على المبالغة فيهم لتصبح فنانة كوميديا الفارص “الكوميديا الهزلية”، الوحيدة في مصر “سهير الباروني” التي يوافق اليوم ذكرى مولدها الـ(79)، والتي وافتها المنية في (31 يناير 2012).
سلكت “الباروني” ابنة باب الشعرية، التي تفجرت موهبتها في أزقة الحي العريق، اتجاهاً مغايراً عن فنانات جيلها فاعتمدت على أدائها الهزلي في تجسيد شخصيات الفنانات والراقصات من خلال المبالغة في اختيار الملابس والإكسسوارات وأدوات التجميل، بل وتمعنت في اختيار حركاتها البدنية، فتتراقص وهي تدندن “وطلبلي بيرة .. طلبلي بيرة” في “دلع وشقاوة” خلال دورها كـ”زيزي”، في مسرحية “هاللو شلبي” مع الفنانان عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح، وتثير غضب المدبولي بخفة دمها ليصفها بـ”فرقة العوالم”، الحالمة بأن تصبح مغنية، أو تقفز مرحاً في “الحواديت” مع ثلاثي أضواء المسرح، لتناقض وصفها لنفسها في المشهد بأن كل من يراها يقول “ياختي عليها وعلى عقلها”، لتتحول فجأة إلى فتاة مشاغبة تتراقص وهي تردد كلمات غير مفهومة، ولا ينسى لها الجمهور أغنيتها “بمبة بمبة.. إزاي تديني بمبة”، في مسلسل “ماشي يا دنيا ماشي”، وغيرها من أغاني الأحياء الشعبية، التي كان ختامها بأشهرها للجيل المعاصر أغنية “وأنا عاملة نفسي نايمة” التي يرددها الكثيرون إعجاباً بها وبأسلوبها الساخر في فيلم “فول الصين العظيم”، الذي كانت تجسد فيه دور أم البطل “محمد هنيدي”، الذي انسجم في الاستماع لغناء أمه، وتراقص على حبال إحدى النجفات المعلقة على المسرح لتسقط عليها وتصيبها بالعمى في أداء كوميدي منها وهي تصرخ “آه يا عيني.. آه يا عيني”.
ولم تقتصر إفيهات “الباروني” على المسرحيات فقط، بل كانت مصدر الكوميديا والبهجة في مسلسلاتها وأشهرهم مقولاتها “قوم يا سيد يا كشري” في دورها في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” مع الفنان نور الشريف، مؤدي فيه دور زوجة أخو “فاطمة كشري” زوجة “عبدالغفور البرعي”، والتي خرجت فيه عن عباءة تقديم دور المطربة الشعبية أو الفنانة بشكل هزلي، وترتدي ثوب المرأة البسيطة ذات التعليم الضعيف، التي تعتمد على إظهار شخصيتها أيضاً بالألوان و”البهرجة” في أدوات التجميل والزينة، وهو ما تخلت عنهم في دورها في “فرقة ناجي عطالله” مع الفنان عادل إمام، واستبدلتهم بالتركيز على الأداء اللفظي، الذي بالرغم من صغر مشاهدها فيه علقت في أذهان الجميع بجملتها لابنها “مش الدكتور قالك أمك عندها كشاشة في العظام تقوم تقعد عليها” واصفة إياه بأنه “ابن الغسالة”، ومن ثم تدعي للفرقة بأن توفق في مهمتها فيتزلزل المنزل ويسقط بهم، ليكتشفوا “سرها الباتع”.
https://www.youtube.com/watch?v=bsSNNv7SGlM
وبالرغم من غلبة الطابع الكوميدي الهزلي والعشوائي البسيط عليها إلا أنها كسرت ذلك الطابع بأدوار جدية ثقيلة فردت فيها عضلاتها في مزيج الكوميديا والرومانسية والروائية، ففي فيلم “أيام وليالي” أول أدوارها، ظهرت بجوار البطلة إيمان، وهي تستمع لأغنية عبد الحليم حافظ لها وهو يغازلها بـ”عشانك يا قمر”، لتخطف نظر دنجوان السينما المصرية “أحمد رمزي”، وبعدها تقتحم عالم نجيب محفوظ لتجسد شخصية “خديجة” في ثنائية “بين القصرين”، و”قصر الشوق”، وغيرها من الأدوار التي تراقصت بينها لتترك ورائها إرثاً يقدر بأكثر من (90) عملاً فنيا، ما بين مسرح وتلفزيون وسينما.
https://www.youtube.com/watch?v=0fE0LTqYJ4g
ومع براعة “الباروني” وتنوع مهاراتها وسهولة أدائها، إلا أنها عانت كما عانى كثيراً من المبدعين في نهاية أعمارهم بالنسيان، لتعبر عن حزنها بتخلي الكثيرين عنها وعدم تقديم عروض فنية لها بعدما تقدمت في السن، ورفضت أن تكلم أحد ليمد يده لها، قائلة: “لن أتسول عملاً من أحد”، خاصة بعد موت ابنتها في حادث ميكروباص، تاركة وراءها صبي في الـ(14) من عمره، وطفلة تبلع (11) عاماً، إلى أن خطفها المخرج “إسماعيل عبد الحافظ” في مسلسل “للثروة حسابات أخرى”، لتعود للأضواء بعد فترة غياب، ومن ثم عدة أدوار خاطفة توقفت بوفاتها عام (2012)، بعد تقديمها لدور “أم عبد الجليل” في “فرقة ناجي عطالله” مع الفنان “عادل إمام”.
وعلى تلك البراعة في التمثيل والأداء السهل البسيط الذي خطف أنظار الناس لم تحظى “الباروني” بدور البطولة مطلقاً، بل كانت دائماً كما وصفت نفسها “صديقة البطلة”، وهو ما كانت تعاني منه، بل أحست بالظلم أحياناً لعدم إعطائها الفرصة للتعبير عن قدراتها الفنية بشكل أكبر، في تصريحاتها الأخيرة قبل موتها.
