تظل السينما السعودية غير واضحة المعالم إلى الأن فالشكوى من الدعم الرسمي “المعنوي والمادي” للسينمائيين هناك قضية قديمة ومستمرة رغم خروج بعض الشرائط بين فترة وأخرى بجهود ذاتية وأحدثها فيلم “بركة يقابل بركة” صاحب أول عرض تجاري في القاهرة بسينما زاوية وهو ما يعد حدثا للسينما السعودية.
الفيلم تجربة مقبولة للمخرج محمود الصباغ في عمله الروائي الأول وإن كان يحكمها الواقع المحيط بالسينما في المملكة وهو واقع صعب التغيير الأن!وكان هدف صناع الفيلم الرئيسي تسليط الضوء على الظروف التي يعملون فيها من خلال عدة رسائل للداخل والخارج بداية من التمثيل في العروض المسرحية والتي يمنع الاختلاط بها ويتم التحايل على ذلك بأن يلعب الممثلين الرجال الأدوار النسائية والعكس !وهو ما يولد كوميديا كما ظهر مع بطل الفيلم هشام فقيه الموظف في البلدية وفي نفس الوقت هو ممثل مسرحي هاوي يشارك في عرض هاملت بتقديم شخصية “اوفيليا”!
جاء السيناريو ساذج وأحداثه تقليدية ومتوقعة ومثله عنصر التمثيل خاصة البطل والبطلة رغم إجتهادهما ولكن ليس في الإمكان أفضل مما كان فتقريبا لا توجد صناعة سينمائية سوى عدد من الأفلام الوثائقية والقصيرة يظهر كل عام بتجارب وإجتهادات إنتاجية شخصية ويأتي عنصري المسرح والدراما هما صاحبي الحظ الأوفر حتى على مستوى الجمهور والذي يبدو منشغلا أكثر بالسينما الهندية المسيطرة على الفضاء هناك عبر عشرات المحطات!
الفيلم يمر على إشكاليات إجتماعية كثيرة عبر مشاهد متفرقة مثل قيادة السيارات للنساء عندما تقرر “بيبي” بطلة الفيلم أن تقود السيارة وهي متنكرة في ملابس رجال بعد أن وضعت شاربا على وجهها! والمفارقة الكوميدية في العمل هو عندما يكتشف البطل بركة أن الاسم الحقيقي للفتاة التي يحبها ليس بيبي وإنما بركة ايضا! ولعبت الدور الممثلة فاطمة البنوي وجاء أداءها أفضل من الممثل نوعا ما، وهي هنا تجسد شخصية حالية وأصبحت واقعا في حياة الخليج العربي بصفة عامة “لنجمات” السوشيال ميديا فهي تملك عددا كبيرا من المتابعين على الانستجرام رغم انها لا تظهر وجهها! ويتم إستغلالها في الترويج لملابس وما إلى ذلك مقابل مبالغ باهظة وهو أمر حقيقي يحدثا حاليا مع مثلها أو مع الشخصيات الشهيرة بالمجتمع هناك.
من خلال عدة مشاهدة متناثرة عمد المخرج لتسليط الضوء على نمط الحياة الحالي بالمملكة وخاصة الفكرة الرئيسية للعمل وهي العثور على شريك الحياة وكيف يتحايل الشباب والفتيات لإختلاس اللقاءات العابرة في سوبر ماركت أو أماكن عامة !أو حتى في معارض للفنون التشكيلية وأحيانا تتم المواعدة واللقاءات خارج الحدود في دبي أو شرم الشيخ أو البحرين!؟ الفيلم الذي كتبه مخرجه مربك جدا “فكريا” بسبب كم القضايا الإجتماعية والرسائل التي تحدث عنها وكأن صناعه أرادوا أن يتحدثوا عن كل شيء دفعة واحدة!
معركة قديمة !
كنت شاهدا على واحدة من محاولات السينمائيين السعوديين فمنذ نحو ثماني سنوات تحدث معي بعض الأصدقاء هناك وبنيتهم إقامة مهرجان سينمائي بمدينة “جدة” وتحدثنا في التفاصيل وطلبوا حضور بعض السينمائيين المصريين على رأسهم النجم الراحل نور الشريف لدعم فكرتهم الوليدة وبالفعل تحدثت مع الفنان الراحل ورحب بالفكرة وقال لي موافق على دعم هؤلاء الشباب في مشروعهم وحضور المهرجان، وفجأة ومع إقتراب الموعد المحدد تم الغاء الفكرة لإعتراض جهات ما هناك! ومات حلم إقامة مهرجان سينمائي عربي بالسعودية.
فيلم سعودي لم يشاهده السعوديين!
كانت مفاجأة لي عندما سألت عدد من الأصدقاء والصديقات في المملكة عن فيلم “بركة” والإجابة جاءت أنهم لم يشاهدوه إلى الأن ! وبعضهم لم يسمع عنه وان اهتمامهم أكثر بالانتاج السينمائي الاجنبي والمصري ولكن ربما يكون “بركة يقابل بركة”هو حجر في المياه الراكدة والمؤكد أن المشوار طويل حتى تقنع جمهور بانتاج مغاير لما تعود عليه طوال عشرات السنين.
الفيلم أيضا يلقي اللوم على الجيل القديم جيل الخمسينيات ويتهمهم بأنهم أخذوا اقصى الحريات الممكنة ولم يساندوهم الأن مع استعراض صور “أبيض واسود” لأنماط حياة المجتمع السعودي في الماضي البعيد وتقول لي احدى الصديقات هناك “كانت الفتيات داخل المدارس في الماضي شكل ملابسها مرتب”كما يظهر في الصور وبالفعل بدأت العروض السينمائية في السعودية بالأندية وبعض المنازل الكبيرة عن طريق الموظفين الغربيين في شركات البترول في أربعينيات القرن الماضي واستمر الوضع كذلك حتى عام ١٩٧٩ “العام الذي حدث فيه الهجوم على المسجد الحرام”والذي القى بدوره على الحياة الاجتماعية والسياسية بالمملكة.
بقى أن أقول ان المخرج والبطلة والبطل أتموا جزءا من دراستهم بالولايات المتحدة الأمريكية ويعود سبب الترحيب العالمي به في عدد من المهرجانات وعرضه بالأقسام الموازية وكذلك دخوله لترشيحات الفيلم الأجنبي للأوسكار لسبب أنه ينتمي للسعودية الدولة التي تحظر فيها صناعة السينما وأغلب تصاريح التصوير تكون للأعمال الدرامية التليفزيونية والأفلام الوثائقية وهو ما أعترف به المخرج أن تصوير الفيلم تم بتصريح مسلسل!
ويدور تساؤل بين المتابعين في المملكة عن هذا الاحتفاء والزخم قائلين “هل تمنح لجان المهرجانات الجوائز للسعوديين والسعوديات، لأنهم يستحقونها ! أو لكي يضغطوا على المؤسسات المحلية المعنية لكي تسمح بالسينما؟!”
ومؤخرا ظهر حديث إعلامي عن أن السماح بوجود دور عرض سينمائية بالمملكة سيتم بشكل تدريجي وربما تكون البداية شاشات عرض داخل الأندية الرياضية.